ابانا الذي في السماوات (صلاة لاهوتية)

                                                     

                        القس لوسيان جميل

ابانا الذي في السماوات (صلاة لاهوتية)

ابانا الذي في السماوات ... أبي الذي في اعماق قلبي وفي سماوات وجداني ... ما اطيب كلمة ابي التي اناديك بها وما اصعبها ايضا . حقـا ايها الاب السماوي انك تسكن في قلبي وتجعل من ذاتي وكياني مقرا وسماء لك ، حتى اني عندما اريد ان اناجيك وأتحدث اليك لا اجد حاجة لان ارفع نظري نحو النجوم بل اخفضه الى عمق نفسي . ولكن من لي بالشفافية التي تسمح لي بان اراك حيث انت وكما انت ؟ فانا كلما حاولت ان ادخل الى اعماق ذاتي لأنظر فأجدك هناك ، واذا بك تتعالى وتتسامى امام انظاري ، في علاك انت الذي هو علاي ايضا وفي مستقبلك الذي يجاور مستقبلي. لذلك تصعب علي معرفتك، كما ينبغي، ايتها الكلمة الطيبة ، ويصعب علي بالتالي ان احب واكون ابنا بارا لأبوتك المجيدة. فانا هو من لا يفعل الخير الذي يريده .. لأني، في الحقيقة لا اعرفك كما يجب، ومن لا يعرف كما يجب لا يقدر ان يحب كما يجب. ومع ذلك فانا اعلم اني بدونك لا استطيع شيئا ومعك استطيع الكثير. وأؤمن انك اذا تجليت وشخصت امامي فستعرف انت كيف تجرني اليك بكل قوة . " اذا ارتفعت فسأجر الي كل واحد : يقول الرب يسوع " ، وحينئذ لن اتمكن ان اتجرأ واقول ما قاله يوما أحد المترددين الخائفين، مخاطبا الروح القدس قائلا: يا روح الله لا تدخل فانا اخاف تيارات الهواء. ولكن ، يا ابتاه ! أنا ايضا، في الواقع، اخشى ظهورك وأخاف ان أصير لك ابنا بالقدر الذي تدعوني اليه لأني احسب ان ذلك يعني تنازلي عن حريتي الغجرية التي اتمسك بها، وأتخلى عن اولوياتي التي ولدت وترعرعت معي، حتى صارت جزءا من حياتي. علاوة على اني اعرف بان بنوتي لك تلزمني بان أطرد شياطيني، التي ما ان يخرج واحد منها حتى يعجل بالعودة، ومعه زمرة من الرفاق الماردين. وفوق ذلك كله فانت يا ابتاه ! سري في طبعك، عجيب في حضورك، لأنك تحب ان تسكن في الاعماق من حياتي وليس على سطحها. ولذلك تصعب علي معرفتك ، ويصعب علي بالتالي ان اذوق واعرف " ما اطيب الرب " ، وان اتهلل طربا كلما قيل لي : " نحن الى بيت الرب منطلقون " وان يكون " اسمك في سقف فمي اطيب من شهد العسل . لذلك ليس امامي سوى ان انتظر كل شيء منك يا صانع العجائب ومجدد القلوب ومحيي النفوس . فانت راعي حقا ، واذا تبنيتني فلن اشعر بالعوز الى شيء ، لان حبك يملا فراغ البشر وابوتك تزيل غربتهم ويدك القديرة تسند ضعفهم . فانت يا ابتاه ! قادر ان ترعاني وتدبر حياتي والى موارد المياه العذبة توصلني عندما تذيقني حلاوة ابوتك حتى لأستطيع ان انشد مع المزمر واقول : " مثل الارض العطشى التي تطلب المياه وكالأيل الذي يسعى الى موارد المياه ، هكذا تصرخ اليك نفسي يا الهي .

فيا ابتاه ! قدس اذن اسمك الابوي في نظري ، ليكون الاسم الوحيد الذي اتعلق به واحبه فوق كل الاسماء . اجعل ابوتك علنية واضحة وبيتك رحبا في عيني، كي لا اقدر ان اشتهي بيتا آخر الا بيت ابوتك المقدس الفريد، ولا احب خيمة او مسكنا آخر الا خيمتك ومسكنك . " فما احب مساكنك ايها الرب القدير " ، فانك انت الوحيد الذي يحق له ان يملك على قلبي، لأنك انت الوحيد قادر بأبوتك الفريدة الشاملة ان تعطي كل شيء دون ان تطلب مني لنفسك شيئا. فانك عندما تطلب مني مجهودا او عملا صالحا ، فانك لا تطلبه لأجلك انت ، لأنك لست بحاجة الى شيء ، انت الغني بجوهرك، ولكنك تطلبه لتجمل به حياتي وتجعلني راسخا في بنوتي، وتكمل نقصي، لأكون كاملا كما انك انت، ايها الاب السماوي كامل في ابوتك. وهكذا، يا الهي ، تعيد الي ذاتي كاملة غير منقوصة ، كلما وهبتها لك ، مضافا اليها كل مجهودي ومسعاي ، لأنك لا تعرف ان تكيل الا بكيل مهزوز وطافح ، ولا تبخل بنعمتك على أحد ، بل تعطي لكل من يلتمسك نعمة فوق نعمة، وبعد هذا فاني لن اطلب منك يا ابتاه سوى ملكوتك وبرك ، لأني عارف بان كل شيء آخر يعطى لي ويزاد. فانك ان كنت معي: اي ان كنت لي ابا وكنت لك ابنا، فمن عساه يقدر علي ! وبماذا يمكن ان تفاجأني الحياة ؟ فاذا اقتضى الامر، فان كسرة من خبزك تكفيني : خبزك السماوي الذي تكسره لي يدا ابنك يسوع ، وخبزك الارضي الذي تبسطه انت لكل محتاج، لأنك لا تحجب الغذاء عن طيور السماء وسمك البحر ووحوش الغاب، كما لا تحجب عن أحد حبك وحنانك وغفرانك. فاغفر لي يا الهي خطايا الكثيرة : واجعلني اتغلب على ضعفي ، لأغفر انا ايضا من كل قلبي لكل من اساء الي من ابنائك الاخرين، اخوتي بني البشر. وبذلك ابتعد عن الشرير الذي يسعى الى ان يبعدني عن ابوتك وحبك. وهكذا تبقى لي ابا وابقى لك ابنا حقيقيا فرحا سعيدا بنعمتك هذه كل ايام حياتي . آمين

القس لوسيان جميل
كانون الأول 1991

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1207 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع