ّتتمّة تاريخ أبي الفتح السامري

                                            

                         د. حسيب شحادة
                           جامعة هلسنكي


ّتتمّة تاريخ أبي الفتح السامري

The Continuation of of Abū l-Fatḥ’s Chronicle


Levy-Rubin, Milka, The Continuatio of the Samaritan Chronicle of Abū l-Fatḥ Al-Sāmirī Al-Danafī. Text, Translated and Annotated. The Darwin Press, INC. Princeton, New Jersey, 2002 (203 pp.).

ليڤي-روبين مِلكه، تتمّة كتاب التاريخ لأبي الفتح السامري الدنفي. النصّ، ترجمة وحواشٍ/ملاحظات…، ٢٠٠٢، ٢٠٣ ص.


يُعتبر كتاب التاريخ لأبي الفتح ابن أبي الحسن السامري الدنفي من القرن الرابع عشر، أهمّ ما وصلنا من مؤلّفات تاريخية لدى الطائفة السامرية، البالغ عددها اليوم قرابة الثمانمائة شخص، يعيشون مناصفة تقريبًا في نابلس وفي حولون. هذا الكتاب يغطّي الحِقبة التاريخية الممتدّة من حياة آدم وحتّى ظهور الإسلام، لقاء ثلاثة منجّمين، سامري باسم صرمصه، يهودي يمني باسم كعب الأحبار وراهب مسيحي اسمه عبد السلام أو عبد الله مع النبي محمّد. ويذكر أنّ الكاهن الأكبر فنحاس بن يوسف بن عزّي في العام ٧٥٣ هـ -٣/ ١٣٥٢م.، كان قد طلب من أبي الفتح كتابة مثل هذا التاريخ، ليسدّ نقصًا ملموسًا في المكتبة السامرية، وبعد ثلاثة أعوام أُنجز ذلك التاريخ باللغة العربية، التي كانت مهيمنة آنذاك في الشرق الأوسط. إنّ نصّ هذا التاريخ السامري، قد وصلنا باللغة العربية وبرسمها باستثناء بعض الكلمات والعبارات، التي وردت بالخطّ السامري، في مخطوطات كثيرة محفوظة في الكثير من المكتبات في العالم، ولدى أفراد من السامريين المعاصرين. ويعود تاريخ أقدم مخطوط إلى العام ١٥٢٣. بحوزتي منذ عقود كثيرة نسخة من هذا التاريخ، تضمّ مائة وستّ وستّين صفحة، نسخها أبو الحسن بن يعقوب الكاهن في العشرين من أيلول العام ١٩٣٢، وتحتوي على معلومات موجزة تعود آخرها إلى أواخر القرن التاسع عشر. يعتقد السامريون أنّ أغلبية كتبهم التاريخية قد اندثرت في العهد البيزنطي.

تاريخ أبي الفتح هذا، كان قد أصدره للمرّة الأولى إدوارد ڤيلمار (Eduardus Vilmar) في العام ١٨٦٥، بطبعة علمية اعتمدت على خمس مخطوطات، وهي مشفوعة بمقدمّة باللاتينية كالعادة في تلك الأيّام، وحملت تلك الطبعة الاسم Abulfathi Annales Samaritani (الكتاب مُتاح على الشابكة). يصل التاريخ في هذه الطبعة، إلى عهد الخليفة العبّاسي هارون الرشيد، حوالي العام ٨٠٠م. وكان في بداية حُكم هارون الرشيد قد تفشّى وباء كبير عام ٧٨٦، وآونتها كان نتنائيل الكاهن الأكبر؛ وقبل ذلك وفي العام ٧٤٩ ضربت البلاد هزّة أرضية شديدة، وفي العام ٧٨٥ وصل جراد مخيف لفلسطين. ويُذكر أن ڤيلمار كتب ملخّصًا بصفحتين عن هذه ”التتمّة“ باللاتينية. بعد أكثرَ من قرن من الزمان قام، الأب الأسترالي بول شتنهاوس (Paul Stenhouse) وأصدر أطروحته للدكتوراة في جامعة سيدني في العام ١٩٨٠، وهي طبعة علمية لكتاب تاريخ أبي الفتح حتّى عام الهجرة أي العام ٦٢٢م. بناء على ثلاثين مخطوطًا ونيّف، ثم صدرت الترجمة الإنجليزية مشفوعة بالشروح والملاحظات في العام ١٩٨٥ وذلك في فُليم ميكروفش. هذا مع العلم بأنّ الاهتمام بأبي الفتح وتاريخه يعود إلى منتصف القرن السابع عشر من قبل Abraham Ecchellensis.

هاتان الطبعتان، ڤيلمار وشتنهاوس، لم تنشُرا القسم الأخير من أقدم مخطوطة لتاريخ أبي الفتح المحفوظة في المكتبة الوطنية في باريس رقم ١٠ (Bibliothèque Nationale Ms. Samaritain no. 10)، والتي نُسخت كما نوّهنا أعلاه عام ٩٣٠هـ/١٥٢٣م، أي قرابة المائة وسبعين عامًا بعد بداية أبي الفتح بتدوين تاريخه. أقدم مخطوط استخدم في الطبعتين المذكورتين يعود إلى العام ١٥٩٦. ڤيلمار قال إنّ هذا الجزء الأخير من المخطوط على جانب كبير من الأهمية، ولكنّه إشكاليّ وقراءته عسيرة، في حين أنّ شتنهاوس وصل إلى نتيجة مفادها، أنّ هذا الجزء، ستين صفحة صغيرة، لا يمتّ إلى تاريخ أبي الفتح بصلة، وهكذا بقي هذا الجزء من المخطوط قابعًا في مخطوط باريس الوحيد حتى العام ٢٠٠٢.

لا ريب في أنّ موقفي ورأيي ڤيلمار وشتنهاوس إزاء ماهية الستّين صفحة المذكورة، وكذلك دراسة شاملة ومعمّقة للعربية المتمثلة في كلّ مخطوطات تاريخ أبي الفتح المتاحة، والترجمة للإنجليزية تستحقّ المزيد من البحث. في ”التتمة“ ص. ١٢٥ وهي ص. ٢٠٧ في المخطوط جملة لافتة للنظر:
”نبي الاسلام ما اسا الي احد كل ايامه/كان يعرض علي الناس المذهب من جا اليه قبله ومن لا يجي ما يغصب“. كما وردت في ”التتمة“ هذه الجملة بالآرامية السامرية: מחמד גבר טב - מהימן באלה מיטב לכל עבראי (في الأصل بالحروف السامرية) - محمّد رجل طيّب، مؤمن بالله ومحسن لكل عبري. ويشار إلى أن الاسم ”محمّد“ يرد في كتاب التاريخ بالرسم السامري مثله مثل أسماء الكهنة والقادة السامريين، وهذا قد يكون دلالة واضحة لاحترامه وتقديره. من جهة أخرى، ترد بعض الكلمات أو العبارات العربية أحيانًا بالرسم السامري مثل ”عمّي ندس“ والمقصود ”عمّي دنس“ أي بني إسماعيل.

وأخيرًا، في العام ٢٠٠٢ أصدرت مِلكه ليڤي-روبين ذلك الجزء المذكور وأسمته ”تتمّة“ continuatio إلخ. كما أوردنا أعلاه، في تعبيرها و Additamenta عند ڤيلمار. وهذه التتمّة تمتدّ من لقاء النبي محمّد مع المنجّمين الثلاثة وحتّى الخليفة العبّاسي محمّد الراضي، ٩٣٠-٩٤٠م. هذه الطبعة للتتمة مكوّنة من مقدّمة (ص. ١- ٤٥)، ترجمة للإنجليزية (ص. ٤٦- ١١٧) والنصّ العربي (ص. ١٢١-١٨٢) مصوّر لصعوبة فكّ ما فيه من طلاسم (أُنظر ص. ٤٤-٤٥) وهو يضمّ كما نوهّنا ستّين صفحة وفي كل منها ثلاثة عشر سطرًا وهي مكتوبة بحرف النسخ الجميل، الواضح والمتشابك. ناسخ هذا المخطوط، كما ورد في الكولوفون في ص. ٢٦٤، هو مسلم بن يوسف بن إبراهيم بن هبة بن قبّاص السامري اليوسفي النسب الموسوي المذهب. هذا الجزء من المخطوط يستهلّ بقصّة المنجمين الثلاثة في صفحتين، ستّة وعشرين سطرًا فقط؛ ملحق جغرافي ص. ١٨٣-١٨٦؛ ببليوغرافيا واختصارات ص. ١٨٧-١٩٥؛ فهرست عام ص. ١٩٧-٢٠٣.

د. مِلكه ليڤي-روبين تعلّمت العربية في المرحلة الثانوية في القدس، ثم تخصّصت في التاريخ القديم وتاريخ القرون الوسطى. أنهت إعداد أُطروحة الدكتوراة بعُنوان- بطريركية القدس بعد الفتوحات العربية، في الجامعة العبرية سنة ١٩٩٤. ولها كتاب ثالث حول غير المسلمين في الإمبراطورية الإسلامية المبكّرة: من الاستسلام للتعايش، كمبردج ٢٠١١، ٢٧٠ ص. ولها مقالات عديدة تعالج مسألة العلاقات بين أتباع الديانات السماوية الثلاث والتأثيرات المتبادلة؛ غير المسلمين في بدايات الإمبراطورية الإسلامية؛ حنيف ومدلولها لدى المسيحيين والمسلمين في القرون الوسطى؛ لماذا بنيت قبّة الصخرة. من المواضيع التي حاضرت عنها في الجامعة العبرية وفي معهد شِخطر: القدس بين قبر المسيح وقبّة الصخرة؛ اللقاء بين المسيحية والإسلام؛ الانتقال من الحكم البيزنطي للحكم الإسلامي. كما شغلت منصب أمينة المكتبة الوطنية والجامعية في القدس. والمهتم بأبحاثها يمكنه التوجه للموقع:
https://huji.academia.edu/milkarubin

وصلت مِلكه ليڤي-روبين إلى مجال الأبحاث السامرية بمحض الصدفة، كما اعترفت في رسالة إلكترونية جوابية تسلّمتها في خريف العام ٢١٠٩، بينما كانت تبحث عن موادّ حول الحِقبة الإسلامية القديمة في فلسطين. والحقّ يقال إنّ تاريخ أبي الفتح إجمالًا وما يدعى بـ ”تتمة/تكملة“ فيه مادّة هامّة تاريخيًا، ليس عن السامريين فقط بل عن مواضيع أخرى ولا سيّما فلسطين. أمامنا في هذا النصّ المروي بضمير المتكلمين الكثير من أسماء الأماكن والأشخاص والتورايخ. نقرأ، على سبيل المقال، بأنّ سامريي الساحل عند الاحتلال العربي الإسلامي، قد هربوا مع البيزنطيين لبيزنطية. آونهتا كان عقبون بن إلعزر الكاهن الأكبر وسكن في بيت صامه في منطقة نابلس وأُودعت بيده أملاك سامريي قيسارية الشهيرة (أمّ المدن) ويافا واللد (لد في الأصل) وعسقلان وغزة وأرسوف وميماس. اليهود والمسيحيون والسامريون رحّبوا بقدوم العرب من الجزيرة العربية واحتلال بلاد الشام. اعتبر السامريون ذلك بمثابة نهاية فترة السخط (فانوته) وبداية حقبة الرضوان (راحوته). قراءة وفهم هذا النصّ العربي ليسا سهلين وأنصح الأساتذة المهتمّين بالمخطوطات وتحقيقها اختيار هذا النص في حلقة دراسية لطلاب الماجستير والدكتوراة في اللغة العربية. في كلمتها الافتتاحية، تشكر المؤلفة بضعة أشخاص لمساعدتها في إصدار هذا الجزء كعادة المؤلفين، وفي هذه الحالة لا يعلم القارىء إلى أي مدىً كانت تلك المساعدة وفي أية مواضع.

في المقدّمة قامت المؤلفة بجهد مشكور في عرض هدفها من هذا الإصدار، الأبحاث السابقة لا سيّما ڤيلمار وشتنهاوس، مخطوط باريس وعلاقته بمخطوطات أُخرى، العلاقة بين التتمّة وكتاب التاريخ، أهمية كتاب التاريخ ومصداقيته، اللغة والأسلوب والمصطلحات، إسهام التتمة تاريخيا، حول الترجمة. حبّذا لو انتهجت المؤلفة اختصار عناوين الإحالات للمصادر في الملاحظات الهامشية، فبهذا كان بالإمكان تقليص ملحوظ لعدد صفحات الكتاب بدون الإخلال بالمضمون. أضف إلى ذلك، وضع الأصل العربي مقابل الترجمة للإنجليزية، صفحة مقابل الأخرى كان أسهل بكثير للقارىء وأنجع.
في ما يلي بعض الملاحظات والتصويبات:

في أحد الأماكن (ص. ١٩) تذكر المؤلفة ”اللهجات المختلفة للعربية الوسطى“ وكان من الأنسب استخدام أنماط من العربية الوسطى التي استخدمت في الكتابة، وكان نصيب العاميات فيها كبيرًا عادة. كما أنّ القول بأنّ السامريين بدأوا بالكتابة بالعربية في القرن الثاني عشر فقط عار عن الصحة (ص. ٢١). ينظر في الفصل الأوّل من أطروحتي للدكتوراة ”الترجمة العربية لنصّ توراة السامريين ، مدخل لطبعة علمية“، القدس: الجامعة العبرية، ١٩٧٧، ج. ١، ص. ٣-١٢ (بالعبرية). هذا الادّعاء بأن السامريين فد كتبوا العربية أولًا بالرسم السامري ثم تبنوا الخط العربي بحاجة لمراجع والسؤال المحوري عن أية نصوص يدور الحديث؟ (ص. ٢٢). زد إلى ذلك أنّه كان من المطلوب من المؤلفة تفادي إطلاق تعميمات مثل قولها إنّ لغة كتاب التاريخ لأبي الفتح وأسلوبه أقرب من العربية الكلاسيكية وأفضل ممّا في التتمة (ص. ٢٤). أرى أنّ لغة أبي الفتح ما زالت بحاجة لبحث شامل معمّق منفرد. معنى العبارة ”قطع البلدي“ هو نوع من أحجام الورق وليس ما ورد في الكتاب قيد العرض والمراجعة (ص. ٢٥). كما أنّ معنى العبارة ”دار الرياسة“ هو مركز الكهانة العظمى (ص. ٢٥) ومن المعروف في التاريخ السامري أنّ كهانة هامّة كهذه كانت في دمشق، التي عاش فيها السامريون حتى العام ١٦٢٥. لا أدري لماذا قالت المؤلفة إن كلمة ”والثالث“ في بداية السطر الخامس من التتمة غير واضحة، ما ينقص هذه الكلمة في الأصل هو سقوط ثلاث نقط الثاء الأولى (ص. ٤٦ ملحوظة ٤ وفي النص العربي ص. ١٢١ س. ٥). في ص. ٤٨ لم تشر المحققة لمعنى المنجم السامري صرمصه/صرمصا وهو ”عدوًّا وجَد“. وبخصوص ملاحظة رقم ١٣٨ يبدو لي أن الجملة الأصلية ”الا يصيبوا شي ياخذوه“ مفهومة وهي عامية بمعنى ”لا يقعون على شيء أو يجدون شيئًا إلا وأخذوه“، وقل الأمر ذاته بالنسبة لما جاء في الملحوظة ١٤٢؛ملحوظة ١٥٥ وبقيت؛ ملحوظة ١٥٧ الربيس؛ ملحوظة ٣٢١ خلىّ؟!؛ ملحوظة ٣٤٦، הר גריזים والصحيح كلمة واحدة دائمًا في كتابات السامريين وهذا من أبجديات المعرفة بالشأن السامري؛ ملحوظة ٤٠٨ يجب أن يكون אדכיר بدلًا من זכיר؛ ملحوظة ٤١٣ النقحرة من الرسم السامري للخط العربي غير سليمة في بعض الكلمات: إقرأ ”كنيسة“ بدلًا من ”فنيقة“، ”جنازه“ بدلا من جنيزة“ (أنظر أيضًا في مقال المؤلفة : מילכה לוי-רובין, השומרונים בתקופה המוסלמית הקדומה, על-פי המשך הכרוניקה של אבו-אלפתח, בתוך: אפרים שטרן וחנן אשל (עורכים), ספר השומרונים, ירושלים: יד יצחק בן -צבי, רשות העתיקות, המנהל האזרחי ליהודה ושומרון, קצין מטה לארכיאולוגיה، ص. ٥٧٤ ملحوظة ٧٤؛ ملحوظة ٤٣٣ كتب ”وابيع القمع“ والصحيح ”واينع القمح“؛ ص. ١٠١ نقحرت الكلمة ”كدي“ بالخطّ السامري الواردة ثلاث مرّات خطأ ”مدي“ لتشابه الحرفين كاف وميم في الأبجدية السامرية.

بالرغم من هذه المآخذ وغيرها، أمامنا نصّ سامري بالعربية كان معروفًا للباحثين منذ قرون ولم ينشر من قبل. النص مشفوع بترجمة وملاحظات تفسيرية جمّة في الهوامش. هذا النص القصير نسبيًا فيه مادّة تهمّ المؤرّخين من ناحية واللغويين ولا سيّما باحثي العربية الوسطى. لا ريب في أن الكاتبة قد قامت بجهد كبير وقضت وقتًا غير قصير في إعداد مدخل لكتاب تاريخ أبي الفتح في مجال ليس من اختصاصها، ومحاولات فكّ طلاسم هذا النصّ القصير وفهمه وترجمته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع