ياللهي كم أنتم أثرياء!

                                                

                             بيلسان قيصر

ياللهي كم أنتم أثرياء!

جارتي البرازيلية أرملة عجوز تعيش وحدها في شقتها الكبيرة، لها بنت وولد متزوجين ويعيشان خارج البرازيل، وهما على إتصال دائم بها، ويزورانها مرتين في السنة فتحتفي بهما أشد الإحتفاء، ولأن شقتها تجاور شقتي، فغالبا ما تضيفني على فنجان من القهوة وبعض الكعك الذي تعمله بمهارة كبيرة، عندما انتهى شهر رمضان المبارك وفي اليوم الأول من عيد الأضحى طرقت بابي وهي تحمل باقة من الزهور وقالت بلغة عربية مكسرة (لغو اكلوني البراغيث) مهنئة بالعيد (آم سائيد)، اخفيت ابتسامتي عل طريقتها بالكلام، ورحبت بها وشكرتها على باقة الورد، وجلسنا في البالكون نحتسي القهوة معا، وكنت أعددت كيك بالمناسبة.

سألتني عن حال رمضان وكيف يقضيه الأهل في العراق في ظل درجة حرارة تصل الخمسين ظهرا؟
قالت:ـ انك تعرفين اني اتابع أحوال المناخ في العالم، ويلفت انتباهي ان أعلى درجات الحراة في بلدكم العراق.
قلت لها:ـ فعلا هذا صحيح، خصوصا في جنوب العراق، ولكن العراقيين إعتادوا على هذا المناخ السيء الصيت.
قالت:ـ لكن مع التطورات التكنلوجية لا توجد مشكلة بالمناخ، فحتما كل الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية والبيوت فيها أجهزة تبريد، وأكيد لا يوجد بيت عراقي يخلو من عدة مكيفات. ولا أظن عندكم مشكلة في الوقود فأنتم من اوائل الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وجميع محطات الطاقة تعمل بالغاز لوفرته ورخصه في بلدكم الثري، فقد علمت ان العراق يطفو على بحار من النفط والغاز. يا اللهي كم أنتم محظوظون!!! نفط وماء وحضارة وثروات لا حصر لها وحكومة يحكمها علماء وتكنوقراط يحملون شهادات عليا، هؤلاء من المؤكد حملوا معهم كل الخبرات والتقتنيات العلمية التي تعلموها في الخارج معهم الى العراق، وطبقوها عمليا.
لا أعرف ماذا أجيب، نظرت الى جدارية العيون السبعة على الحائط خشية من الحسد على بلدي، فما تتحدث به من خيرات وشهادات وخبرات وحضارة حقيقة لا تحتاج الى اثبات، ولكن كيف يمكن أقنعها بأن هذا البلد الذي تحسدني عليه، يحكمه مزدوجو الجنسية، وان معظم شهاداتهم العلمية مزورة، وانهم نقلوا الخراب والدمار والفتنة للعراق، وانهم نهبوا ألف مليار دولار خلال عشر سنوات، هل أتحدث لها حرق مليارات المكعبات من الغاز العراقي لعيون جارتنا الحبيبة ايران؟ وهل أحدثها عن أزمة الكهرباء والماء والوقود والفساد والرشاوي وملايين المهجرين داخل البلد وخارجه. هل احدثها عن الإرهاب والإغتيالات اليومية والسلب والنهب والخطف، ام عن التهجير والتغيير الديمغرافي؟ هل احدثها عن خراب العمية التعليمية ووجود سبعة ملايين أمي ومتسرب من الدراسة؟ هل احدثها عن بيع الدواء من قبل جهلة على بسطيات أمام عيون الحكومة، ولا يوجد قناني اوكسجين في المستشفيات العراقية؟
من الأفضل ان اغير البوصلة واقصر حديثي عن رمضان، فالفضيحة أكبر من امكانية التستر عليها، حكيت لها عن رمضان واهم المأكولات وكيف يقضي العراقيون ايامهم، وعن الجلسات العائلية والعاب رمضان كالمحيبس وقصص الجدات عن الزير سالم وبلبل هزار والشاطر حسن وغيرها، لاحظت شدة انتباهها لكلامي واستمتاعها به، وقالت لي:ـ ليتني أقضي هذا الشهر الجميل في العراق، فصعقت وقلت:ـ سترك يا رب! إفتضحنا والله.
قالت:ـ وهل تقدم الحكومة للشعب شيئا في هذا الشهر المهم؟
بزلة لسان، قلت لها نعم قدمت نصف كيلو عدس لكل عراقي.
تفاجأت وقالت هل تقصدين العدس الأصفر؟
لا أعرف ما اقول وكيف أعالج الموقف، لقد أوقعت نفسي في حرج، لكن كما يبدو انها فهمت المسألة بطريقة أخرى عندما قالت لي هل تسمون الزيادة في الرواتب أو المكافئات العدس الأصفر؟ هاهاها! نحن هنا ايضا نستخدم الكنى أحيانا للإشارة الى أمور أخرى.
حمدت الله، وقلت مع نفسي لكن العدس يا صديقتي عدس حقيقي وليس كنية، وتذكرت مثلنا الدارج (اللي يدري يدري، واللي ما يدري كضبة عدس).

الگاردينيا:سعداء بعوتكِ الى حدائقنا يا بيلسان ..ننتظر جديدكم.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

660 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع