معنى الاغتراب .. والاغتراب الثقافي

                                                    

                                  رنا خالد

معنى الاغتراب.. والاغتراب الثقافي

بداية، ينبغي تعريف معنى (الاغتراب).. فمؤسس علم التحليل النفسي فرويد يقول (ان الاغتراب هو في شعور الانفصام بين الذات الواعية وقوى اللاوعي الدفينة فيها، حيث أن الفرد تحرك سلوكه الرغبات المكبوتة.. فيما عالم الاجتماع "غوين نيتلر" المتوفي 2007 بعد عمر مديد بلغ 107 سنوات (أن الاغتراب حالة نفسية من حالات الإنسان السويّ، فالإنسان الاغترابي كما يقول، هو الذي يكون غريباً عن مجتمعه أو الذي حوّل إلى إنسان ذي علاقة غير ودّية بمجتمعه، وبثقافة ذلك المجتمع.. غير ان" موري ليفن" العالم الامريكي المختص بفيزائية الانسان والحاصل على جائزة نوبل سنة 1969، وعلى قلادة " أينشتاين سنة 2005 يؤكد (أن الصفة المميزة للإنسان الاغترابي هي اعتقاده أنه غير قادر على تحقيق رسالته الصحيحة في المجتمع)

نستخلص من اقوال هؤلاء العلماء، أن الاغتراب الذاتي، بما فيه الاغتراب الثقافي، هو شعور نفساني، تحدده ظروف اقتصادية، او سياسية، او اجتماعية وغيرها..

مفهوم الاغتراب؟
وقد وجد الاغتراب تعبيره الأول في الفكر الغربي وذلك في تصور العهد القديم للوثنية (idolatry) كما يمكن الوقوع على جذور فكرة الاغتراب في كتابات أفلاطون وفي المذهب المسيحي حول فكرة الخطيئة الأصلية وفكرة الخلاص، كذلك عند القديس أوغسطينوس ومارتن لوثر. إذ كان الاغتراب يعني الجهاد لفصل الذات الإنسانية عن نواقصها بجعلها في حالة هوية مع كائن متعال (الإله).
تمّ بذل العديد من المحاولات الجديّة في الآونة الأخيرة، والتي تستهدف إعطاء الاغتراب مفهوماً يتغلّب عليه الطابع النظامي والعلمي في آنٍ معاً، خاصة إبان الدراسات التي قام بها الباحث (دي دين وجي نيتلر)، وذلك من خلال بحث نشر في المجلّة الأميركيّة عام ألفٍ وتسعمئةٍ وواحدٍ وستين تحت عنوان (الاغتراب، معناه وقياسه)،

مفهوم الثقافة
يتميّز مفهوم الثقافة بشموله لأنواع العلم، فهو يُستخدم في مختلف العلوم كعلم اللّسانيّات، وعلم النفس، والإنسانيات، والفلسفة، والاقتصاد وغيرها: يُعرِّف مالينوفسكي (Malinowski) الثقافة على أنّها وسيلة تحسّن من وضع الإنسان، حيث يستطيع مواكبة التغيُّرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية. والثقافة طريقة حياة شعب معين، يعيش معاً في مكان واحد. وتظهر هذه الثقافة في فنون أبناء هذا لشعب، وفي نظامهم الاجتماعي، وفي عاداتهم وأعرافهم، وفي دينهم. وبالرغم من أن هذا التعريف الشائع يؤكد عوامل التفاعل والتعايش المشترك في تشكيل ثقافة مشتركة كحالة جمعية، فأننا نود أن نؤكد، في هذا الصدد، على أمرين أساسيين:
أولهما، أن نشوء الثقافة وتطورها واكتمالها يتم عبر عملية تاريخية تتفاعل فيها التجارب المشتركة. والامر الثاني، هو ان الكثير من الباحثين، كما مؤلف هذا الكتاب، يجمعون على دور "العامل الاجتماعي" أو "النظام الاجتماعي" في نشأة وتكوين الثقافة.. والمقصود هنا، بشكل أكثر تحديداً، هو دور عملية الانتاج في المجتمع والعلاقات الناتجة عنها في تكوين الثقافة والمثقف وكذلك دور المثقف في العملية الانتاجية. فكل تشكيلة اجتماعية ـ اقتصادية تخلق ثقافتها ونسقها القيمية الخاصة بها

أنواع الاغتراب :
تعددت أنواع وأشكال الاغتراب وذلك لتعدد الجهات التي تناولت هذا المفهوم في كالطب والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلم النفس , حيث وجدت للاغتراب أنواع عديدة منها الاغتراب القانوني الاغتراب الديني ، الاغتراب الاقتصادي، الاغتراب الثقافي, الاغتراب السياسي , الاغتراب التكنولوجي، الاغتراب الإبداعي , والاغتراب النفسي . وهناك الاغتراب القيمي الثقافي، حيث إن التحلل القيمي في أكثر من صورة يعني تآكل سيطرة المعايير الاجتماعية على السلوك، وقد أطلق العلماء على هذه الحالة مصطلح اللامعيارية، وهو ما يلاحظ بشكل خاص في المجتمعات الغربية.
مراحل الاغتراب
1- مرحلة التهيئة للاغتراب: وهي النقطة الأولى التي ينطلق منها الانسان في احساسه بهذا الاغتراب، حيث تبدأ تلك المكونات الخارجية بالتأثير على الفرد.
2- مرحلة النفور والرفض الثقافي، وهي المرحلة التي يبدا فيها المغترب بالنظر الى ما يدور من حوله من عناصر الغربة والاغتراب.
3- مرحلة تكيف المغترب: وهي مرحلة المواجهة ضمن المكونات الحياتية.

الاغتراب الثقافي ومدياته
كلنا يدرك، ان المجتمعات تعيش دوما، حالات من الاغتراب، في ضوء ما يشهده العصر الحاضر من متغيرات، وتحديات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية، وتكنولوجية ولعل من أهمها: العولمة بجميع أبعادها مع ما رافقها من غزو ثقافي اخترق طبقات المجتمع المختلفة، وأدى إلى حدوث شرخ بين هوية المجتمع الممتدة مع التاريخ، والثقافات الجديدة.. ولاسيما عند مجتمع الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر تعرضا للغزو الثقافي ولأنهم الأكثر معاناة من هذه الفجوة الفكرية بين ثقافته والثقافة الجديدة، ولأنهم يحملون طاقات فكرية وروحية تحتاج للإشباع فيقف الشاب حائرا بين حاضره وماضيه، أي يعيش صراعا ثقافيا بين ثقافته الاصلية والثقافة الوافدة الجديدة، ما يجعله يقف في حيرة بين الثقافة الضاغطة الطاردة وأخرى مرنة جاذبة.

العولمة وأثرها الثقافي
ويرى الكاتب علي اسعد وطفة ان لكل عصر محددات وضوابط تؤثر على سلوكيات أفرداه فألامس يختلف عن اليوم.. يعيش الإنسان المعاصر صدمة ثقافية اغترابيه فرضتها أنساق من طفرات التغير الهائلة في مختلف جوانب الحياة ومكونات الوجود الاجتماعي والثقافي؛ وقد وصفت هذه التحولات الكبيرة في المجتمع الإنساني المعاصر تحت عناوين مثيرة وملفتة للنظر مثل:” ما بعد العولمة، وما بعد الحداثة، وما بعد المعرفة”، وهي عناوين ترمي في جوهرها إلى وصف التقدم الهائل في مجال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. فالاختراعات التي أبدعها الإنسان في العقود الأخيرة من الزمن تفوق اليوم حدود التصور والتخيل، حيث تعيش الإنسانية عصرا متفجرا بالثورات العلمية الهائلة في كل المجالات.

وانا اتفق مع الكاتب مسعد عربيد في مناقشته لكتاب الاغتراب الثقافي للذات العربية بقوله ان هيمنة النظام العالمي الجديد الذي أطلت على الانسانية في مطلع تسعينات القرن الماضي لم تقتصر على العولمة الرأسمالية بسياساتها الاقتصادية فحسب، بل رافقت هذه المتغيرات غزوة ثقافية.
ورغم ادعاءات هذه الغزوة الزائفة بحلم "القرية العالمية"، فقد استهدفت، في جوهرها، تكريس هيمنة ثقافية احادية القطبية تتمركز حول الثقافة الغربية (الأنكلوساكسونية) كالنموذج الوحيد المقبول. ففي حين استهدفت السياسات الاقتصادية تدمير التنمية في بلدان العالم الثالث وربطها بعجلة النظام الرأسمالي، أرتكز الذراع الثقافي لمشروع العولمة أساساً على التنكر للثقافات القومية والمحلية لتلك المجتمعات وعمل على تدميرها ومحوها واستبدالها، وصولاً الى إعاقة التنمية وضرب الهويات القومية. وبغض النظر عن العباءة التي تتلحف بها العولمة الثقافية، والتي تدعي براءتها "وديمقراطيتها" وسعيها لتطوير ثقافات الشعوب الاخرى، فهي، في جوهرها، امتداد ثقافي للرأسمالية الامبريالية وآلياتها.

شبابنا والاغتراب
ويتطابق الامر مع الكاتب صالح أبو أصبع في موضوعة شبابنا والاغتراب الثقافي حيث يقول ان الشباب يعيش حالة من الاغتراب وينغمس بثقافة خارجية دونما وعي بثقافته الوطنية، تقودهم الى البعد عما يجري في وطنهم العربي وجهلهم لتاريخ وطنهم العربي وجغرافيته ناهيك عن إتقانهم للغتهم القومية، وقد آلمني أن هؤلاء الطلبة يدرسون الإعلام، فبأي ثقافة عامة سيتخرجون ليقودوا الرأي العام وهم لا يتابعون ما يجري في أوطانهم، ولا يعرفون العلامات التاريخية الفارقة في حياة أمتهم العربية.
ويمكن ان نستخلص ان الاغتراب منشؤه في ظل العولمة لعامل رئيس: هو العملية التعليمية، فدور المؤسسات التعليمية يجب ألا يكون محصوراً في تشكيل القوى العاملة اللازمة لسوق العمل. وإنما يجب أن تكون قوة موجهة لأبنائنا فكرياً وتربوياً وثقافياً، عليها أن تعمل على تنشئة الأفراد، الذين ينتمون الى المجتمع وهم يعرفون تاريخه ويستوعبون ثقافته ويرتبطون بلغتهم ويندمجون فيه ويتعاملون فيه على أسس احترام الذات واحترام الآخرين والثقة بالنفس، والوعي بالذات القومية ومتطلباتها.

وأصل الى نهاية بحثي عن الاغتراب، بتساؤل هو: هل هناك من مجال للمقارنة بين ندواتنا والندوات العلمية التي نجدها في الغرب، حول الثورات الرقمية، والجينات، والشيفرات الوراثية، وغزو الفضاء وتدجين الإنسان، واختراق الزمن، وقضايا النسبية، وابتلاع الضوء، والدورات الفلكية، وامتداد الكون؛ وقابلية الكون للفناء؟ أين هذه من ندواتنا الحامية حول دخول الحمام، وملاعب الشيطان، وتفسير الأحلام، والقراءة في الفنجان، وشهادة المرأة والصبيان، وقضايا الزواج من الأنس والجان.


===========
المصادر
1- أبو إصبع، صالح (2017)" شبابنا والاغتراب الثقافي" (جريدة البيان، الامارات).
2- وطفة، على اسعد (2013)" الاغتراب الثقافي المعاصر: الإنسان المدجّن بثقافة الهزيمة"(اللجنة العربية لحقوق الانسان، باريس).
3- موقع المكتبة العامة(2017)" معلومات حول مفهوم الاغتراب"(https://maktaba-amma.com/?p=7351

4- عربيد، مسعد (2007)" إشكاليات الاغتراب الثقافي العربي: مناقشة في كتاب: الاغتراب الثقافي للذات العربية"(موقع الحوار المتمدن).

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1140 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع