بابل وأبناؤها أثلجوا قلبي

                                      

                             گولاله نوري

      

لأول مرة بعد العام 2003 أستطيع القول بأنني استمتعت وأضفت لثقافتي وفرحت وتفاءلت بمستقبلنا الثقافي والفني والفكري في العراق أثناء مشاركتي في مهرجان ثقافي.

           

أتحدث هنا عن مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية الثاني منذ يومه الرابع، وهو يوم وصولي، وذلك بعد انقطاعي لسنتين تقريبا عن المشاركة في المهرجانات والنشاطات الثقافية التي تقام في العراق، احتجاجا على سوء تنظيمها، إلى درجة أنها أصبحت لاتستحق تحمل مشقة حضورها ومتابعتها، ومن ثم تسمع الادعاءات بأن كل شيء على ما يرام، وأن اجتماع الأصدقاء من الأدباء وتحاورهم في الغرف يكفي (كما يعلق بعض الأدباء بعد أن يؤكد سوء التنظيم الكارثي)، لا يجوز أن يستمر المثقف بالاكتفاء بتجمع الأصدقاء في مهرجان ما، وكأن لا طريقة اخرى له للتحاور أو التجمع غير مهرجان فاشل (فهناك الفيسبوك والنت والموبايل فنحن لم نعد في زمن الحصار)، كما يجب تأمل الآثار الثقافية التي تنتج من إقامة مهرجان ما،لا يجب أن يكون بعد الآن طموح الأديب مجرد حضور المهرجان لرؤية أصدقائه، لأنه بذلك يسهم في تشجيع الفشل، ينبغي أن يكون هدفه أعمق من ذلك بكثير، وإلا لم يحاسب المثقف العراقي السياسيين حين يحضرون الجلسات دون أن يكون لاجتماعهم نتيجة تقدم في تطور الوضع في العراق نحو الأحسن،لا أجد فرقا هنا. ما سمعته من المبدعين المشاركين في مهرجان بابل الثاني، وما رأيت من أعمال لفنانين عراقيين يدل على حسن الاختيار بمسؤولية عالية، كي لا يختلط حابل العمل المميز بنابل اللامعقول السلبي. النجاح كان بدءا من طريقة الدعوات المحترمة الراقية، وليس بطريقة (المفاجأة) حيث ترى اسمك منشورا ضمن قائمة مدعوين في مهرجان شعري في جريدة يومية، وكأنك مطلوب للعدالة -لا ضير في نشر الأسماء التي وافقت على الحضور، لكن بعد إرسال الدعوات الرسمية الموقعة! وربما بعض تلك الأسماءالمنشورة لا تلبي الدعوات بسبب ظروف العمل أو غيرها. وحين كنا نطالب بدعوات رسمية موقعة في المهرجانات السابقة لأن معظم الأدباء يعملون في دوائر او جهات اعلامية يجيء الرد كما حدث مرة بأن-لا إمكانية مادية لهم لإرسال الدعوات!- علما أنها يمكن أن ترسل بالبريد الالكتروني! إن الشخصيات المبدعة المدعوة لمهرجان بابل الثاني نجحت في ألا تخيب حسن ظن القارئ الذي قرأ له أو سمع به وتجشم المجيء للاستماع له ورؤيته، على سبيل المثال الدكتور صلاح نيازي الذي لم يكن ليمل أو يكل من إثراء الاخرين بمعارفه النادرة حتى مع منظفي غرفته والنادل الذي يجلب له الطعام .

معظم الترتيبات والأماسي والندوات كانت تؤكد بأن هناك جهدا كبيرا يبذل في إنجاحه، جميع اعضاء الهيئة الإدارية للمهرجان كانوا يعملون والابتسامة لا تغادر شفاههم بتواضع جم ينم عن أخلاق عالية لدرجة أنني فكرت لربما أنهم اخذوا دورة في الصين للابتسامات المرحبة!عدا أنهم قد عملوا نظام (شفتات) تستمر على مدار ال 24 ساعة في الاهتمام بما قد نحتاجه أو ما قد يخل بالمواعيد أو توفير السيارات. منذ ما يقارب العشر سنوات من سقوط الدكتاتورية ومحاولة تنظيف البيت العراقي من آثار التراجع الفكري والثقافي ومن بابل أقول: ما أغناك يا عراق، ويا أيها البابليون الجميلون لكم انحناءة قلبي واحترامي الكبير .

           

في ندوة السرد كان هناك تحليل للسرد العراقي الآن. كانت المداخلات الذكية تجعلنا لا نشعر بالوقت كما يحدث عادة في الندوات، وكذلك القراءات الشعرية التي تضمنت مبدعين منتخبين يدركون أن المنصة للجميع، احتراما للحاضرين وأوقاتهم، مدركين أن اختصار الإبداع هو إبداع، الاختيار فيما يمثلهم بأقصره وليس بمعلقات. الفرقة المسرحية (فرقة الدمى الصامتة) والمخرج أحمد محمد عبد الامير، جعلتنا نصفق لإبداعها اكثر من مرة قبل اسدال الستارة . ولن أنسى الذي أبكاني (المخرج محمد الدراجي) بفيلمه البديع التوثيقي الواقعي عن دارعراقية خاصة بالأيتام، وكذلك المخرجون الشباب الصغار الكبار في طموحهم وفيلمهم القصير جدا والذي أنتجوه بعد دورة تدريبية على يد مخرج أميركي محترف، وكذلك الشعراء الشعبيون لم يكونوا أقل رقيا عن زملائهم شعراء الفصحى ، والبهي أحمد المختار بعيونه التي كانت تحاول التقاط موسيقى بابلية قبل أصابعه. حين ذهبت كنت قد خططت لأن ألقي قصيدتي، وأن أغادر في اليوم التالي لارتباطات عملي، بالرغم من أن دعوتي تستمر لأيام، لكن كل يوم كان يقام نشاط يثلج قلبي ويدفعني الفضول لرؤية المزيد من الإبداع العراقي. كانت هناك مشاركات عربية وأجنبية وقد حضرنا محاضرات عن تاريخ بابل، وما استجد من بحوث عالمية عن المدينة وتاريخها من قبل بريطانيين وأميركيين وفرنسيين، كان بساط بابل قد نقل إلينا أيضا مبدعين من اليابان وألمانيا وبولندا واليونان. كلنا نعرف بأن ليس هناك كمال في أي مهرجان، لكن مهرجان بابل الثاني كان رائعا من وجهة

نظري، والكل يعرف بأنني لم ولا ولن أجامل أحدا مهما كانت الأسباب، ويعرفون أيضا بانني لا أجد ضيرا أن أغادر في اليوم الأول لأي مهرجان حين يكون احتماله تزييفا للواقع. ورجائي أن يكون المهرجان الثالث في بابل أبهى وبمستوى مبدعين- على أقل تقدير- ليسوا أدنى من مبدعي هذا العام. سأكون هناك حتما في السنة المقبلة حتى لو لم أكن مشاركة ، سأكون هناك إذا كانت خطوة مهرجان بابل القادمة أوسع وأدق في السعي لترقية المهرجانات الثقافية العراقية، وأنا متاكدة من ذلك بعد أن استطاع مهرجان بابل الثاني أن يمسح في ذهني اليأس من أن أرى مهرجانا يليق بإبداع العراق ومبدعينا. وفي نهاية شهادتي، هذه لابد أن أقول ان القوة والسبب الرئيس في نجاح المهرجان هو أبناء بابل المبدعون وبالذات ( ابن بابل) ولا أقصد الفيلم العراقي المعروف وأقصده أيضا، ولكنني هنا بالذات أعني الشاعر علي الشلاه الذي نجح بجهد استثنائي في أن يجعل رعاية المهرجان بعيدا عن الحكومة وقريبا من العراقيين بجميع أطيافهم، نجح في أن يكون رعاة المهرجان غير حكوميين، وكل دقة تنظيم كان سببه الرئيس إشرافه المباشر وتواضعه الجم كان مبعث سعادتي أن أجد أخيرا مسؤولا جادا عن مهرجان ثقافي عراقي، بعيدا عن -العنجهية الفارغة، مؤكدأ بألا يدعو إلا من يقدم إبداعا ما، وليس فقط لإملاء الغرف كالأقسام الداخلية. كان يراقب كل التفاصيل ويعمل على كل دقائق المهرجان مكانا ووقتا وحضورا فشكرا لعلي الشلاه، وشكرا لقداسة بابل التاريخية وتحملها لوطئنا عليها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1028 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع