شؤون عراقية معاصرة

                                          

                    لهب عطا عبد الوهاب

شؤون عراقية معاصرة

أولاً ـ قضايا مخفية في حركة مايس 1941:

من الأمور التي لم يسلط عليها الضوء كثيرًا والتي يمكنها أن تقدم تفسيرًا للقسوة الشديدة التي تعامل فيها الوصي عبد الإله مع القادة الانقلابيين وهم كل من:صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان (المربع الذهبي) إضافة إلى القيادي المدني «يونس السبعاوي»، ما يلي:
* سوء معاملة الملكة عالية من لدن العقداء الأربعة ما أثار حفيظة الأمير عبد الإله الذي كان يكن لشقيقته الملكة مودة خاصة. في حين ينفي الانقلابيون ذلك بشدة، إذ إنهم قاموا بنقل العائلة المالكة بما فيها الملك الصغير إلى شمالي العراق حرصًا منهم ألا تصاب بأذى خلافًا لزعم الأمير، إذ لم يبدر منهم على الإطلاق ما يشي بمعاملة العائلة المالكة بنحو غير لائق.
* الإقالة من منصبه: خلع البرلمان العراقي، مجلس الأمة، في نيسان أبريل 1941 الأمير عبد الإله من منصبه وعين خلفًا له الشريف شرف وصيًا على العرش. والشريف شرف هو والد عبد الحميد شرف رئيس الوزراء الأردني السابق (1979-1980) والذي وافته المنية وهو في ريعان شبابه، إذ لم يتجاوز الأربعين عامًا عند وفاته المفاجئة إثر نوبة قلبية ألمت به في أثناء نومه.
بيد أن ذلك لا يبرر على الإطلاق هذه الإجراءات التعسفية (Draconian Measures) إذ كان حريا بالأمير تخفيض أحكام الإعدام إلى السجن المؤبد، ومن ثم إطلاق سراحهم لاحقًا – كما فعل مع موسى الشابندر على سبيل المثال – ليتم كسبهم إلى جانب النظام.
وكان العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال يجيد هذه «المناورات»، إذ كان يجنح للتسامح والعفو عند المقدرة في أسوأ الظروف قتامة، كما تجلى في المحاولة الانقلابية لـ علي أبو نوار ورهطه، إذ بعد أن حكم عليهم بالإعدام سرعان ما تم تخفيض هذه الأحكام ومن ثم العفو عنهم وقد عين بعضهم وزراء أو سفراء في الخارج، لينقلبوا من معارضين إلى أشد المدافعين عن العرش الهاشمي.
أين الثرى من الثريا؟!
ثانيًا ـ مجزرة قصر الرحاب:
كتب الكثير عن مجزرة قصر الرحاب والتي راح ضحيتها العائلة المالكة بأكملها – مع نجاة الأميرة هيام زوجة الأمير عبد الإله بأعجوبة – إذ توجه أصابع الاتهام إلى الجاني الرائد /عبد الستار سبع العبوسي الذي أطلق النيران على العائلة المالكة بنحو عشوائي خلافًا للتوجه العام للضباط الأحرار، إذ كانت الأغلبية مع إعدام الوصي والباشا من دون المساس بالملك «الطفل» من خلال تقديمه لمحكمة تقام لهذا الغرض.
كنت قد سمعت من المرحوم حسين جميل مباشرة في إحدى زياراته للوالد في دارنا في المنصور – وهي كثيرة- رأي كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني الديمقراطي في ذلك. ويضيف حسين جميل إنه كان شاهدًا للقاء جمع الجادرجي برشيد مطلك، الصديق الشخصي للزعيم عبد الكريم قاسم وحلقة الوصل بين الضباط الأحرار والأحزاب السياسية المنضوية تحت ما يعرف بـ «الجبهة التقدمية الوطنية»، والتي ضمت أحزابًا تتطلع لقلب نظام الحكم بالتنسيق مع الضباط الأحرار، ومنها حزب الاستقلال بزعامة (محمد مهدي كبه) وحزب البعث بزعامة (فؤاد الركابي)…إلخ. إذ سأل الجادرجي المطلك بكونه على دراية واطلاع واسع بأحوال الأسواق في بغداد: كم يا ترى هو عدد رؤوس البقر التي يتم نحرها يوميًا في العاصمة؟ أجابه المطلك: 10 آلاف رأس، بيك. وهنا كشر الجادرجي عن أنيابه مضيفًا بخبث: لتكن في ذلك اليوم عندما تأزف الآزفة 10 آلاف رأس وثلاثة كناية عن «الثلاثة الكبار» الملك والوصي ونوري باشا السعيد. ونستشف من ذلك أن تصفية العائلة المالكة كان مدبرًا لها في ليل خلافًا لما يشاع بأن الرائد العبوسي تصرف بمفرده.
ثالثًا ـ انجازات النظام الملكي: برغم ما قيل عن سلبيات ومثالب النظام الملكي فهو لم يخل من انجازات يشهد فيها على ذلك القاصي والداني، لعل من أهمها هو:
* التوصل إلى اتفاقية مناصفة الأرباح عام 1952 مع الشركات النفطية الاحتكارية على خلفية محاولة تأميم النفط الفاشلة في إيران إثر ما يعرف بثورة «مصدق»، والتي انبثق على إثرها مجلس الإعمار حيث كانت تودع فيه 70% من عائدات النفط مباشرة. ويقال إن مسودة قانون رقم 80 كانت جاهزة للتوقيع قبل انهيار النظام أي قبل الانجاز الذي ينسب إلى محمد حديد.
* نظام البعثات الدراسية للخارج، والذي اعتمد إلى حد كبير على المؤهلات العلمية للمتقدم بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو انتمائه الديني أو الطائفي أو العرقي. وقد شهد العراق الملكي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ثورة ثقافية تجلت في التطور الملموس في الفنون الجميلة في جميع أشكالها (جواد سليم – فائق حسن …إلخ). ناهيك عن بزوغ العديد من العلماء والمهندسين والاقتصاديين.
إلا أن أحد الأسباب التي اسهمت في انهيار النظام الملكي صبيحة يوم الرابع عشر من تموز 1958 هو التفاوت الكبير في الدخول وغياب التوزيع العادل للثروة، مع سيطرة الملاك الكبار على أكثر من 90% من الأراضي (وهو ما يشير إليه بإسهاب كتاب حنا بطاطو عن التطورات الاجتماعية في العراق الجزء الأول).وما زلت أذكر بيوت الطين (الصرائف) التي كانت تحيط دار سكني بمدينة المنصور.
رابعًا ـ تداعيات الغزو الأميركي عام 2003: إن ما يؤخذ عليه الأميركان في احتلالهم للعراق إضافة إلى قلة الحيلة والتدبر بعد السقوط المدوي لنظام البعث عدم التهيؤ لما يجب عمله في اليوم التالي The Day After، ناهيك عن قرارات بول بريمر الارتجالية من حل الجيش واجتثاث البعث (دافع بريمر عن ذلك في حلقات متلفزة بثتها قناة العربية من أن إجراءاته لم تكن تشمل سوى 1% من القيادات البعثية وأنه ترك أمر التنفيذ للقوى الشيعية والكردية التي تمادت في غيها).
بيد أن الخطيئة الكبرى والتي جرت البلاد إلى ما نحن فيه يجسدها قرار مجلس الأمن المرقم 1483 الذي وضع العراق بقرار أممي تحت الاحتلال المباشر الذي دام حتى حزيران 2004 مع صدور قراري مجلس الأمن 1500-1501 اللذين تم بمقتضاهما حل سلطة الائتلاف المؤقت (CPA) ومجلس الحكم. وقد وفر الوجود الأميركي الذريعة للقوى المعارضة للعراق الجديد لمقاومة الاحتلال وما رافقه من عنف دموي قاد العراق إلى أتون حرب أهلية إلى آخر القصة المعروفة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

906 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع