متى أوان الاستراتيجية الثقافية العربية؟

                                                     

                          د. علي محمد فخرو

متى أوان الاستراتيجية الثقافية العربية؟

منذ أربعة عقود تقريباً وضعت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة «أليكسو» استراتيجية شاملة تقدمية للثقافة العربية الواحدة. كان وراء ذلك الحماس الملتزم بالهوية العروبية المشتركة وكل تجلًّياتها الثقافية العديد من وزراء التربية وكبار موظفي الجامعة العربية و«أليكسو» المثقفين العضويين الملتزمين بوحدة أمتهم العربية ووطنهم العربي الكبير.

لكن حكومات تلك الفترة، المنشغلة بخلافات وصراعات السياسة وايديولوجياتها، وببناء قبضات الأمن الحديدية، لم تُّعر تلك الاستراتيجية اهتمامها المطلوب، فكان أن دخلت الأدراج وطواها النًّسيان، كما طوى غيرها من الاستراتيجيات الكثيرة الأخرى في شتًّى الحقول.
مرَّت تقريباً ثلاثون سنة قبل أن ينتبه رؤساء الدول العربية لأهمية الموضوع ويقرّروا في اجتماع احدى قممهم سنة 2010 ضرورة عقد قمة ثقافية عربية لصوغ رؤية ثقافية مستقبلية للدول العربية، وبطلب من «أليكسو» ودائرة الثقافة في الجامعة العربية، بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي ومجموعة منتقاة من المثقفين العرب، وضع استراتيجية ثقافية لتقدم الى اجتماع القمة الثقافية في المستقبل القريب. لكن ما ان بدأت الاجتماعات لوضع ذلك الطلب موضوع التنفيذ حتى انفجرت حراكات وثورات الجماهير العربية في العديد من الأقطار العربية سنة 2011، فتوقف تنفيذ المشروع بفعل دخول الأنظمة والمجتمعات العربية في خلافات وصراعات وجنون الجحيم الذي نكتوي جميعاً بنيرانه الى يومنا هذا. تراجعت أهمية الثقافة أمام الصعود المذهل للسياسة العبثية اللاًّمسؤولة، وللأمن العنفي غير المنضبط، وللارهاب الجهادي التكفيري المدًّعي صفة الاسلام زوراً وبهتاناً وتطاولاً، ولاستباحة وطن العرب من قبل الاستعمار والصهيونية واستخباراتهما، وللخلافات الطائفية والعنصرية والقبلية الطفولية.
ومع تراجع الثقافة انزوى المثقفون امًّا في منافي الهجرة، وامًّا في زبونية السياسة وانتهازياتها، وامَّا في عزلة اليأس والقنوط وتدمير الًّذات. ولم يبق الا القليل مًّمن مازالوا يقبضون على الجمر بصبر واصرار ومسؤولية. أمام هكذا مشهد محبط يجب أن يُّطرح سؤالان مفصليان:
الأول: هل آن الأوان، كجزء من لملمة الحياة العربية المنهكة، للرجوع الى محاولة وضع تصوًر لاستراتيجية ثقافية عربية وتقديمها الى اجتماع قمة للرؤساء العرب في القريب العاجل، فلعلّ ذلك يقنعهم بأن الثقافة يمكن أن تكون أحد مداخل ارجاع العافية للجسد العربي؟
والثاني: هل حقاً يرُجى من أناس ساهم منهم، بقصد أو بدون قصد، في الدًمار المادي والمعنوي الذي حلً بأرض العرب وبشر العرب، أن ينقذوا الثقافة، بعد أن فرًطوا في السياسة والاقتصاد والاجتماع؟
بصراحة ليس لديًّ شخصياً اجابات شافية مقنعة لهذين السؤالين المتحدًّيين للعقل وللضمير وللالتزام القومي. غير أن المسؤولية القومية تحتًّم على «أليكسو» أن تطرح على نفسها السؤال الأول على الأقل وألا تسمح لنفسها أن تقف عاجزة أمام ما حلًّ من علل وتشوهات بالثقافة العربية الجمعية من جرًّاء جرائم ومجرمي الخارج والداخل.
أمُا الجواب على السؤال الثاني فليتركوه لمؤسًّسات المجتمعات العربية المدنية المناضلة، فهي كفيلة وقادرة على أن تتعامل مع الملابسات التي تحيط به، طال الزمن أم قصر، من خلال نضالها السياسي السًّلمي التراكمي. وتاريخ وتضحيات هذه الأمة عبر العصور شاهدا على ذلك.
نحن الآن أمام ثقافة جمعية يريد لها البعض أن تدخل في صراع عبثي مع الثقافات الفرعية تمهيداً لايجاد تمزُّقات وتشظيات اجتماعية تقود الى اضعاف الهوية العروبية الجامعة الممتدة في أعماق الزمن وعلى امتداد الجغرافيا العربية، أمام ثقافة يراد لها أن تكون في تضاد بليد مع ثقافة العصر وثقافات الآخرين لتصبح منغلقة على ذاتها وغارقة في سلفيتها، أمام ثقافة مليئة بالثنائيات المتصارعة بسبب الخوف من كل تجديد، أمام ثقافة يراد لها أن تكون بعيدة عن المعرفة العلمية والعقلية ولكن قريبة من سطحية وشعاراتية وهذرية الاعلام المظهري النفعي المفقر للعقل والروح، أمام ثقافة غير نقدية ولا تجاوزية تجتُّر ذاتها سنة بعد سنة من قبل مؤسًّسات تعليم فاشلة مرعوبة. ولذلك تقف حائرة أمام الثقافة العولمية المليئة بالعلل والأخطار دون قدرة على الصًّد أو الحماية النديًّة.
من هنا، وخوفاً على التكوينات العقلية الفكرية والشعورية والروحية لشباب وشابات المستقبل العربي، نحتاج للرجوع الى موضوع الثقافة العربية من جديد، بعد أن فعلت السًنون والأحداث بهذه الثقافة الأمل والنهوض مافعلت، ولنبدأ من حيث أجبرتنا الأحداث الكارثية على التوقف.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع