رئيس منتخَب ومعارضة هزيلة

                                     
نجحت الثورة المصرية في الإطاحة بأحد أكثر الأنظمة نحساً على شعبه، وشعوب المنطقة المجاورة لمصر. كانت ثورةً عارمةً اشتركت فيها مختلف فئات وأطياف الشعب المصري. تناسقت القوى الداخلية والخارجية بطريقة لم يجد معها النظام المترهل بداً من الرضوخ لمطالب الشعب؛ ومن ثم التقوقع خلف قضبان السجن قبل وبعد محاكمة متواضعة.

نجحت الثورة المصرية بطريقة فريدة من نوعها؛ تم تحييد الجيش وقوى الأمن القمعية التقليدية جانباً. وجد الشعب نفسه يقوم بمهمة التغيير، وتقريباً بلا منازع. الأنظمة العربية المستبدة الأخرى كانت أكثر عنفاً ودمويةً، حين استعانت بقوى الجيش والأمن الداخلي، في محاولة لوأد الثورات في مهادها. بملء فيه وبتحكيم ضميره وتطبيق حكمة عقله، وبأغلبية متواضعة ثمة حاسمة، انتخب الشعب المصري رئيساً له من صميم الطبقات المقهورة والمغيَّبة قسراً عن مسرح الحياة السياسية. الشعب المصري شعب يطمح للتخلص من تبعات عهود وعقود من الأنظمة المتعاقبة، الإقطاعية الوراثية والدكتاتورية الغوغائية وأنظمة التبعية للأجنبي والفساد المستشري.

الدكتور محمد مرسي قادم من أكثر طبقات الشعب اتساعاً وانتشاراً، من النواحي الاجتماعية والفكرية والسياسية والعملية والعقائدية.

يحتاج النظام الجديد لفترة من الزمن، قد تطول أو تقصر(!)، للتخلص من الصدأ والعفن والترسبات المتراكمة في مختلف مفاصل الحياة المصرية الحديثة، ترسبات حلت بسبب التقاعس عن مواجهة الظروف والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية. الرئيس مصنَّف على أنه محسوب على فكر حركة "الإخوان المسلمون"، التي تسيطر على غالبية الشارع وطبقات المجتمع المصري. حركة خاضت تجارب مريرة منذ تكوينها قبل حوالي قرن من السنين؛ نال منها الرئيس الجديد بنفسه، محروماً من مصدر رزقه وحريته.

لا يطيب للقوى الخارجية والداخلية المتربصة، فوز شخص ذي خلفية "ثيولوجية"، وبالأخص إسلامية. لوضع العصي في عجلة التغيير، وضعته تلك القوى تحت المجهر منذ اللحظة الأولى التي أُعلن فيها عن فوزه في انتخابات الرئاسة. كالوا له كل أنواع التهم والنعوت والصفات، في محاولة لشل قدراته وتقييد حركاته. اتُّهم بالتخلف الفكري والعقلي والاجتماعي والسياسي. بعد وضعه تحت المجهر أعطوه مهلة مائة يوم، ليروا نتائج حاسمةً في مهمة تحتاج لعقود من الزمن لإنجازها!

تواجه الإدارة المصرية الجديدة التحديات والتهديدات من مختلف الجهات. التحدي الأساسي التقليدي، يتمثل بالتدخل الإسرائيلي المتمثل بالأطماع السياسية والجغرافية والاقتصادية في مصر خاصةً، والمنطقة عموماً.

بدأت إسرائيل التحرش بالقيادة الجديدة، عن طريق افتعال حادث مثير للجدل على الحدود المصرية-الإسرائيلية. مجموعة من "المتشددين" يغيرون على قاعدة عسكرية مصرية، يقتلون ويجرحون العشرات من الجنود والضباط وقت انشغالهم بتناول طعام الإفطار، ثم يستولون على مدرعة يتجهون بها إلى إسرائيل للقيام بعملية "انتحارية نوعية"؟!

التحدي الثاني قادم من رواد السياسة الدولية، وعلى رأسهم المعسكر الغربي. لا يريدون تكرار التجربة الإيرانية صاحبة الفأل السيئ على العالم الغربي، بشكل خاص. قاموا بالإيحاء والإيماء(!) لشركائهم في العداء للنظام الجديد في الداخل، بالتحرك. اختار الأخيرون أيام الجمعة كطريقة تقليدية سارت عليها حركة ربيع التغيير العربية. لا يريد هؤلاء أن تستقر الظروف الملائمة لحدوث تقدم حقيقي، ثابت ومتماسك مرحلياً واستراتيجياً، في ظل قيادة موسومة بالرجعية والسلفية. خابت آمال ما تسمي نفسها بالمعارضة (بقايا النظام السابق)، عندما وجدت أن قاعدتها الشعبية قليلة وتتآكل، حتى في الساحة والشارع الذي وصلت إليه بعدد خجول.

القيادة المصرية الجديدة، تعي أن نجاحها في مهمتها مسألة مصيرية، ليس فقط لمصر بل للمنطقة من حولها. تمثل مصر موقعاً استراتيجياً وديمغرافياً وحضارياً نوعياً لشعوب المنطقة، خاصةً العربية والإسلامية. نجاحها يعني الكثير للعالم من حولها، وفشلها يعني إعادة المنطقة إلى المربع الأول أو نقطة الصفر من جديد؛ هذا مع إعادة لحكم الأنظمة البائدة، المستبدة البائسة على الدوام.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

813 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع