(( الصابئه المندائيون واجابة للدكتور عدنان الظاهر ))

                                              


                    الدكتور بشير عبدالواحد يوسف


(( الصابئه المندائيون واجابة للدكتور عدنان الظاهر ))

تحيه وشكر للباحث الفاضل الدكتور عدنان الظاهر على مقاله المطول المنشور بموقع الكاردينيا الغراء يوم 6 شباط الجاري وبعنوان ( الصابئه المندائيون ) وطلبه ان يجيبه المختصون من افراد الطائفه عن بعض استفساراته واود
ان اذكر بان على الباحث ان يراجع عدداً من المصادر ليجد الإجابة الشافية على عدد كبير من الأسئلة ، وان الصابئة المندائيون جزء حي من التاريخ الإنساني ويمكن العيش معهم ميدانياً والتعرف عليهم عن قرب فهم ناس لطفاء كرماء لديهم من الحب مايكفي الجميع ولهذا سأجيب على عدد من الأسئلة المهمة وبإيجاز :
١- الصابئة المندائيون يؤمنون بديانة توحيدية ،. تعتبر هذه الديانة اقدم ديانة توحيديةعرفها الانسان ، وهي من الديانات التوحيدية الإبراهيمية الصوفية النزعة ، حنفية سمحاءتدعو للسلام والمحبة والإيمان بالله الواحد الاحد الذي لايشاركه ملكه احد ، وبمكارم الأخلاق ، كتابهم المقدس الكنزا ربا ، الصحف الاولى التي انزلهاالحي العظيم على أنبيائهم عليهم السلام ( ادم، شيت ابن ادم ، سام ابن نوح، إدريس (دنانوخت ) ، يهيا يهانة ، الذي أخذ الاخوة المسلمون اسمه الاول فسموه يحيى ،وأخذ الاخوة المسيحيون اسمه الثاني فسموه يوحنا ولانه عمد السيد المسيح في نهر الاْردن وفق العماد الصابئي المندائي اطلق عليه اسم يوحنا المعمدان ، كذلك من أنبيائهم
( أنوش بن شيت ، نوح ، ابراهيم ، زكريا ).
يبقى الدين هو راس الايمان وأساسه ، ويمثل القيم والمبادئ الاساسية التي يبنى عليها المجتمع بعيداً عن التطرف والتعصب الديني او المذهبي ، كلنا عباد الله ، فان لم يكون اخوك في الدين فهو اخوك في الانسانية ، كلنا من ادم وآدم من تراب .
٢- لفظة صابئة ومندائيون : الصابئة هم الصابغة ونبي الله يحيى يسمى يوهانا الصابغ ، وهل احسن من صبغة الله صبغة ، وكلمة صابئي متأتية من كلمة صبأ المندائية الآرامية الشرقية بمعنى غطس في الماء واصطبغ ومصدرها مصبتا اَي التعميد ، وليس من كلمة صبأ العربية التي تعني من ترك دين اجداده واتبع ديناً اخر .
اما كلمة مندائيون فتعني العارفون بالله بالعقل والإحساس ومواجد القلب ودار عبادتهم يسمى المندي اَي بيت المعرفة والملاك جبرائيل يسمى الملاك مندادهيي اَي عارف الحياة .
٣- ورد اسم النبي يحيى بن زكريا في الكتب المقدسة الكنزا ربا والإنجيل والقران الكريم وقصة ولادته ووفاته وهناك اختلاف جذري بين ما ورد في الإنجيل عن وفاته وبين ما ورد في الكنزاربا ، فانجيل لوقا مثلاً يذكر انه قتل من قبل هيرودُس عندما عارض نبي الله يحيى زواجه من ارملة أخيه فيليبس واسمها هو ديا ، لان هذا النوع من الزواج محرم في الدين الصابئي المندائي ،حتى لو كانت مطلقة او ارملة اخ .
٤- فعلاً إنجيل لوقا يذكر ( انا اعمدكم بماء ، ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً ان احل سيور حذائه ) . وكلنا يعرف ان الأناجيل كتبها تلاميذ المسيح بعد عقود من الزمن ، ولكن مع هذا ذكره السيد المسيح بكل إجلال و اكرام
( الحق أقول لكم : لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ولكن الأصغر في ملكوتِ السماواتِ اعظم مِنْهُ ) ويقصد هنا الملائكة .
ووفقاً لما ورد في الكتب المقدسة فان يحيى ولد بمعجزة من انشبي (اليصابات ) العاقر الطاعنة في السن ومن زوجها الشيخ زكريا الذي بلغ من العمر عتيا ، وكذلك السيد المسيح ولدته مريم العذراء دون ان يمسها رجل ، امًور روحانية بحته .
والمهم بالموضوع ان هناك صلة قربى بين مريم وزكريا وانشبي ولهذا كفل زكريا مريم وعاشت معهم في نفس البيت وكان يوهانا عمره ثلاث عقود ويعظ الناس في أمسيات الليالي ويعمدهم في نهر الاْردن في بيت حنانيا في وادي الجرار ، نهل السيد المسيح التعاليم والمواعظ من معلمه يوهانا وتسلح بها وعندما اصبح شاب طلب من يوهانا ان يعمده كما يعمد الناس ويقرأ عليه الاسماء والبوث ( الآيات ) الخاصة بالصباغة ، وفعلاً عمد يوهانا السيد المسيح تعميداً صابئياً مندائياً ، لقد استفاد السيد المسيح من روح تعاليم يحيى ومواعظه ولهذا لانجد ان هناك فرقاً بين منطق وأسلوب الرجلين ، لان من يقرء تعاليم يحيى ويقرء الإنجيل بإمعان يجد نفس التعاليم ونفس المعنى .
لقد عاش يحيى ثلاثة وستون سنه وعندما انتقل الى ربه بواسطة الملاك مندادهيي ( جبريل ) بناءً على طلبه ، خلال كل هذه الفترة لم يدعي السيد المسيح النبوءة الا بعد ثلاث سنوات من عروج يحيى الى عالم الانوار
(الجنة) ، وهذا يعني ان يحيى والمسيح عاشا ثلاث عقود سويةً ولم يحدث عبر التاريخ الإنساني ان بعث الله نبيين في وقت واحد للناس ، ولكنها عاشا في مكان واحد وينطقان لغة واحدة ويؤمنان بدين واحد ، ولكن بعد ارتقاء يحيى بثلاث سنين كما ذكرنا أعلن عيسى النبوءة وخفف كثيراً من غلواء وتعقيدات الشعائر والطقوس المندائية ومنها شعيرة التعميد التي اختصرها بالرش ،كذلك الصلاة بدل البراخة والرشامة ( الوضوء والصلاة ) ، فألغى الوضوء وبسط الصلاة بالتثليث ... وهكذا سهل على الناس اجراء الشعائر والطقوس وخفف الصوم وكثير من الشعائر والطقوس اَي ركز على الدين وخفف التدين ، وأخبر تلاميذه ان كل ما يعتمدوه في الارض ستوافق عليه السماء ، فكثر اتباعه و مريدوه .
ان الثوابت التاريخيه تؤكد أن كل انبياءالله من اصل بلاد الرافدين حتى الرسول محمد (ص) من اصل شنعاري ويدلنا ذلك قول الامام علي بن اب طالب (ع) ( نحن من قريش وقريش من النبط ، والنبط من كوثى )، والانباط هم فلاحوا ميسان وكوثى هي الكوفة.
٥- الأدلة كثيرة ان نبي الله يحيى لم يكن يهودياً ، يرجى الاطلاع على سيرة حياته وقراءة كتاب تعاليم النبي يحيى ( دراشة آد يهيا يهانه ) .
كذلك عيسى لم يكن يهودياً وإلا لماذا اختاره نبي الله يحيى ليكون مُخلصاً وليكمل الرسالة بعده ، ولو كان عيسى يهودياً لماذا لم يقدس يوم السبت الذي يقدسه اليهود ، ولماذا قدس يوم الاحد الذي يقدسه الصابئة المندائيون ، وكلا المسيحيون والمندائيون لا يبيحون الختان ، ولا الطلاق وإنما هو نوع من الفراق بدليل لو عاد بعد حين الصابئي المندائي الى زوجته التي فارقها لاتجرى له مراسيم دينية من جديد اَي لايقطع له مهر ثاني ، بمعنى تقارب التعاليم والتقاليد ، حتى قصة قتل النبي يحيى كما توردها الأناجيل بمؤامرة دبرتها هوديا فكيف تقتل يهودية ابن ملتها !؟، لقد تعمد السيد المسيح وهو في الثلاثين من عمره وهو بكامل حكمته وإيمانه ، فهو إذن يؤمن بالتعميد منذ صغره ، لقد كانا يحيى وعيسى يتهكمون على الهيكل اليهودي وسدنته ولن يدخلوه إطلاقاً ولم يمارسوا اَي شعيرة من شعائر اليهود ، والسيد المسيح هو اول من طرد اليهود من الهيكل وآمن بتعاليم يحيى وصباغته .
كذلك ذكر يحيى في تعاليمه ( انا لن اذهب الى مدينة أورشليم مدينة الشر والخاطئين التي بناها اودوناي وملأ ها بالأكاذيب ) ، والمسيح وصف اليهود بالخرفان التائهه ، فهل من المعقول ان يصف احد أهل ملته بهذا الوصف ؟ ، كما ان لغة عيسى هي نفس لغة يحيى اللغة الآرامية ( الهورية ) ، وان عيسى بدأ دعوته ناصورائياً مندائياً ومنها جاءت كلمة الناصري ، علماً كما ذكرنا ان اول إنجيل كتب بعد وفاة السيد المسيح بمائة وخمسين سنة تقريباً .
أضف الى ذلك ان شعار المسيحية الصليب هو نفسه الدرفش المندائي في اساسه ( علم يهيا يهانا )، ناهيك عن النزعة المندائية في كل تعاليم السيد المسيح وكأنك تتنبأ بما سيقوله الإنجيل مقدماً حينما تحفظ تعاليم النبي يحيى .
٦- يسأل الدكتور الظاهر هل من الممكن ان يعود الأموات للحياة ثانية !؟
انها مسألة روحانية وتخص السؤال ماذا بعد الموت ، وتبعاً للفكر المندائي هناك حياة ثانية ابدية في عالم الانوار بعد الموت للنشمثا ( النفس والروح )
حيث ترتقي النشمثا بعد الوفاة الى عالم الحق ( مشوني كشطة ) وهذا عالم وسط بين عالم الانوار والعالم الأرضي لكي لا يكون هناك اتصال بين العالمين
ترتقي النشماثا بعد ان تتطهر الروح بالمطراثي ( محطات الحساب ) لتعود الى الدموثة ( المثيل ) الذي أخذت منه عند الصيرورة في رحم الام في نهايةالشهر الرابع، ليحيا حياة ثانية بدون أمراض او شيخوخة او موت ثاني ، وشرحها بالتفصيل يحتاج الى وقت كبير . وعموما الايمان بحياتين أفضل اَي الانسان يعيش هذه الحياة وله امل بحياة ثانية ابدية .
٧- اما عن صابئة إيران وصابئة العراق فكلاهما واحد تماماً متطابقين في كل شيء وهم نفس الصابئة ونفس العادات والتقاليد والدين والتدين بالشعائر والطقوس ونفس رجال الدين ، علماً ان عربستان الى زمن قريب كانت ارض عراقية لكن بمساعدة الاستعمار الإنكليزي أُلحقَت الى إيران بعد الحرب العالمية الاولى ، ومن منا لايتذكر شيخ خزعل حاكم المحمرة وأخيه شيخ مزعل .
٨- يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ، وهنا من حقنا نحن الصابئة المندائيون ان نتسائل اَي كتاب هذا ؟ .. أكيد انه كتاب الكنزا ربا لان اسمه ( السيدرا) التي تعني باللغة المندائية الآرامية الكتاب .
٩- الأحناف اتباع نبي الله ابراهيم الخليل ( ع )وعلاقتهم بالصابئة المندائيين ؟.
تنوعت المذاهب في شبه الجزيرة العربية ، لكننا نستطيع ان نفرز تياراً دينياًتوحيدياً خالصاً، تيار يرفض عبادة الأصنام والارباب ويوحد الله، انهم الأحناف او الحنفاء ، تيار اتباعه من الشعراء والخطباء والأدباء في زمن الجاهلية ، وهل هؤلاء اقرب الى المندائية امً اليهودية امً النصرانية ؟ .
ان الأحناف سبقوا الإسلام بقرون عديدة ولهم نصوص تمجد الخالق وتوحده وتعظمه : ( ان الله هو الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود ) ، ( ان الله واحد وحي وما من اله اخر معه ، ان الله واحد وهوالذي خلق الأشياء طرا ).
هذه النصوص كتبت قبل الميلاد وهنالك تقارب بينها وبين النصوص المندائية ، وتكاد تكون واحدة . ان المندائيون والأحناف سبقوا الدعوة المحمدية بمراحل وكثير من المؤرخين يعتبرونهم حالة واحدة وان كلمة حنف تماثل لغوياً كلمة صبأ .
ان المندائيين عندما يذكرون أنبيائهم يمرون على نبي الله ابراهيم ( ياثع آيل )
اَي صديق الله او خليل الله ورغم ان ابراهيم نبياً عظيماً ولكن المندائيين اختلفوا معه لانه طلب منهم ان يعبدوا الله عبادة خالصة دون الملائكة وبسبب مرض اصاب ابراهيم في غلفته مما اضطره للاختتان والهجرة الى حران ثم فلسطين وأرض الكنانة.
لقد لاحظ المؤرخ جورجي كنعان في كتابه ( تاريخ الله ) ، ان كثير من الآثار التي وجدت في المناطق الآرامية تحمل كتابات مثل ( ا ل ه ) ، ( ل هه ) التي تحولت فيما بعد الى كلمة الله عند العرب .
وخلاصة القول ان الأحناف والصابئة حالة واحدة مثلهم مثل الكاثوليك والبروستانت فكلاهما مسيحيون .
كذلك يذكر لنا د. جواد علي في كتابه ( المفصل في تاريخ العرب قبل السلام )، ان الشاعر المعروف أمية ابن الصلت كان مندائياً صابئياً وربما من الأحناف ، قدم الى المدينة والتقى بالرسول الكريم محمد ، فقال له ماهذا الذي جئت به ؟! فقال الرسول الحنفية دين ابراهيم فقال أني عليه ....وسنذكر هنا جمهرة من ممن كانوا على الحنفية ويسمونهم الصابئة لانهم لايعبدون الأوثان ولا يأكلون النذور التي تقدم قرابين للأصنام ويكثرون ومن الاغتسال بالماء ويلبسون الملابس البيضاء وجلهم من المثقفين الذي يجيدون القراءة والكتابة ويبحثون عن المعرفة ولهم علم باللغات مثل المندائية والعبرية والسريانية في الجزيرة في ذلك الزمان ، ومنهم قس بن ساعده ، زيد بن عمر بن نفيل ، أمية ابن ابي الصلت ، ورقة بن نوفل ، زهير بن ابي سلمى واولاده كعب وبجير ،طرفة بن العبد وكعب بن زهير الأيادي .... وغيرهم كانوا يدعون لعبادة الله . يرجى مراجعة كتاب أبكار السقاف ( الدين في شبه الجزيرة العربية).
وحقيقة الامر لم تنصف اليهودية ولا المسيحية الصابئة المندائيين ولكن القران أنصفهم في ثلاث سور بينات ( البقرة ، الحج ، المائدة ) ولكن تبقى هناك مشكلة إصدار بيان من المرجعية في النجف للاعتراف بذلك رغم اعتراف المرجع الإيراني خامنئي بهم .
كذلك الغريب في الامر رغم ان يحيى بن زكريا قد عمد السيد المسيح وذكر في الإنجيل ، الا انهم اختلقوا قصة وفاته التي ابتعدوا بها قاصدين عن حقيقة عروح نبي الله يحيى برفقة جبرائيل ( منداتهيي ) الى عالم الانوار.
١٠- هل الدين المندائي مزيج من اليهودية والمسيحية والمجوسية والإسلام ؟. الدين المندائي نشأ في عالم الانوار وعندما خلق الله ادم أرسل له جبريل ليعلمه التعاليم والاسماء كلها والوصايا وانزل عليه الصحف الاولى ( صحف ادم )، ان ادم راس السلالة البشرية هو اول أنبيائهم وان يهيا يهانة خاتمهم .
ويحق لنا القول مادام الدين من عند الله فالمصدر واحد والتعاليم تشترك بقواسم كثيرة مشتركة وهذه حكمة رب العالمين .
١١- هل الصابئة غنوصيين ؟: الغنوصية كلمة إغريقية تعني المعرفة ، والمندائية تعني المعرفة او العرفان باللغة العربية ، و كلمة عرفان ظهرت عند المتصوفة لتدل عندهم على نوع أسمى من المعرفة يلقى في القلب على صورة كشف او الهام ، وكان المتصوفة يميزون بين معرفة تكتسب بالحس او بالعقل او بهما معاً وبين معرفة تحصل بالكشف او العيان وصنفوها الى ثلاث أقسام ، والتي تهمنا هنا معرفة صفات الوحدانية الخاصة بالمؤمنين الذين يرون الله بقلوبهم .
والغنوصية هي التيارات الدينية التي تقوم على تعميق الحياة الروحية التي تنتج القدرة على استخدام الإرادة في الفكر الغنوصي بدلاً عن العقل . بينما المندائية تركز على العقل في معرفة الخالق اضافة الى الإرادة الروحية المكملة للحالة العقلانية . كذلك الغنوصية تؤمن بوجود الله المتعالي ملك النور السامي المنزه ووجود الله الصانع الذي تدركه الحواس والعقول ، بينما المندائية تؤمن بوجود الله الحي العظيم الذي خلق كل شيء وبأمره كان كل شيء ، خلق الملائكة الآثريين المسبحين لعظمته وأمرهم باجراء الإجراءات نفذوها بدقة حسب اوامره ولم يخالفوا له أمراً وأمر بخلق الانسان من جسد ونفس وروح ، فالجسد جبل من تراب والى تراب يعود ، والنفس قبس من الحي طاهرة نقية جلبت من عالم النوار ، اما الروح تحاسب في المطراثي ( محطات الحساب ) لكي تتطهر مما لحقها من ذنوب خلال مسيرة الحياة من المهد الى اللحد بعدها ترتقي وتتحد مع النفس وتصعد الى الدموثا ( المثيل ) الذي أخذت منه عند الصيرورة .بسم الحي العظيم ( كل مايصنع بالايدي يفسد ، وكل حي يموت ، ان عكازتكم يوم الحساب اعمالكم التي عليها تتوكأون فانظروا الى ماذا تستندون ) والحي المزكى -كنزا ربا .
وعموماً فان الفكر المندائي والغنوصية والهرمسية ( الادريسية ) لفهمها واستيعابها تحتاج الى معرفة واسعة وعقل نير مع ضرورة دراسة المذاهب الصوفية وأساس تكونها .
١٢- لماذا يذكرهم بعض مؤرخي المسلمين انهم عبدة كواكب وأوثان رغم ذكرهم في القران في ثلاث سور بينات ؟ :
ذكر الصابئة في سورة البقرة والحج والمائدة مع الأديان الموحدة بالله ، وجيء ذكرهم مرة قبل النصارى لان دينهم اقدم ، وجاء ذكرة مرة بعد النصارى لانهم الأقل عدداً ، طبعاً هناك عدد من المؤرخين المسلمين انصفوا بحقهم وعدد اخر اجحفوا بحقهم ونقل بعضهم عن بعض .
ولماذا ألصقت بهم الكواكب والنجوم لان علماء حران اهتموا بدراسة حركة الكواكب والنجوم اَي بعلم الفلك الذي يحسب لهم لان علم الفلك علم أكاديمي متقدم ويخلف عن التنجيم الذي يعتبر وهم و شعوذة ، ينظر الدين المندائي ان الكون يمثل وحدة متكاملة وكل جزء من الكون يؤثر ويتأثر بالجزء الاخر ، وهذا الكون أسس بامرٍ من الله والارض جزء من هذا الكون الرحب ، ولشدة اهتمام المندائية بالتأثيرات المتبادلة للكون ودراسة مكوناته ، اهتموا بأكثر العلوم تقدماً آنذاك ( علم الفلك ) ، أضف لذلك ان قبلتهم جهة الشمال وكان اجدادنا يستدلون على جهة الشمال برؤية النجم القطبي للدلالة فقط لعدم وجود الأجهزة الاكترونية المتوفرة اليوم ولايملكون في ذاك الزمان بوصلة او اسطرلاب ، فهل علماء الفلك والفيزياء والعاملين بدراسة الكون في مرصد هابل وغيره هم عبدة كواكب ونجوم كما يدعي بعض الجهلة المتخلفين ، هذا علم واسع ومعقد يحاول الانسان فك رموزه بالعقل الذي وهبه الله للإنسان ليزدادعلماً ومعرفة لكي تتطور البشرية .
١٣- الصابئة المندائيون وصابئة حران وهل هم واحد ؟:
الصابئة المندائيون سكنوا البطائح في جنوب العراق وجنوب غرب ايران فسموا بصابئة البطائح وهناك صابئة سكنوا مدينة حران التجارية في شمال العراق واليوم ضمن الأراضي التركية فسموهم صابئة حران ، ومدينة حران تقع في الشمال الغربي من العراق على نهر البليخ في تركيا حالياً ،. موقعها الجغرافي على مفرق طرق تجارية وتمتاز بنطقها للغة الآرامية ، كان يعيش بها الصابئة المندائيون ، كذلك سكنها اقوام عديدة .
اللعنة على كل مؤرخ غير منصف ومنهم ابو يوسف اشيع القطيعي الذي ادعى ظلماً وبهتاناً على صابئة حران انهم عبدة كواكب ونجوم بالوقت الذي كانوا فيه علماء فلك متميزون وعلماء في الطب والفيزياء والكمياء والرياضيات ، وأدباء ترجمة ولغات ،استفادت منهم الدولة العباسية في مجالات العلوم كافة ، وقد برزت عائلتان ذهبيتان عائلة الصابئ وعائلة قرة. وقد روج لهذه الفرية المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني الذي قاضته المحاكم العراقية فاعتذر وصحح ، وهكذا هناك عدد من المؤرخين معدومي الضمير فقد ادعى هؤلاء ولمرض في نفوسهم ادعاءات باطلةومزورة على الصابئة المندائيين لغرض تشويه الحقيقة والإقلال من قيمة هؤلاء القوم الموحدون الذين يؤمنون بالله وباليوم الاخروبانبياء الله ورسله وكتبه والعمل الصالح ، وان كتابهم الكنز العظيم هو غرس التوحيد الاول الذي نزلت منه الصحف الاولى على ادم راس السلالة البشرية وذريته والأنبياء من بعده عليهم السلام اجمعين .
فالصابئة المندائيون سواء كانوا في بطائح العراق او ايران او في مدينة حران او فلسطين قديماً كلهم ملة واحدة ودين واحد وتعاليم واحدة وكتاب واحد ، فالصابئة قوم موحدون محبون للسلام والألفة والتعايش مع الجميع ويؤمنون بالأنبياء والرسل الذين بعثهم الله بالحق من بدء الخليقة ، وقد ورد ذكرهم في الإنجيل والقران وكتب التاريخ ولهم أنبيائهم وكتبهم وتراثهم وتاريخهم ، وان خاتم أنبيائنا يحيى بن زكريا غني عن التعريف فقد قال بحقة السيد المسيح كلاماً رائعاً ذكرناه سابقاً ، كذلك قال بحقة الرسول الكريم محمد ( ص) :
( كل ابن أنثى يحاسب يوم القيامة الا يحيى بن زكريا ) لانه لم يرتكب خطيئة في حياته.
لقد ذكرت مدينة حران في مصادر عديدة يمكن الاطلاع عليها ومنها: مادونه المقدسي وابن جبير ودائرة المعارف الإسلامية والمؤرخ احمد سوسة في كتابه
( العرب واليهود قبل الإسلام )، وما ذكره لنا الهمداني ان اَهلها اصحاب علم وادب وحكمة ومتبحرين في علوم الكواكب وأصحاب رصد وقياس ولهم فطنة وذكاء .
ويذكر لنا الطبري ان نبي الله نوح بعد الطوفان قد خطها وخط سورها بنفسهٍ ، وأنها تأتي بالقدم بعد مدينة أور السومرية وربما قبلها . وقد كشفت التنقيبات ان الملك
شلمانصر الثالث احتلها سنة ٨٥٧ قبل الميلاد ، واسكن فيها جالية آشورية ، كذلك احتلها اليونانيون في زمن الإسكندر المقدوني وجعلها مركز للثقافة فكثر فلاسفتها وعلماؤها وأثروا في الفكر الإنساني والديني .
وفِي زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز بعد ان ولى عليها عياض بن غنم الذي فتحها في زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، نقل اليها معاهد الطب من الاسكندرية ،
وجعلها الخليفة مروان الثاني عاصمة له ، ونقل أليها دواوين الدولة وإدارتها وكانت اللهجة المندائية وأختها السريانية هي السائدة قبل ترجمة دواوين الدولة الى اللغة العربية .
كذلك ذكرها عدد من الكتاب المندائيين ومنهم الكاتب حامد سعودي في كتابه ( حقيقة الصابئة المندائيين ) ، والكاتب الدكتور قيس السعدي في كتابه ( ابو إسحاق الصابئ *) ، والدكتور بشير عبدالواحد في كتابه ( الصابئة المندائيون دائرة معلومات موجزة ) ، وقد ركز عدد من المؤرخين على مدينة حران لكونها مدينة تجارة وعلم في زمانها وقد برز عدد كبير من علماء الصابئة في زمن الدولة العباسية وذاع صيتهم في كافة مجلات العلم ، بينما صابئة جنوب العراق وجنوب غرب ايران انغلقوا على أنفسهم واندفعوا في اعماق الأهوار طلباً للامان للحفاظ على أنفسهم ودينهم وكتبهم من اضطهاد الأديان الاخرى الذين تمكنوا من بناء دول وجيوش قوية .
ومن مآثر الصابئةالمندائيين في مدينة حران كثرة علمائها وأدبائها المتميزين والذين خلدهم التاريخ الإنساني ولندرس بإيجاز عائلة ال صابي وعلاقة الصداقة الحميمة بين نقيب الطالبيين الشريف الرضي وأبو إسحاق الصابئي المندائي ، وعلماء ال قرة
الصابئة المندائيون .
آ- ابو إسحاق الصابئي وعلاقة الصداقة الحميمة بينه وبين نقيب الطالبيين الشريف الرضي : يعتبر ابو إسحاق الصابئي اشهر الإعلام الحرانية ، نابغة كتاب جيله ، فقد كان اسلافه يميلون لمهنة الطب وعلم الفلك ولكنه مال الى الأدب ، فتقلد ديوان الرسائل في العصر العباسي وقد وصفه الثعالبي النيسابوري في كتابه يتيمة الدهر :
هو أوحد العراق بالبلاغة ومن به تثنى الخناصر في الكتابة وتتفق الشهادات له ببلوغ الغاية من البراعة والصناعة وتقلد الأعمال الجلائل ، ولقد ذكره ياقوت الحموي في (معجم الأدباء ) حيث قال عنه : هو أوحد الدنيا في انشاء الرسائل و ( الاستمال ) على جهات الفضائل .
اما الشريف الرضي فهو غني عن التعريف في أدبه وشعره ومجلسه ، ويكفيه فخراً وشهرةً انه جمع نهج البلاغة للأمام علي بن ابي طالب ( ع) وسعيه للوصول لمركز الخلافة وتأييد ابو إسحاق الصابئي له تقديراً لمكانته الدينية والأدبية .
ان تربية ابو إسحاق في دار علم فتحت عينيه على العلم والأدب وأجاد فسلب باستخداماته الصحيحة والدقيقة الباب جميع من يتابعون أدبه وعلمه ، ويقرأون رسائله وشعره فيشهدون له بالبراعة والتفوق .
كانت لأبي إسحاق صداقات متميزة ،منها صداقته مع الشاعر المفلق ابو الطيب المتنبي ، وصداقته الحميمة مع نقيب الطالبيين الشريف الرضي رغم فارق السن واختلاف الديانة ،صداقة متينة مبنية على الثقة والصدق والمودة والرعاية والمحبة والإيثار ، صداقة متميزة استمرت حتى بعد وفاة ابي إسحاق رحمه الله ، لقد فقد الشريف الرضي صديقه الحبيب ابا إسحاق بوفاته .
يقول الشريف الرضي فيه : الى الله أشكو دهراً حال دونه وقطع ما بيني وبينه وافردني عنه أفراد الام عن جنينها ، ان فقده أعرى ظهري على كثرة حماتي وانصاري وأوحدني على أقاربي وعشائري وشيعتي .
لقد رثى الشريف الرضي بهذه القصيدة الصداقة الحميمة التي ربطته بابي إسحاق الصابئي ، فكانت مأثرة تغنى بها الكثيرون ، ولا شك ان الجميع يتذكر استهلالها :
أعلمتَ َ من حملوا على الاعوادِ أرأيتَ كيف خبا ضياء النادي
جبلُ هوى لوخرَّ في البحرِ اغتذى من وقعهِ متتابع متتابع الازبادِ
ان الدموع عليك غير بخيلة والقلب بالسلوانِ غير جوادِ
ما كنتُ اعلمُ قَبْلَ اليوم ان الثرى يعلو على الاطوادِ
رحم الله الشريف الرضي وابا إسحاق الصابئي ، أصدقاء اوفياء قدما للشعر والأدب والصداقة الحقة مايجعله إرثاً نفتخر ونتباهى به جميعاً .
ومن جميل مايذكر عن الشريف الرضي عندما يمر في ركبه بالقرب من قبر ابي إسحاق يترجل ومن معه عن خيولهم ويقرأون الفاتحة ،ويسلمون على ابي إسحاق إكراماً واحتراماً ووفاءً للصداقة الحميمة .ويؤكد ذلك بان صابئة حران ومنهم
ابي اسحاق هم نفس الصابئه المذكورين بالقرأن الكريم
فكيف لنقيب الطالبيين ان يرثي شخصا مشركا من عبدة
الكواكب كما يروج البعض.
وفِي جانب اخر كانت هناك عائلة صابئية مندائية اخرى لا تقل براعةً وشهرة عن عائلة ال صابي ، انها عائلة ال قرة وعميدها ثابت بن قرة ، فقد ذكر لنا المؤرخ ابن ابي اصيبعة قائلاً لم يكن في زمان ثابت من يضارعه في علوم الطب والفلسفة والهندسة والفلك وله اكثر من مائة وخمسين كتاب ، لقد كان عالماً رياضياً وفلكياً وفيلسوفاً وطبيباً ومهندساً وموحداً ، ومن وصاياه :
راحة النفس في قلة الآثام
راحة الجسم في قلة الطعام
راحة القلب في قلة الاهتمام
راحة اللسان في قلة الكلام
ومن وصاياه الطبية : ليس على الشيخ أضر من ان يكون له طباخ حاذق وجارية حسناء لانه يستكثر من الطعام فيسقم ، ومن الجماع فيهرم .
رحم الله ثابت فلقد كان مدرسة متنوعة الفنون نقل علمه الى ذريته بكل أمانة ودقة ، وقد رثاه جمهرة من الشعراء والأدباء ومنهم الشاعر المفلق ابي احمد يحيى النديم في قصيدتهِ العصماء ومطلعها :
ألا كل شيء ما خلا الله مائتُ ومن يغترب يرجى ومن ماتَ فائتُ
نعينا العلوم الفلسفيات كلها خبا نورها إذ قيل ماتَ ثابتُ
وعلينا ان لا ننسى علمنا العراقي الفذ من ابناء الصابئة المندائيين الدكتور العالم عبد الجبار عبدالله ( أبا سنان وثابت والهيثم ) مؤسس جامعة بغداد وصاحب نظرية عين الإعصار وبحوثه ومؤلفاته الراقية التي تدرس في جامعات العالم ، وكأن الجواهري الكبير يرثيه ويرثي كل مبدع خدم البشرية بعلمه وعطاءه :
ليت السماءَ الارضَ ليتَ مدارها للعبقري به مكانَ شهبِ
وكأن الشاعر العربي القديم يرثيه بقولهِ :
وما كانَ ابو سنان هلكهُ هلكَ واحداً ولكنهُ بنيان قوم تهدما
رحم الله ال صابي وال قرة وال سام لما قدموه للبشرية والعلم والأدب فخير الناس من نفع الناس .


١٤- هناك من المؤرخين من انصف ومن أجحف ؟ نذكر بعضهم :

اهم المنصفون : ابو حنيفة النعمان ، الخليل بن احمد الفراهيدي ،ابو يوسف القاضي ، ابن هشام الحميري ، سيبويه ، المسعودي، ابن حزم ، ابو فرج الأصفهاني ، الشريف الرضي ، الشهر ستاني ، ياقوت الحموي ،ابن اب اصيبعة ،
القزويني ، النويري ، ابن الوردي، ابن خلدون، الأسيوطي، وغيرهم من الاولين .
اما المستشرقين فهناك عدد كبير من المنصفين منهم : ليدز بارسكي ، نودلكة ، الليدي دراور، بوسيه ،اولبري ،وليم شمث ، رايت ، سفولسون ،البابا بولس الثاني ( يوحنا ) ، براندن ،فراوسهايدة ، بورن باكلي ، سينازي كوندوز ، الموسوعة البريطانية .... ) وهناك الكثير من المؤرخين المعاصرين لامجال لذكرهم في هذا المقال ، وطبيعي هنالك عدد من المجحفين ، يرجى مراجعة كتاب الدكتور بشير
( الصابئة المندائيون بين الانصاف والإجحاف ) .
١٥- أين موقع المجوس يوم القيامة ؟ الله يفصل بينهم يوم القيامة .
١٦- هل الصابئة هم السبئيون ، وهل سبأ من صبأ ؟ : لااعتقد ان هنالك علاقة لهم بذلك .
هذا ماقدرني عليه ربي في الإجابة مستعيناً بدائرة معلوماتي وأرجو أني وفقت قدر قدرتي وطاقتي بالإجابة وخير الناس من نفع الناس مع حبي وتقديري .

الدكتور بشير عبدالواحد يوسف
السويد/ في 17 شباط 2019
::::::::::::::::::::::::::::::::::::

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1411 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع