إيضاحات حول المقالة الموسومة "سقوط طائرة الرئيس عبدالسلام عارف"

                                               

د. صبحي ناظم توفيقعميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
19/نيسان/2020

إيضاحات حول المقالة الموسومة "سقوط طائرة الرئيس عبدالسلام عارف"

حضرة الأخ الدكتور أكرم عبدالرزاق المشهداني المحترم

تحية طيبة لشخصك قبل إهتماماتك وإثارتك لهذا الحدث الذي كان ذا تأثير على مجريات المواقف السياسية في العراق، ولربما بعموم المنطقة.
فبعد أن قرأتُ مقالتك المنشورة على "موقع الكاردينيا" بإهتمام وتمعّن، إستشعرتُ بفرح غامر لأني عثرتُ على إنسان فاضل يشاطرني إهتماماتي بالرئيس "عبدالسلام محمد عارف"، والذي يعتبرني البعض من الأصدقاء والمتابعين ضليعاً بمعرفته وأحداث عهده، حتى أن عدداً منهم وصفني بـ"كاتب سيرة الرئيس عبدالسلام عارف"، كوني متعمقاً في سرد نبذة عن حياته وأدائه وصولاً لتفاصيل هذه الواقعة.
فمنذ تخرجتُ في تموز/1964 ولغاية مصرع الرئيس عبدالسلام مساء (الأربعاء- 13/نيسان/1966) كنتُ أحد ضباط فوج الحرس الجمهوري الأول الذي ظلّ لوحده مسؤولاً في عهده عن حماية القصر الجمهوري بواقع سرية واحدة فقط التي تضمّ (150) ضابطاً ومراتب، وعن حماية مبنى الإذاعة والتلفزيون في "الصالحية" بسرية أخرى، والمسكن المتواضع -بلا هاتف!!!- لعائلة الرئيس عبدالسلام في أحد أزقة "الأعظمية" بـ(24) جندي فقط بقيادة ضابط برتبة ملازم ثانٍ -غير مثبّت- يتم تبديله كل عدة أيام دورياً، وكنتُ من أكثر الضباط الذين يكلّفون بهذه المهمّة لكون أهلي في "كركوك" طيلة سنتين قضيتهما بالحرس.

  

الملازم صبحي ناظم آمراً لقوة حماية مسكن عائلة الرئيس عبدالسلام عارف عام (1964)
لا أسرد ذلك إبتغاء إفتخار وإدعاء، بل لأوضح حقيقة كوني بالصورة الأقرب والأفضل عن هذا الرجل لغاية مصرعه، حين كنتُ في مقدمة (12) ضابطاً من الحرس الجمهوري حملنا نعشه على أكتافنا إلى مثواه الأخير.
ومن يومياتي التي سطّرتُها في حينه أصدرتُ كتابي الموسوم "الرئيس عبدالسلام عارف كما رأيتُه"، والذي أسعدني أخي "الأستاذ الدكتور عصام خضيّر" بإصدار طبعته الرابعة في "عمّان" أواخر العام المنصرم (2019).

                             

                غلاف الطبعة الرابعة من الكتاب

وفي فصله الخامس والأخير خُضتُ في ملابسات حادث مصرعه الأليم، ليس سماعاً من هذا أو نقلاً من ذاك، بل إطلاعاً -فضولياً- على نبش الأوراق التحقيقية المتنوعة وإجراء لقاءات في تلك الفترة مع البعض ممّن سلموا على حياتهم في الطائرتين الأُخرَيَين، بمن فيهم:-
1. الملازم أول الطيار منذر سليمان عزت قائد الطائرة "ويسّكس WESSEX" الثانية.
2. الملازم الطيار "صفاء شمس الدين" أحد طياري السرب الرابع بمطار الرشيد العسكري، والمجهّز الوحيد بطائرات "ويسّكس".
3. الرائد الطيار "عدنان أمين خاكي" آمر الرف الجمهوري الذي نقل الرئيس إلى البصرة -بطائرة الرف الجمهوري ثابتة الجناح- قبل يوم واحد من الحادث.
4. الرائد الركن "فاضل مصطفى أحمد" مقدم لواء الحرس الجمهوري.
5. الملازم أول رشيد علوان المهداوي- المرافق العسكري للرئيس "عبدالسلام عارف" في زيارته للبصرة.
6. الملازم "شهاب أحمد" آمر فصيل الحماية الشخصية للرئيس.
7. الملازم "محمود رؤوف" آمر الفصيل المكلّف لحماية مهابط الهليكوبترات في البصرة.
8. الملازم أول "أحمد بهجت إبراهيم" خبير المتفجرات بمدرسة الهندسة العسكرية، وأحد الأعضاء ضمن الهيأة التحقيقية.
الإستنتاجات
وكل تلكم الشهادات المفصلة نشرها موقع الكاردينيا الأغر -مشكوراً- خلال أشهر عام 2016... وقد توصّلتُ مع أصحابها وآخرين إلى الإستنتاجات الآتية:-
أولاً. الهليكوبتر التي سقطت بالرئيس "عبدالسلام عارف" وصحبه، كانت من طراز "ويسّكس WESSEX" التي تنتجها مصانع "ويستلاند WESTLAND" البريطانية، بإمتياز خاص من شركة "سيكورسكي SIKORSKY" الأمريكية العملاقة... وقد أُستُوردت بواقع (12) طائرة وأُدخلت الخدمة عام لدى القوة الجوية العراقية عام 1965، وقتما كان "العميد الطيار الركن عارف عبدالرزاق" قائداً للقوة الجوية، وكانت من الهليكوبترات ذائعة الصيت عالمياً، ومستخدمة بالمئات لدى مختلف جيوش العالم.

    

       الهليكوبتر "ويسّكس WESSEX" البريطانية

ثانياً. كرّر العديد وسط مقالاتهم المنشورة عن هذا الحادث، أن الهليكوبتر المنكوبة كانت سوفييتية المنشأ من طراز (مي-4 MI-4) أو (مي-8 MI-8)، وأن خبراء سوفييت أتوا إلى العراق وشاركوا بالتحقيق ووجدوا أن لا عيوب فنية في الطائرة المنكوبة... ولكني أؤكد أن لا صحة لهذه المعلومة لا من قريب ولا بعيد.

  

             الهليكوبتر "مي-4 MI-4" السوفييتية

ثالثاً. من الطبيعي لدى جميع دول العالم أن تسلّط على حوادث الطيران الظنون والشكوك سواء بين أفراد المجتمع أو الصحافة ووسائل الإعلام فيُضرّب الأخماس بالأسداس وتنبثق التحيلات وتنتشر كالنار في الهشيم ويغدو أبسط الناس خبيراً ستراتيجياً يضاهي "كلاوزه فيتز" و"ليدل هارت" و"هنري كيسنجر"، وبالأخص لمّا يُصرّع شخصية صاحب مركز عالٍ!!! فكيف الحال عند مصرع رئيس دولة غير مستقرة تتناطح فيها الصراعات السياسية والسلطوية منذ ثمانية أعوام متتالية؟؟؟؟ إلاّ أن تلك الظنون لم تُثبت أو تُبَرهَن ولو بشكل جزئي، سوى ما ظلّ يدور في خيالات البعض.
رابعاً. الطائرة لم تكن متطورة لأداء مهمات الطيران الليلي وكانت مجهّزة بمعدات متواضعة، كما كان الحال لدى معظم الهليكوبترات المستخدمة في عقد الستينيات بعموم العالم.
خامساً. الطيارون لم يكونوا مدرّبين على الطيران الليلي، ولم تَحتَوِ مناهجهم على ذلك سوى مرة واحدة في الشهر ولساعة واحدة فقط، مع بعض الإهمال في تطبيق المنهج.
سادساً. كان المفروض -حسب توقيتات منهج الزيارة لذاك اليوم- أن يُنهي الرئيس جولته وسط الأهوار ظهراً ويعود إلى "القرنة" بالساعة الثالثة بعد الظهر ليتناول الغذاء مع المدعوين، شريطة أن تقلع به الطائرة مع صحبه بالساعة الرابعة عصراً إلى البصرة ويتهيأ لدعوة العشاء... إلاّ أنه تأخر في العودة وأطال المجاملات قبل أن يضطر للإستجابة لإلتماس قائمقام "القرنة" ويحلّ أول الليل قبل الإقلاع.
سابعاً. وكان على الطيار الأقدم "النقيب خالد محمد النوري" أن يكون صادقاً مع الرئيس وقتما سأله عن إمكانية العودة ليلاً، بل ويلحّ عليه بوجوب الإقلاع قبل الغروب من "القرنة" بساعة واحدة على الأقل، بدلاً عن الإستعداد أمام الرئيس قائلاً: ]]]نعم سيدي[[[.
ثامناً. لم تكن هناك عاصفة ترابية بمفهوم العاصفة، بل كانت ما تسمّى "دُوّيرة" أو "فِتّيلة" ربما كانت مصحوبة بالتراب والرمال، ولكنها لا تُشاهد ليلاً.
تاسعاً. وأُضيفَ لكل ذلك أن مطار البصرة المدني رغم كونه موصوفاً بـ"الدولي"، إلاّ أن سيطرته لم تكن مجهّزة بآلات ومعدات التوجيه والدلالة لطائرة فقدت الإتجاه في الظروف الجوية السيئة أو ظلام الليل، ما زاد في الطين بِلّة ً.
عاشراً. وأخيراً أقول أن أي حادث طائرة، لمّا يُصرَع فيه الطيار وجميع الركاب، فإن سرّ السقوط الحقيقي يذهب معهم... لذلك أقول أن سقوط طائرة الرئيس عبدالسلام هو قضاء وقدر بنسبة (99,9%)، ولا يبقى سوى (001%) لإحتمالات الغيب الذي لا يعرف به سوى العلي المقتدر سبحانه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

908 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع