أزمات شباب العراق حاضرًا وأسبابها وعلاجها

                                            

                      يعقوب أفرام منصور

أزمات شباب العراق حاضرًا وأسبابها وعلاجها

في رأيي إن الأزمة الرئيسة التي يعاني منها شبابنا اليوم هي أزمة انعدام الإستقرار النفسي والإقتصادي. فهي تؤدّي إلى عدم إطمئنان الشباب إلى مستقبل حياتهم، وإلى حسن المآل، مما سيحدّ من انطلاق الشباب بكامل طاقاتهم نحو العمل الجاد البنّاء، بل سيقودهم إلى الإنكفاء والجمود، وربما إلى الإتحراف عن جادة الصواب، وسبيل الفضيلة، محاولةً منهم للتنفيس عن طاقاتهم الحبيسة، وتصريف خزين المشاعر والأقكار والأنشطة المختلفة التي يُراد لها أصلاً أن تستهلك أوقات الفراغ، وتجلب المتعة الذهنية والروحية، وتُثبت الذاات، وترفع المستوى الفكري والثقافي.

ألسبب الأكبر لظهور هذه الأزمة واستمرارها حتى الآن، يعود(أولاً) إلى الحرب العراقية ـ الإيرانية، و(ثانيًا) إلى حرب العدوان الثلاثيني وما سبقها ورافقها وتلاها من حصار شديد أدّى إلى أوضاع إقتصادية عسيرة بسبب الغلاء الجنوني المتصاعد، وشحة المواد المعيشية الضرورية، فأمسى الدخل لا يوازي الإنفاق على ضرورات المعيشة، وعمّت الضائقة الإقتصادية التي أرغمت فئات شبابية كبيرة على الإنحراف ومجانبة سواء السبيل، والإنقطاع عن دراستهم المتوسطة والثانوية. (ثالثًا) طول أمد الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على خرّيجي الإعداديات والمعاهد والكليات، فخلال عامي الخدمة يكون الخرّيج قد نسي كثيرًا مما تعلّم وأتقن، وتكون همّته قد فترت، وهذا يؤدّي إلى تعقيدات نفسية، وانتكاسة في التفاؤل المستقبلي. ومما يضاعف وخامة هذه النتائج هو عدم وجود منظّمات شبابية منوّعة وافية، تحتضن هذه الشريحة الإجتماعية الحيوية، برعايتها نفسيًا وفكريًا وثقافيًا وفنيًا، إذ تكاد الرياضة البدنية وألعاب الساحة والميدان والسباحة مجالها الوحيد أوالغالب في هذا الإتّجاه، وهو دون الكفاية. (رابعًا) هناك عوامل أخرى لهذه الأزمة، بادية في المجالات التعليمية والتثقيفية والتربوية:
1 ـ إضافة إلى الحصار الفكري والثقافي الذي فثرض علينا من الخارج حتى الربع الأول من عام 2003،هناك ـ قبله ـ حصار داخلي فُرض على أنفسنا فكريًا وثقافيًا، نتيجة لفرض ضوابط صارمة على استيراد وتصدير المطبوعات، وقيود تضييق الخناق على النشر وإبداء الرأي.
2 ـ فرض التعليم الإلزامي بقرارات سريعة ووسائل قسرية أحيانًا، مما أتعب المسيرة الثقافية، وأربك الأمور بسبب عدم ثبوت ركائز وخطط هذا المنحى الإلزامي، والإبتعاد عن النفَس الطويل في إصدار القرارات، فغاب عن مُتّخذي القرارات ملاحظة الخلل الذي يجعل الطالب الضعيف عالة على النابهين والأذكياء، ومطالبة المعلّمين بعدم ترسيب الطلاّب سنوات، فأوصلهم ذلك إلى مراحل دراسية غير مؤهلين لها، فأربك التعليم، بدلاً من إعداد دورات ومدارس رعاية خاصّة بالمتخلّفين والضعفاء في تحصيلهم.ففشلت فئة شبابية كثيرة العدد غير ناضجة تحمل سلبياتها.
3ـ محو الأمّيّة: برغم كونه مشروعًا حضاريًا جليلاً، خلق سلبيات عدّة ضمن شريحة الشباب، بسبب الأساليب القسرية التي اتُبعت في بعض الأماكن. وأضرارهم للمجتمع تفوق أضرار الجهلاء الأمّيين.
4 ـ عدم تثقيف وتعليم الجميع بطرق منسجمة مع واقع مجتمعنا بشرائحه وعقلياته ونفسياته وإمكانياته الواقعية. فاليابان مثلاً، رأت أفضلية التأكيد على الثقافة العامّة، قبل الشروع في التصنيع والتقنية. فغدا العمّال اليابانيون الإعتياديون وذوو المهن الحرّة مثقّفين تثقيفًا جيّدًا، فيقطعون مراحل دراسية جيدة قبل اتصرافهم إلى أعمالهم.
5 ـ إقتصار المعلمين والمدرّسين على تلقين العلوم للتلاميذ والطلبة من دون الإهتمام بتوجيههم وإرشادهم نحو انتهاج السبل القويمة في الحياة، والتحلّي بالفضائل، والإستزادة من المعارف والتثقيف الذاتي. وهناك قصور من ا لوالدين في هذا المضمار أيضًا.
6 ـ أما الخَواء الفكري الذي يُشكّل أحد أسباب أزمة الشباب، فمردّه إلى عدم الإقبال على المطالعات الرصينة الراقية، أسوةً بما فعل سابقوهم من إقبال قبل جيل أو جيلين، فقد اكتفى شباب هذا الجيل بالتلفاز والمجلات التافهة والمسلّيات والملاهي، مقصّرين في التحصيل الجاد الذي يتطلّبه المستقبل الواعد لحياتهم، ويطلبها منهم مجتمعهم، فهم فاقدو الطموح.. قال أحمد شوقي في هذا المجال:
شبابٌ قُنّعٌ لا خيرَ فيهم وبورِك في الشباب الطامحينا
وعلاج هذه الظواهر السلبية يتم بوضع خطّة شاملة طويلة الأجل، مدروسة من سائر النواحي ومن قِبَل أوساط متخصّصة حسنة الإطّلاع في شأن الفقرات ( 1، 4، 6) وتلافي قصور المعلّمين والمدرّسين والوالدين كما ورد في (5) في أعلاه، وحثّ الشباب على المطالعات الخارجية الرصينة.
طريقة تفكير الشباب قبل 2003 وبعده، وإلى أين بتّجه

غالبية الشباب كانت قبل 2003 تفكّر وتتّجه، وما برحت تفكّر وتتجه ـ مع استثناء الخدمة العسكرية الإلزامية الآن ـ هكذا : ضمان وسيلة للرزق، وإثبات الذات بعد التخرّج، بعضهم على مستوى معتدل، وبعضهم على مستوى عالٍ، ثم السعي الحثيث إلى الإرتباط الزوجي لأنه أفضل أسلوب للإستقرار العاطقي والإلتزام الإجتماعي. فإذا كان على خرّيج الدراسة ا‘لإعدادية في سن العشرين أن يؤدّي خدمة العلم في الجيش عامين في الأحوال الإعتيادية، فهذا يعني تسريحه من الخدمة في سن 22، وكي يستعد للزواج، عليه أن يعمل خمسة أعوام في الأقل. والمعلوم أن سن الزواج الملائمة هي (25 ـ 30 ). أما خرّيج الكلية، فيكون بعد تسريحه من الجيش قد ناهز الثلاثين في أحسن الأحوال، وإذا تجاوز تلك السن، تكون جذوة الرغبة في الحياة الزوجية المستقرّة قد فترت أو تلاشت؛ وهذا يخلق مشكلة شبابية، لأن إسهام الدولة في تقديم العون اللازم للراغبين في الأقتران محدود جدًا، ولا يوازي نفقات المتطلّبات الأساسية المعتدلة. وقد أدّى هذا الوضع إلى ابتعاد جزء كبير من هذه الشريحة عن الدراسة والتعلّم بعد يقينهم أن مسعاهم الدراسي لن يدرّ موردًا يكفيهم للعيش الكريم المرفّه، فالتجأوا إلى العمل في سن مبكّرة، نابذين العلم والمعرفة والثقافة. وفي هذا أضرار إجتماعية غير خافية على المتخصّصين والمطّلعين.
وعلاج هذه الظواهر السلبية، بحسب اعتقادي، يتم بإنشاء مصرف خاص لتقديم الإعانات أو السِلف إلى الراغبيبن قي الأقتران، وبتقصير أمد الخدمة العسكرية الإلزامية للخرّيجين إلى 3 ـ 6 شهور، ثم دعوتهم كل سنتين ( مثلاً) للخدمة لمدة شهر أو شهرين. وفي هذا الصدد، يقول الفيلسوف (برتراند رسِل) : " إن الجيل الذي لا يستطيع تحمّل الأعباء، سيكون جيلاً من الأقزام، لأنه مؤلّف من رجال فُصِلوا عن عملية التقدّم أو التطوّر البطيء، فذوى ووهنَ فيهم كل داففع حيوي."
إستنادَا إلى كتاب (ألفوز بالسعادة)، يرى ( برتراند رسِل) إن الحياة الهادئة من خصال الرجال العِظام، وملذّاتهم ليست من النوع المثير بالنسبة إلى غيرهم. وكل إنجاز عظيم يتطلّب عملاً دائبًا متواصلاً وشاقًا، على أن يتخلل ذلك العمل في أثناء العطلات وفترات الإستجمام بعض الرياضات البدنية، بقصد تجديد الطاقة الجسمية، وتنشيط الدورة الدموية، كتسلّق الجبال والسباحة ذات المسافات الطويلة ومسافات ركض الضاحية وما إلى ذلك. فكلما نما بين الشباب ذلك العدد من الرجال، كان ذلك أجدى للمجتمع بفضل تناقص مشاكل شبابه.
ـ 3 ـ
من الكتب المفيدة للشباب، في إغناء ثقافتهم في هذا الباب خصوصًا، وبناء شخصيتهم وتسليحها بالمعارف والوسائل الكفيلة بالفلاح في خوض معمعان الحياة، هي كتب المربّي المتمميّز سلامة موسى، وأخصّها بالذكر ، هي : [ أحاديث إلى الشباب ـ مشاعل على الطريق للشباب ـ هؤلاء علّموني ـ التثقيف الذاتي ـ عقلي وعقلك.] ومن كتابه (ألتتثقيف الذاتي) أجتزئ هذه الفقرة من موضوعه( التربية للحياة) حيث يذكر وجوب نجاح الفرد في ميادين الحياة : [ يجب أن تنجح في الحياة، أي تنجح في الأسرة، بعلاقات زوجية حسنة، وعلاقات أبويّة بارّة، وننجح في المجتمع، بأن نكون إجتماعيين، نقدّر الصداقة، ونمارس الصداقة، ونشتغل بالسياسة، وننغمس في المشكلات الإجتماعية، ولنا أهداف نحو خير المجتمع.]
فهل تدرِك غالبية شبابنا، وتعمل وتمارس هذه العوامل التي تؤهّلهم للخوض في معمعان الحياة بنجاح وتوفيق ؟ ثم يبيّن المؤلف كيفية الفلاح في كل مجال من هذه المجالات لبلوغ الرضى المناسب عن الذات، ونيل السعادة بالمقدار الممكن نسبيًا ـ كما هو معلوم في كل آن ومكان دائمًا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع