معروف خزنه دار : المعلم ، والكاتب ، والمناضل ، والاكاديمي ، والانسان

                                                

                      ا.د. ابراهيم خليل العلاف
        استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

               

          


معروف خزنه دار : المعلم ، والكاتب ، والمناضل ، والاكاديمي ، والانسان

وأنا ازور صباح اليوم الاحد 4 من آب الجاري 2019 ، متحف وأرشيف تربية اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق لفتت نظري خزانات خاصة مكرسة للاديب والكاتب والمؤرخ والناقد والاستاذ الاكاديمي والمناضل السياسي الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار ، والذي كنت اعرفه منذ ان كنت في جامعة بغداد .كما كنت اعرف اخوه ، وكان صديقي وهو الصحفي البارع الاستاذ جمال خزنه دار .

ومما عرفته من خلال هذه الخزانة التاريخية ان الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار من تلاميذ ( مدرسة اربيل الاولى) وكان دخل اليها في الثلاثينات من القرن الماضي . ولم تكن ثمة مدرسة غيرها ، لذلك اتخذت بناية هذه المدرسة الجميلة تاريخا ، وطرازا وعمارة ومكانة،متحفا لتاريخ ورموز التربية والتعليم في اربيل .
الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار من مواليد سنة 1925 في اربيل وتوفي ايضا في اربيل سنة 2010 . وبين هذين التاريخين كانت ثمة حياة حافلة بالاحداث والوقائع التي تجعلني اقول ان معروف خزنه دار في كل تاريخه كان جسرا بين الثقافتين العربية والكردية أحب العرب وأحبوه وعمل من اجل قومه ووطنه حتى في الايام الحالكة لم يتردد ولم يقف و، كثيرا ما كنت اراه في السبعينات من القرن الماضي وانا في جامعة بغداد يجلس مع استاذي الاستاذ الدكتور فاضل حسين والاستاذ الدكتور عبد القادر أحمد اليوسف فقد كان مثلهما يساري وتقدمي واعتقد انه لفترة كان شيوعيا . كما كان يتردد على رئيس قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد الاستاذ الدكتور فيصل السامر وكان هو ايضا يساريا وقد تأثرت بكل هؤلاء الاساتذة واصبحت مؤمنا بالعروبة ولكن بنفس يساري .
ما علينا أعود للاستاذ الدكتور معروف خزنه دار ، فأقول انه أُوفد الى الاتحاد السوفيتي بعد سنة 1959 وحصل على الدكتوراه في الادب الكردي الحديث . كما ترأس قسم اللغة الكردية بكلية الاداب –جامعة بغداد بين سنتي 1972-1981 .
كان معروف خزنه دار ، يشعر بشعور قومه ، وكان شغوفا بفكرتي الحرية والتقدم ، واسهم في كل تظاهرات الحركة الوطنية العراقية واعتقل سنة 1948 في سجن بغداد المركزي وقد نفذ الحكم الذي اصدره المجلس العرفي العسكري بحقه ، وبقي في السجن سنتين متهما بالشيوعية التي كانت السلطة الملكية انذاك تعدها مبدأ هداما .
عمل معلما قبل اكماله دراسته في الاتحاد السوفيتي ملتحقا بمعهد الدراسات الشرقية التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية ، وعاد الى العراق بعد ان انهى دراسته وحصل شهادة الدكتوراه (ناؤوك ) .

                                     

ومن الكتب التي الفها وترجمها ولدي نسخا منها في مكتبتي كتابه (الاكراد ) لمينورسكي وقد ترجمه عن الروسية الى العربية وصدر ببغداد سنة 1968 .. كما صدر له ببغداد سنة 1981 كتابه ( الرحالة الروس في الشرق الاوسط ) ، وهو من تأليف دانتسينغ وله ايضا كتاب ( تاريخ الاستشراق و الدراسات العربية والكردية في المتحف الاسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد) صدر في بغداد سنة 1980 , كما اصدر كتابين باللغة الروسية , الاول اطروحته للدكتوراه نفسها والموسومة : ( تاريخ الادب الكردي الحديث ) والذي اصدرته دار نشر اكاديمية العلوم السوفيتية عام 1967 , والثاني مجموعة قصص كوردية قصيرة تضم (16) قصة والتي صدرت في موسكو عام 1968 .
ويشير الصديق والاخ الاستاذ الدكتور ضياء نافع الذي كتب عنه الى ان الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار أصدر العديد من الكتب باللغة الكوردية والتي تشير بعض المصادر الى انها قد تجاوزت السبعين كتابا , منها مذكراته الموسومة ( أيامي ) في خمسة أجزاء والتي للاسف لم احصل عليها لحد الان . ومما قاله ايضا الدكتور ضياء نافع :" أن الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار سبق أن درس في لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) منذ سنة 1960 الى سنة 1968 وحصل على شهادة الدكتوراه من معهد الاستشراق التابع لاكادمية العلوم السوفيتية، وكان موضوع اطروحته – ( تاريخ الادب الكردي الحديث )، وقد ارتبط هذا الموضوع بحياته العلمية طوال مسيرته الاكاديمية ، اذ استمر بمتابعته والعمل الدؤوب لانجازه، وهكذا اصدر سبعة اجزاء منه طوال حياته ، وهو بذلك قد حقق فتحا كبيرا في الادب الكردي الحديث ،وخطوة علمية لم يسبق لإحد ان قام بها قبله، ولا أعرف مثلا تكرر بهذا الشكل في التطبيق العملي للبحث العلمي أبدا ، اذ ان الباحث عادة يبقى في اطار تخصصه العام والواسع أو يركز نشاطه في إطار اختصاصه الدقيق، اما معروف خزندار فقد استمر في طريق البحث العلمي مطورا وموسعا ومتعمقا في موضوع اطروحته بالذات ، وهو تاريخ الادب الكردي الحديث ، دون ان يهمل النشاط العلمي والبحثي في مجالات الاختصاص العام الاخرى، وقد قدم للمكتبة العربية ترجمات رائعة عن اللغة الروسية ، و التي اصبحت مصادر مهمة ".
للاستاذ الدكتور معروف خزنه دار ، حضور طاغ في الثقافة القومية الكردية وتأثيره في المشهد الثقافي الكردستاني كبيرا وخاصة فيما يتعلق بتوثيقه للادب القومي الكردي ، فهو ممن انغمر في الحياة العامة للاكراد عمل في الصحافة وهو اول من نبه الى جريدة ( كردستان ) القاهرة والتي عدها اول جريدة في التاريخ الكردي صدرت في القرن التاسع عشر ( 1897 ) ، واعطت الانطباع ان الاكراد شأنهم شأن العرب تأثروا بالتوجه القومي ونما لديهم واسسوا احزابا وجمعيات كما اصدروا صحفا .

ومعروف خزنه دار أدرك قيمة ودور الصحافة في تنمية الوعي القومي ؛ فكانت له مقالاته وهو طالب في ثانوية اربيل في جريدة جمعية المعلمين في اربيل ( هولير ) .كما كتب في مجلة ( الصحيفة ) اليسارية ببغداد سنة 1953-1954 وكان له دوره في صدور (مجلة الشفق ) الكركوكية 1958 وكان رئيسا لتحرير مجلة (ده فته رى كورده وارى) ومعناها باللغة العربية (الدفاتر الكوردية) سنة 1970 .
ومما ينبغي لي ان اقوله ان للاستاذ الدكتور معروف خزنه دار دور في تأسيس اتحاد ادباء الكورد سنة 1970 ، واصدار مجلة (نوسه رى كورد) اي (الكاتب الكوردي) من 1971 الى 1973 . كذلك له دوره وكتاباته في مجلة شمس كوردستان من 1971-1975 وكان الاستاذ جمال خزنه دار رئيسا لتحريرها واهداني مجلداتها كاملة هذا فضلا عن ان الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار نشر بحوثه الاكاديمية في مجلة كلية الاداب لجامعة بغداد من 1973 الى 1981.
مما أسعدني أن اولاده نفذوا وصية والدهم في تحويل داره الى بيت النور الثقافي ، وعندما توفي سنة 2010 ترك ارثا ثقافيا واقترح على ( الاكاديمية الكوردية ) ان تجمع تراثه المنشور والمخطوط ، وتعيد اصداره لما لهذا التاريخ من قيمة تاريخية وادبية وثقافية كبيرة.
مما ينبغي أن أذكره ان الشاعر العربي الكبير الاستاذ محمد جميل شلش ، وكان صديقه ورفيق عمره أبنه بقصيدة رائعة قال فيها :
الى اين ياخير الرجال الافاضلُ ؟
الى اين و الآمال خضر الخمائل ؟
الى اين والشم الجبال منيعة ؟
وسفح الهوى زاه يحلو المنازل
وأحلام كوردستان دنيا مرابع
ومصطاف فردوس كريم المناهل
وأهلوك مازالوا كراما أعزةَ
ولن يبرحوا عز الكرام ماثل
فما ضر لو لبثت بين ديارهم
لتهنأ عزيزا بين شم المعاقل
فقد كان يهوى كل شهم مناضل
بان يشهد الاحلام خير مناضل
ولكنها دنياك تُعطي كما اشتهت
وتأخذ ما تعطي كنهلة ناهل
وأعجبها أنا نقاتل بعضنا
لتبقى .. ونمضي بين غاف وغافل
أخا الود لو كان البكاء مع الاسى
يرد عزيزا غائبا غير راحل
بكيتك من قلبي وعيني بأدمع
ضننت بها في فقد أهلي وعائلتي
ولكنني فيك إفتقدت صلابة
بكيت بها في عاجلي فقد آجلي
فيا خير معروف ، ويا خير عارف
عرفت به معنى السلام المقاتل
عذيري إن شطت بحوري بلوعتي
وند شعوري عن طويلي وكاملي
عرفتك من خمسين عاما ونيفا
وفيا رقيق القلب حلو الشمائلِ
أبيا مهيبا شامخا في وداعة
تطاول هامات العُلا غير طائل
وتغضي على زلات عاد وصاحب
طليقا بشوش الوجه جم الفضائل
وتمشي الهوينا خوف ان تؤلم الثرى
وتسمو على دنيا الجهول المخاتل
نمتك بكوردستان أوشاج ماجد
واعلاك فيها نابه غير خامل
فيا خزنداريا وداع مفارق
فقدت به بعضي واشمت عاذلي
رحلت وخلقت المغاني وقد زهت
على سهل كوردستان جنات بابل
وعشت لها سلما فصارت حقيقة
بايمان جندي واصرار عامل
فنم خالدا في قلب كل مجاهد
ونم هانئا في هورمان البواسل
وازكى وداع ان احييك راحلا
مقيما كريما يا اخا كل فاضل

رحم الله الاستاذ الدكتور معروف خزنه دار ، فقد كان معلما يحمل رسالة تنويرية ، واستاذا اكاديميا فذا واديبا ومؤرخا ثبتا وابا حنونا وانسانا نبيلة وها نحن نذكره والذكر للانسان حياة ثانية له .

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع