طلبتي : باحة الكلية محجوزة لصورة تخرجكم

                                              

                         أ.د فاضل البدراني

     

طلبتي : باحة الكلية محجوزة لصورة تخرجكم

راجت عبر منصات التواصل الاجتماعي منشورات طلبة المراحل المنتهية للجامعات العراقية امتزجت فيها الحسرات بالأمنيات خصوصا هم على أبواب التخرج،وقد حرموا من حفلات التخرج التي حظي بها زملاء لهم سبقوهم وهم يمنون النفس بالوصول اليها منذ دخولهم الجامعة،وتسمى ب" يوم التتويج أو العرس العلمي" وما أجمل أعراس الشباب في فضاء الإبداع والزهو، لقد حرم طلابنا من صورة التخرج مع أساتذتهم،وهي الذكرى التي لا يمكن التنازل عنها لكل خريج جامعي.

استفزت مشاعري كأستاذ جامعي أشاطر طلبتي سنويا المناسبة العزيزة، وأفرح لفرحهم وأحزن لحزنهم،فهم نتاج مجهودنا،وإخلاصنا وعصارة أفكارنا وتجاربنا وتعب أيامنا عليهم في سنوات الدراسة الجامعية،كلمات البعض منهم سيما طلبتي في كلية الإعلام،أثارت في نفسي ما يجول بخاطر كل واحد منهم، لقد امتزجت الطموحات عندهم بالأسى،وفاضت نفوسهم بين البحث عن مخرج يعوض ما فاتهم وبين تمرد على واقع يشعرون أنهم أحق من غيرهم في صناعته وإنتاجه،طلبة الإعلام يختلفون عن غيرهم ،لأنهم امتهنوا مسؤولية حمل القلم بيد والفكر في الرأس،هم منبع الفكر ومادة الثقافة،والروح الإنسانية والأقلام التي يحتمي الشعب والفقراء منهم على وجه الخصوص بها،خريجونا جعلوا مصلحة الوطن حبر أقلامهم،وتفقهوا بمسؤولية إعلامية أن أقلامهم لن تكتب سوى للشعب والوطن وصنع الحياة الجميلة،ولن تعاقب طرف، وتعلموا أن قلم العقاب حبره الشيطان،وأن إنصاف المظلوم هي لغة لسانهم،والصدق من أجل العدالة سبيل حياتهم،والحيادية منهج ثقافتهم.
صفات يتحلون بها بحكم الثقافة الإعلامية التي درسوها وتسلحوا بها، ثقافة تتميز بكونها تصنع العقل وتنضجه وتحرره من الكسل والإحباط ،لذلك أخرجوا أقلامهم يبحثون عن عذر لهم من سعادة الفرح بيوم التتويج والعرس العلمي فرحة تجمع بين أركان العملية التعليمية " الخريجون، الأهل، الأساتذة " كل منهم ينشد كلمته بيوم النجاح، كل منهم يتذكر مشقة السنين وتفاصيل الأيام والدرس ومزاج الطالب والأستاذ،لتطوى خلف الظهور،والجميع يرتدي أحلى الملابس،ولسان حالهم يردد،من طلب المعالي سهر الليالي...
طلبتي الغالين ..عذركم أن طلبة العالم يعيشون نفس إحساسكم،والأهل والأساتذة هم ربما أحزن منكم لكن ما يشفع لهذه الغصة،أني قرأت كتابا عندما كنت على أبواب التخرج بمرحلة البكالوريوس،وكانت بلادي تعيش أطول حرب يشهدها التاريخ المعاصر، يقول الكتاب "السلم وحده من يهزم الحرب ،والوعي وحده من يصنع السلام " اليوم في مناسبة تخرجكم "أقول أن العالم يخوض حربا ضروس والجيش الأبيض وحده من يواجه الجائحة،ولكني على يقين من أنكم بوعيكم الإعلامي قادرون على صناعة أسرة واعية يتشكل منها مجتمعكم العراقي لنطرد جميعا وباء كوفيد19 الذي حل علينا بأدوات المحاربين العالميين الشرسين .
طلبتي..في آخر زيارة للكلية،صدمت بصمت غريب يطبق على صفوفها ومقاعدها والسبورة والممرات والجدران البسيطة والتسجيل والكافيتريا والمكتبة،وباحة الكلية التي تتجمعون فيها تسأل عنكم،وعن أحوالكم وصحتكم من الوباء،وعن مدى استمراركم بالتعليم الالكتروني،تابعت ملصقاتكم ومنشوراتكم وكتاباتكم وكل نتاجاتكم تزين جدران الكلية،دخلت في أحد الصفوف فقرأت عبارة مكتوبة على السبورة "سنعود لك أيها الصف الجميل"وأدركت أن أحدكم كتبها،بل وجدت أشجار حديقتها البسيطة، تزينت جمالا كثيرا،وكل شجرة تبعث عطرا وألوانا وزهوا،كل شجرة منها تسأل عنكم واحد واحد،توحي للناظر أنها لا تريد أن يختفي جمالكم وعطركم وبسمة كل واحد منكم.ورغم كل ذلك فلا أخفيكم رغم كل الجمال والعطر وحياة الطبيعة الذي أحاطني في الكلية لكني عشت وحدي بين صمت مطبق أبحث عن أصواتكم وزغردتكم وضحكاتكم فقلت لنفسي متذرعا بعذر لم أقنع به لعل " الصمت في حرام الجمال جمال ".
طلبتي الغالين.. تيقنوا مهما طال زمن الحظر والتباعد الاجتماعي لا بد أن يهزم الوباء ويحل بديلا عنه الحياة والاندماج، تطمنوا أن باحة كليتكم محجوزة لكم لالتقاط صورة تخرجكم،وجنائن وبساتين دجلة والفرات محجوزة لإقامة حفلات تخرجكم ولا يبعدنا عنها سوى إشراقة شمس السلام،وهي قريبة جدا مهما طال وقت الوباء.
طلبتي الغالين..أعترف بكلمتي هذه،فعندما التقيتكم في المرحلة الأولى وجدت ترسبات الثقافة المذهبية والطائفية والمناطقية والدينية المتطرفة وترسبات الشحن السياسي أخذت حيزا واسعا من عقولكم الفتية لتتشكل منها مجموعة هويات فرعية بينما هوية الوطن لم أعثر عليها،ولكني أعلنها لكم اليوم،وانتم تقطعون أربع سنوات من الدراسة وقد نهلتم من الثقافة الأكاديمية الكثير، لقد اتزنت بوصلة تفكيركم واستوطن الوعي في عقولكم،واختفت عندكم الهويات الفرعية،وترسخت في عقولكم الجميلة هوية العراق العظيم. وبإسمي ونيابة عن زملائي الأساتذة أقول لكم بعرس التتويج :
طلابنا بارك الرحمنُ جهدكمُ…وفيكمُ ،فلكم منا تهانينا
طلابنا للعلا سيروا مكللةً…لكم مساعيكُمُ خوضوا الميادينا

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع