القلاقل السياسية في إيران قد تدفع الأسعار إلى عتبة ١٥٠ دولارا للبرميل

                                                                   

                  لهب عطا عبدالوهاب*

القلاقل السياسية في إيران قد تدفع الأسعار إلى عتبة ١٥٠ دولارا للبرميل

بعد أن وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها لتغلق عند 79 دولاراً للبرميل في تموز (يوليو) الماضي، أخذت الأسعار في التراجع بعد أن فقدت 9 % من قيمتها على خلفية الزيادة في الإمدادات، وعودة النفط الليبي إلى الأسواق وزيادة الإنتاج في المملكة العربية السعودية.

بيد أن الأسعار سرعان ما أخذت في الارتفاع مرة أخرى لتتضافر أسباب عديدة في مقدمتها العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
إيران والعقوبات الاقتصادية
إن المواجهة العسكرية مع إيران قد ترفع الأسعار إلى عتبة 150 دولاراً للبرميل، لا سيما وأن الإدارة الأميركية الحالية لا تثق بالنوايا الإيرانية. وقد وصلت الصادرات الإيرانية في شهر تموز (يوليو) الماضي إلى 2.7 مليون برميل يومياً، بعد أن وصل إنتاجها إلى 3.8 ملايين برميل يومياً. وكانت إيران تتطلع إلى زيادة صادراتها إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2021، الأمر الذي لن يتحقق في ظل العقوبات الاقتصادية.
بيد أن خسارة 2.7 مليون برميل يومياً سيؤدي بدون أدنى شك إلى زيادة في أسعار النفط.
إن إدارة ترامب الحالية عاقدة العزم على حرمان إيران من صادراتها لا سيما بعد انسحابها من الاتفاق النووي (5+1) المبرم مع إيران العام 2015 وتتطلع الإدارة الأميركية الجديدة إلى حث حلفائها الغربيين لوقف وارداتها النفطية الإيرانية بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل حين تدخل العقوبات الاقتصادية حيز التنفيذ على نطاق واسع، ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران ومع عودة الحظر الشامل لصادرات إيران سنعود مرة أخرى إلى حالة مشابهة لما كان سائدا في العام 2008. في تلك السنة هددت إيران بغلق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، ما أفضى إلى ارتفاع سعر النفط إلى أرقام قياسية وصلت إلى 160 دولاراً للبرميل خلال أشهر معدودة.
إيران ومضيق هرمز
تمتلك إيران ورقة ضغط رابحة تتجلى بسيطرتها شبه المطلقة على مضيق هرمز، وهو مضيق مائي ضيق يقع بين إيران وسلطنة عمان ويعد المنفذ الوحيد للسفن والناقلات إلى المحيط الأوسع. هذا وأن 90 % من الصادرات النفطية الخليجية (الكويت، دولة قطر، السعودية، الإمارات)، بالإضافة إلى إيران تمخر سفنها وناقلاتها عباب هذا المضيق وصولاً إلى الأسواق العالمية. كما يعد المضيق المنفذ الوحيد لصادرات قطر من الغاز البترولي المسال (LNG) الأكبر في العالم.
وتدرك إيران أهمية مضيق هرمز في تجارة النفط العالمية. وتبلغ الطاقة الاستيعابية اليومية للمضيق 14 ناقلة عملاقة أو ما يعادل 17 مليون برميل يوميا مع طاقة إسمية تصل إلى 18.5 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل نصف الصادرات النفطية العالمية اليومية. ومع الأخذ في الاعتبار كمية النفط والسوائل المنقولة بحرا فإن 30 % من الناقلات العالمية موجودة هنا ما يجعل من المضيق إحدى أهم نقاط الترانزيت المزدحمة في العالم.
التاريخ يعيد نفسه
ما نشهده اليوم في السوق النفطية هو تكرار الصورة المشابهة العام 2008. وفي تلك الفترة كان الاقتصاد العالمي يشهد انتعاشا كما كان هناك رئيس أميركي جمهوري على دفة السلطة (الرئيس جورج بوش الابن) والذي كان يتمتع بعلاقة حميمة مع السعودية. بيد أن توتر العلاقة مع إيران أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط لتتجاوز عتبة الـ100 دولار للبرميل لأشهر عديدة. كما شهد العام 2008 ما يعرف بـ"الفقاعة المالية" التي أفضت إلى إفلاس العديد من البنوك التجارية نتيجة الزيادة في كلف العمليات نظراً للارتفاع القياسي في أسعار النفط.
وما نشهده اليوم من تطورات يتجاوز الحد من القدرة النووية الإيرانية؛ إذ يعمل الرئيس ترامب جاهداً على إحداث تغيير في النظام القائم في إيران منذ العام 1979. وإذا ما حدثت ثورة في إيران فإن أسعار النفط مدفوعة بالمضاربات ستشهد ارتفاعات كبيرة غير مسبوقة.
هذا وتعد الصين المستورد الأكبر للنفط الإيراني، كما تعد إيران ثالث أكبر مورد للنفط للهند. والدولتان الآسيويتان هما بأمس الحاجة للنفط الإيراني. كما أن تركيا التي لديها حدود مشتركة مع إيران عبرت عن نواياها في الاستمرار على استيرادها من النفط الإيراني.
إن الوصول للصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر، وفقاً للرئيس ترامب، لن يتحقق على الإطلاق. وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فإن العقوبات الواسعة بما فيها حظر تصدير النفط الإيراني ستدخل حيز التنفيذ. ومن الناحية النظرية ففي اللحظة التي تغلق فيها إيران مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، فإن البحرية الأميركية، بالإضافة إلى السعودية والإمارات ستتدخل لفتح المضيق، وسيفضي ذلك إلى نشوب صراع عسكري ومواجهة لا تحمد عقباها. وفي سيناريو آخر فإن أي تدخل عسكري قرب المضيق إن كان عفوياً أو مقصوداً ستكون لها تداعيات كبيرة وستأخذ بالأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
من المستفيد من أسعار النفط فوق 150 دولاراً للبرميل
إن الارتفاع في الأسعار نتيجة للعوامل الجيوسياسية الوارد ذكرها ستصب بالمقام الأول لصالح روسيا الاتحادية والسعودية وهما أكبر دولتين مصدرتين للنفط، وقد ألمحت السعودية عن نيتها زيادة الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً إذا ما دعت الضرورة ذلك. ولدى السعودية طاقة فائضة تصل إلى مليوني برميل يومياً.
كما أن النفط الصخري في الولايات المتحدة (Shale Oil) سيشهد زيادة مطردة، لاسيما وأن الإنتاج الصخري باستخدام تقنية التكسير الأفقي ثلاثي الأبعاد ستصبح مجدية اقتصاديا عند حدود 60 دولاراً للبرميل.
وستستفيد كذلك الطاقة المتجددة لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من الارتفاع في الأسعار؛ إذ يمكنها عند الأسعار المرتفعة تغطية التكاليف وتحقيق هامش ربحي مقبول.
وبانتظار سريان العقوبات الاقتصادية الكاسحة والقاسية ضد إيران بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل سيحبس الجميع انفاسه انتظارا لما ستؤول إليه الأمور.

*اقتصادي عراقي

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1134 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع