رئيس الوزراء العراقي يواجه سلسلة من التحديات اقتصادية

                                 

                  أحمد الحاج /معهد واشنطن


رئيس الوزراء العراقي يواجه سلسلة من التحديات اقتصادية

يرى كثيرون أن اختيار عادل عبد المهدي كرئيس وزراء جديد للعراق جاء بسبب خلفيته الاقتصادية. ويثق البرلمانيون في قدرة عبد المهدي على توجيه الحكومة لإجراء إصلاح اقتصادي يسهم في تحسين الخدمات وإعادة الإعمار. ومع ذلك، فهذه المهمة ليست باليسيرة حيث يمثل الملف الاقتصادي إحدَى المعوقات الصعبة التي قد تواجه رئيس الوزراء، حيث يتطلب التغيير الحقيقي قيام رئيس الوزراء باتخاذ عدة إجراءات تتضمن تغيير النظام الاقتصادي أحادي المصدر، وحل أزمة الدين العام، ومعالجة السياسة النقدية الضعيفة، وتقوية النظام المصرفي الهش، وأخيرا مكافحة الفساد المالي. وبالرغم من أن التغلب على تلك العقبات ليس أمرا مستحيلا، إلا أن رئيس الوزراء يجب أن يتحرك بسرعة وبدعم كامل من القوى المحلية والدولية إذا أراد تغيير حقا مسار النظام الاقتصادي العراقي.

أزمة الدين وهروب رأس المال

لعل التحدي الأكثر إلحاحا الذي يواجه العراق هو مسألة الإيرادات الحكومية، فنظرا لان البلاد تعتمد على مداخيل النفط بنسبة كبيرة والتي تصل إلى ٩٣٪؜ من مجمل إيراداتها للموازنة العامة الاتحادية، فهذا بدوره يجعل اقتصاد العراق من حيث الإيراد اقتصادا هشا وغير مستقر في مواجهة المشكلات التي تمر بها المنطقة والتي أدت إلى تذبذب أسعار النفط. فوفقا لتقديرات اللجنة المالية في البرلمان الاتحادي، فان الإيرادات النفطية التي تذكر دائما على شكل أرقام مبالغ فيها في مشروع قانون الموازنة ما هي إلا مجرد تخمينات قلما تحصل الحكومة على تلك الإيرادات. علاوة على ذلك، تُظهر النسخة غير الرسمية للموازنة العامة لعام 2019 أن الإيرادات غير النفطية سوف تنخفض بنسبة 10 مليارات دولار وذلك مقارنة بإيرادات عام 2018 التي بلغت 12 مليار دولار.

إن فهم الإيرادات المتاحة للعراق يمثل أمر حيوي خاصة في ظل أزمة الديون العامة الهائلة التي تعاني منها البلاد. ويذكر أن عبد المهدي ترأس وفد العراق للاجتماع بدول نادي باريس لإطفاء ديون العراق والتي تناهز 39 مليار دولار حيث استطاع إقناع الدول الأعضاء في نادي باريس بشطب ٨٠٪؜ من ديون العراق. وبالفعل انخفض الدين العراقي ليصبح ٧.٨ مليار دولار. ومع ذلك، عاد العراق إلى سابق عهدها من حيث تراكم الديون العامة عليه نتيجة السياسات الاقتصادية الفاشلة وتدهور أسعار النفط واستنزاف إيرادات العراق من خلال الحرب المفروضة عليه من قبل تنظيم "داعش".

واليوم، يقدر إجمالي الدين العام للعراق بـ 124 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه عندما وصل عبد المهدي إلى نادي باريس قبل حوالي خمسة عشر عاماً. وقد قدر مجمل الديون العامة في العراق حاليا بحوالي ١٢٤ مليار دولار. ووفقا للنسخة غير الرسمية لمشروع قانون الموازنة لهذا العام ٢٠١٩ يجب على العراق أن يدفع حوالي (٣) مليارات دولار فقد للفوائد عن القروض المترتبة ومبلغ (٩) مليارات دولار عن أقساط القروض. ومن ثم، سيلتزم العراق هذا العام بدفع إجمالي مبلغ (12) مليار دولار. ومن المتوقع أن تثقل تلك الديون كاهل الاقتصاد العراقي والموازنة العامة وهي نفقات واجبة الدفع وهو ما يضع رئيس الوزراء أمام امتحان صعب للتفاوض بشأن جدولتها أو دفعها، خاصة بالنظر إلى الاحتياطيات النقدية المحدودة للعراق.

وصل الاحتياطي النقدي للعراق في أواخر ٢٠١٤ إلى (٨٠) مليار دولار لكن انهيار أسعار النفط وازدياد نفقات الدولة أدى إلى استنزاف هذه الاحتياطيات إلى أقل من نصف أرقام عام 2014. كما أدى اقتراض الحكومة الغير مباشر من البنك المركزي عن طريق شراء الأوراق المالية الحكومية من قبل البنك المركزي حسب المادة (٢٦) من قانون البنك المركزي الاتحادي، إلى تفاقم أزمة الاحتياطي النقدي. وقد أعلن البنك المركزي خلال الشهر الماضي أن احتياطيات العراق من العملات الأجنبية بلغت 60 مليار دولار.

ومن ناحية أخرى، أصبحت عمليات بيع العملة الأجنبية من خلال البنك المركزي- والتي يسعى من خلالها إلى الاحتفاظ بسعر صرف ثابت - محل تشكيك الاقتصاديين الذين يرون أن نافذة بيع العملة الأجنبية تعتبر باب من أبواب الفساد المالي وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج. جدير بالذكر وحسب الأرقام التي قدمها رئيس اللجنة المالية النيابية الدكتور احمد الجلبي في أواخر عام 2017 بان هناك مبلغ ٣١٢ مليار دولار قد خرجت من العراق من خلال الأعوام ٢٠٠٥ إلى نهاية ٢٠١٤. ومن ثم، فان تغير سياسة سعر الصرف والتوجه نحو تعويم العملة أو سعر الصرف المر تمثل أحد المعوقات أمام خطط رئيس الوزراء التي تتصادم مع طموحات الحيتان الكبيرة للفساد.

أزمة نقص السيولة

ومن الصعوبة بمكان تحويل الاحتياطيات التي تبقى داخل العراق إلى سوق رأس المال، حيث يعاني العراق من نظام بنكي هش يعتبر الأسواء على مستوى العالم فلا يثق اغلب المواطنون في البنوك ولا يتعاملون معها، ولا يتعدى عدد الذين يمتلكون حسابات بنكية بضعة الأف. وبطبيعة الحال لا يوفر النظام البنكي بيئة جيدة للمستثمرين، وهو ما أدى إلى استمرار عجز البنوك عن المساهمة في الحياة الاقتصادية ومشروعات التنمية. وحتى عندما تتوافر القروض يضطر المستثمرين في اغلب الأحيان إلى دفع عمولات للحصول عليها.

حتى أن البورصة في العراق لم تستطع أن تقوم بمهامها الأساسية في بيع وشراء سندات واسهم الشركات إلا نادرا. كما أن معظم المواطنين لا يثقون إلا بالنقود الورقية ولا يستخدمون النقود الإلكترونية إلا في نطاق ضيق. وقد أدى ذلك إلى استمرار البنك المركزي في طباعة النقود الورقية حتى أصبح حجم الكتلة النقدية أكثر من (٦٠) ترليون دينار عراقي والمتداول منها حوالي (٣٩) ترليون أي المخزونة منها في قاصات البنك المركزي حوالي (٢١) ترليون. كما أن نصف المتداول من تلك النقود موجود على شكل مخزونات احتياطية في البيوت والقاصات، هذا يعني أن أكثر من نصف النقود الورقية معطلة من النشاط الاقتصادي.

أدت السياسات النقدية الخاطئة في العراق إلى تراجع العملة العراقية من حيث القوة الشرائية. ونتيجة لذلك، التزم البنك المركزي بالحفاظ على قيمة العملة لتحقيق الاستقرار النقدي عن طريق بيع الدولار في السوق واستنزاف احتياطيات البنك من العملات الأجنبية. ولكي يتلافى بعض التجار الخسائر التي قد يتكبدونها نتيجة تغير سعر الصرف، صاروا يتعاملون بالعملات الصعبة بدلا من العملة المحلية لبعض السلع في عمليتي البيع والشراء. لذلك، فان السياسة النقدية الضعيفة وعدم الاستقرار النقدي يمثل أحد عوامل اهتزاز الاقتصاد العراقي، ومن ثم ينبغي على رئيس الوزراء العمل على إصلاح النظام البنكي بشكل يساهم في تحفيز الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي.

قائمة الخيارات

من خلال ما ذكرناه فان رئيس الوزراء يواجه اختبارًا صعبًا إذا ما أراد تنفيذ الإصلاح الاقتصادي بفاعلية داخل العراق. لذلك، هناك العديد من الإجراءات الأولية التي يمكن أن يتخذها رئيس الوزراء للخروج من عنق الزجاجة، منها البدئ في إجراء إصلاحات جذرية في مجال السياسات المالية والنقدية والائتمانية بمشاركة ودعم مجلس النواب. ولكسب ثقة المواطن في النظام الاقتصادي وتحفيزه على الانخراط في مستقبل العراق الاقتصادي، يجب أن تقترن تلك التغييرات الداخلية بالدفاع عن الإصلاح الاجتماعي، وأن يتم التوازن بين الحقوق والواجبات وان لا يحرم أي عراقي بسبب دين أو مذهب أو قومية أو عرق أو جنس.

أن أي خطة للإصلاح مهما كان حجمها بحب أن تعمل على معالجة ظاهرة الفساد المالي ، فبحسب التقارير الدولية ، حل العراق في عام 2017 في المركز 169 بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد. وقد أبرمت الحكومة العديد من العقود الخاصة بتصدير النفط والبنية التحتية، أدت إلى إهدار مليارات الدولات على مشروعات باتت عقودها محل تشكيك من قبل الخبراء. وفى هذا الصدد، يقول النائب رحيم الدراجي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان، إن هناك أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي، وتسلمت شركات وهمية نسبة تتراوح بين 30 إلى 60 بالمئة من الأموال استنادا إلى هذه العقود. كما يؤكد أن حجم الأموال التي أهدرت في عقود البنية التحتية التي كانت اغلبها على الورق فقط بلغت 228 مليار دولار. ومن ثم، أدى حجم الفساد الإداري الهائل الذي تعاني منه العراق إلى نقص الخدمات العامة وتدهور البنية التحتية وتدهور التنمية الصناعية والزراعية. كما أدى إلى تآكل الثقة بين جمهور العراقيين بشكل واضح، ومن ثم فأن أية إصلاحات حقيقية يجب أن تعمل على تفكيك ظاهرة الفساد.

كما يجب على رئيس الوزراء أن يضع القوى السياسية الفاعلة أمام تحديات المرحلة ويحملهم مسؤولياتهم التاريخية. وعلى العراق أيضا أن يلتزم بتوصيات مجموعة العمل الدولي وان يعمل على تحسين قوانين غسيل الأموال حتى تتوافق مع المعايير الدولية لمحاربة تهريب وغسيل الأموال. كما ينبغي أيضا أن تعمل الحكومة العراقية على التعاون بشكل كامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باعتبارهما منظمتين دوليتين يهتمان بالشؤن النقدية والمالية وطالما وقفا مع العراق في الشدائد حيث لعبت تلك المؤسسات دورا مشرف في شطب ديون نادي باريس وغيرها في عام ٢٠٠٤.

وأخيرا، يجب على الحكومة العراقية الجديدة الالتزام بمعايير الشفافية الدولية والسماح للمنظمات الدولية الرقابية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام بالمشاركة في مكافحة ظاهرة الفساد. وربما تؤدى تلك التدابير إلى زيادة الثقة بين الشعب والحكومة خاصة إذا تم إشراك الجهات غير الحكومية في عملية الإصلاح الاقتصادي. كما يجب على رئيس الوزراء أن يضع القوى السياسية الفاعلة أمام تحديات المرحلة ويحملهم مسؤولياتهم التاريخية خاصة أن فرصة الإصلاح هذه ربما تكون الأخيرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع