اوهام الحرب المرتقبة بين امريكا وايران

                                               

                              عوني القلمجي

اوهام الحرب المرتقبة بين امريكا وايران

لا يوجد امامي سببا مقنعا يدعوني الى تصديق ما يجري تداوله بين عموم الناس، حول توجه امريكا ورئيسها دونالد ترامب لشن حرب شاملة او محدودة ضد ايران، بهدف انهاء نفوذها السياسي، وحل الميليشيات العراقية التابعة لها، وتشكيل حكومة جديدة تاخذ على عاتقها بناء العراق وعودته كدولة مستقلة وموحدة. ويبدو ان كل هذا الخيال الواسع تولد هذه المرة جراء تحريك حاملة طائرات وسفن حربية وقاذفات في مياه الخليج العربي، في حين ان تحريك مثل هذه القطع العسكرية الامريكية إلى اية منطقة من العالم، على الرغم من اهميته البالغة، لا يعني في كل الاحوال إعلانا للحرب، أو تعبيراً عن وجود نوايا حقيقية لخوض معركة وشيكة. والمصيبة فان كلا الطرفين، امريكا وايران، لم يتحدثوا عن حرب مرتقبة، بل على العكس من ذلك، فقد نفى قادتها نشوب مثل هذه الحرب المتخيلة. فالرئيس الامريكي دونالد ترامب، اكد مرارا وتكرارا، بانه لا يريد ايذاء ايران ولا اسقاط نظامها، في حين اكد وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان ووزير الخارجية مايك بومبيو ورئيس هيئة الاركان المشتركة جوزيف دنفورد، يوم الثلاثاء الماضي في "جلسة احاطة مغلقة لاعضاء الكونغرس" بإن بلادهم ليست ذاهبة للحرب. بالمقابل اكد وزير خارجية ايران جواد ظريف نفس الاقوال، بل زاد عليها من الشعر بيت ووصف الرئيس الامريكي ترامب، بانه رجل سلام على خلاف الفريق المحيط به، الذي تبدا اسمائه بحرف الباء، وحددها ببولتون مستشار امن ترامب القومي وبومبيو وزير خارجيته وبن زايد رئيس دولة الامارات، وبن سلمان ولي العهد السعودي. وجاءت اخر هذه الاعترافات على لسان المرشد الاعلى في ايران علي خامنئي، الذي استبعد نهائيا مثل هذه الحرب.
نعم ما ذهبنا اليه لا يدخل في باب الاحكام القطعية، ولا الاستخفاف بهذا التحرك العسكري في مياه الخليج العربي، ولا حتى اعتباره استعراض للقوة الامريكية، وانما يعد بمثابة رسالة ذات طابع عسكري هدفها، كما نعتقد، وقف تمادي حكام ايران وتمددهم في عموم المنطقة العربية، وتشكيلهم خطرا على حلفائها من دول الخليج العربي من جهة، والتعدي على نفوذهم في العراق على وجه التحديد من جهة اخرى، وذلك من خلال اجبارهم على تنفيذ عدد من الشروط الامريكية التي تؤمن لهم تلك الاهداف، ومنها تقييد البرنامج النووي الايراني والحد من مليشيات ايران المسلحة في العراق وسوريا واليمن وليس سحبها او حلها. بل ان كينث ماكنزي مسؤول القيادة المركزية للجيش الامريكي قد قلل من اهمية هذه الحشود بقوله"أن الخطوة الأخيرة التي قامت بها واشنطن بإرسال حاملة طائرات أبراهام لينكولن وعدد من القاذفات إلى الشرق الأوسط، تمثل رسالة واضحة للنظام الإيراني مفادها، ان اي هجوم سيستهدف المصالح الأمريكية سيقابل بقوة صارمة". بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان امريكا تسعى من وراء كل هذه الحملة العسكرية الى تقليم اظافر ايران وليس قلعها، لتعود حليف ملتزم، او على الاقل غير مشاكس.
ترى هل ستقبل ايران بتقديم التنازلات المطلوبة مقابل الحفاظ على نظامها ورفع الحصار الاقتصادي عنها ؟ ام انها ستمتنع عن ذلك وتدخل، كما يعتقد البعض، في مواجهة مع الولايات المتحدة ذات القوة العسكرية المتوحشة؟


لا يساورنا ادنى شك، بان حكام طهران قد استلموا الرسالة، ومحوا من ذاكرتهم كل ما وسوس لهم شياطينهم من اوهام واحلام فارسية توسعية، يمكن لامريكا غض النظر عنها، كما غضت النظر عن تواجدها في العراق، وانهم، في نهاية المطاف، سينفذوا ما طلبته امريكا منهم، سواء فيما يخص تحجيم مشروعهم النووي وصواريخهم الباليستية، أو الحد من توسع نفوذهم في العراق والمنطقة. خاصة وان مثل هذه التنازلات لن تضعف ايران الى درجة تفقدها القوة التي تحتاجها امريكا على الدوام، لتهديد دول المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية، الذي استطاع ترامب، تحت هذه الذريعة، الاستحواذ على نصف ترليون من الدولارات مقابل تامين استمرار العائلة المالكة في السلطة، ناهيك عن ادراك حكام طهران للاهداف الاخرى لهذه الحشود، التي لا تضرها اطلاقا، وهي سعى ترامب الى اعادة انتشار قواته العسكرية بكثافة في عموم منطقة الخليج العربي، لتمرير صفقة القرن التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وانهاء الصراع العربي الصهيوني نهائيا، ليجري الوصول الى تمهيد الطريق امام الكيان الصهيوني لان يصبح الوكيل المفوض في المنطقة ككل، وهو ما سيجعل الاوضاع اكثر استتبابا للامريكيين، الذين يهمهم تأمين المنطقة ليخوضوا صراعهم الاقتصادي شرقاً، مع القوى الصاعدة في الصين والهند.
اما الحديث عن امكانية تعنت ايران ورفضها للشروط الامريكية واستعدادها للمواجهة، فهذا الحديث لا يستند الى منطق او ادلة واقعية لاسباب عدة، منها ان حكام طهران يعلمون علم اليقين بعدم قدرتهم على الوقوف بوجه القوة العسكرية الامريكية المتوحشة، لا هم ولا جيشهم ولا صواريخهم ولا مليشياتهم المسلحة خارج حدودها، سواء في العراق او لبنان او سوريا او اليمن، بسبب اختلال موازين القوة العسكرية لصالح امريكا بالتمام والكمال، مثلما تعلم انه لا الاتحاد الأوروبي ولا الصين ولا روسيا على استعداد لدعمها في مواجهة واشنطن، فروسيا على سبيل المثال لا الحصر، وهي اقرب حليف، لها قد اعلن رئيسها بوتين في مؤتمره الصحفي مع الرئيس النمساوي يوم الاربعاء الماضي بقوله، "لقد اخبرت شركائنا الإيرانيين، ان الدول الاوروبية الموقعة على الاتفاق النووي لا تستطيع فعل أي شيء لإنقاذ ايران والقيام باي عمل فعلي للتعويض عن خسائرهم في القطاع الاقتصادي"، واضاف اما بالنسبة لروسيا فقد قال بوتين ان بلاده ليس بإمكانها لعب دور "فرقة إنقاذ" او "فرقة إطفاء" ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء"
ومنها ايضا وضع ايران الداخلي غير المؤهل لخوض معركة من هذا الوزن، فهو كما تؤكد الوقائع وضع سيء للغاية. فبالاضافة الى تدهور الوضع الاقتصادي الذي ولد استياء عام من قبل فئات واسعة من الشعب الايراني، فان التيار الاصلاحي الذي يرفض سياسة الولي الفقيه التوسعية، ويسعى الى بناء علاقات مع الغرب عموما ومع الولايات المتحدة خصوصا، كونها اكبر قوة في العالم، بات قويا ومؤثرا في الحياة السياسية الايرانية، اضافة الى وجود معارضة سياسية قوية من خارج النظام ممثلة، باحزاب وقوى ديمقراطية ويسارية، ناهيك عن احتمال قيام انتفاضات شعبية من قبل القوميات المضطهدة، مثل عرب الاحواز والكرد والقوميات الاخرى العديدة، ولم يخف حكام طهران هذه المخاوف في حال خوض مواجهة مع امريكا، حيث جرى تحديدها بإندلاع احتجاجات واسعة ضد الحكومة، اوتمرد شعبي ضد فشل الحكومة الاقتصادي والاجتماعي. جراء تكثيف الضغوط الأميركية على الصادرات النفطية والمبادلات المصرفية، وكذلك الخوف من وضعية ثبات الجمهورية الإيرانية، بعد وفاة علي خامنئ، البالغ من العمر 80 عامًا، وهذا ما يفسر التغيرات التي حدثت في قيادات الحرس الثوري، استعدادا لقمع اي انتفاضة او ثورة شعبية ضد النظام الايراني. وذلك بتعين الضباط الاكثر تشددا وبشطا مثل اللواء حسين سلامي الذي يعين قائدا للحرس الثوري والاميرال علي فدوي نائبا له، ومعلوم ان هذا الحرس الثوري يعتبراقوى مؤسسة في الجمهورية الإيرانية، بعد مؤسسة القيادة، وأكثر نفوذًا.
لكن هذا ليس كل شيء، فامريكا وايران لم يزل كل منهم بحاجة الى الاخر، وان التعاون بينهما في العراق على وجه الخصوص استند الى اسس متينة ليس من السهل التفريط به، وان الخلافات بين الطرفين، رغم كل هذه المظاهر العسكرية والتهديدات المتبادلة، سيجري حلها على طاولة المفاوضات وليس في ساحات الوغى. وقد اكدت الوقائع والاحداث على متانة هذا التعاون الذي يصل احيانا لحد الشراكة، حيث اكد عليه العديد من الشخصيات ذات الصلة بمثل هذا الموضوع، مثل ادوارد دجيرجيان، مساعد وزير الخارجية الامريكية الاسبق لشؤون الشرق الأدنى وافريقيا، ومن الباحثين السياسيين، جون سبوزتو وستيفن زوترو ومن الكتاب ذوي الصلة الوثيقة بالامريكان، الكاتب السياسي اللبناني الامريكي الفارسي الاصل فؤاد عجمي، ومن العراقيين احمد الجلبي وكنعان مكية وليث كبة ورند الرحيم، وغيرهم الكثير. حيث وصفوه بالتعاون المتين والذي وضعت اسسه بشان العراق منذ سنة 1991. وتعزز ذلك التفاهم طيلة فترة الحصار على العراق، وبعد احداث ايلول عام 2001 اصبح شبه مكتوب. ومادامت مصالح امريكا وايران متفقة على تدمير العراق دولة ومجتمعا حتى النهاية، فان مثل هذا التعاون سيبقى مستمرا على المدى المنظور مهما تخاصموا. هذه حقيقة واذا كان هناك من لم يدركها بعد، فان الوقائع العنيدة ستجبره على قبولها عاجلا ام اجلا. وعلى ضوء ذلك ادعو عموم العراقيين والاحزاب والقوى الوطنية المعادية للاحتلال الامريكي وتابعه الايراني، الى نزع كل هذه الاوهام من العقول، ومواصلة طريق الانتفاضات الشعبية التي لم تخمد نيرها بعد، والعمل على تطويرها الى ثورة شعبية ذات طابع سياسي وطني شامل، تتعدى المطالب الحياتية والخدمية، وصولا الى المطالبة برحيل الاحتلال واسقاط العملية السياسية الطائفية، لتتمكن الحكومة الوطنية القادمة من رحم الانتفاضة من استعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية ووحدته كاملة غير منقوصة.
عوني القلمجي
22/5/2019

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

835 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع