الدلالات القانونية والسياسية لحكم الاعدام الصادر ضد طارق الهاشمي

                                           

كما كان متوقعاً، فقد أصدرت محكمة الجنايات المركزية قرارها بالحكم على نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي بالإعدام غيابياً لعدم حضوره جلسات التحقيق والمحاكمة. ومن المعلوم ان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي الحالي يجيز محاكمة المتهم غيابياً عند عدم حضوره جلسات المرافعة رغم التبليغ، واصدار القرار ضده غيابياً، على أن القانون عَدَّ القرار الصادر غير قطعي وغير بات وإنما يكون خاضعاً للالغاء بمجرد حضور المحكوم عليه غيابياً أمام القضاء او القبض عليه، حيث يتم إعتبار قرار الحكم الصادر غيابيا لاغيا وتعاد المحاكمة من جديد.

التهم الموجهة للسيد الهاشمي وحماياته تتعلق بارتكاب افعال ارهابية تنطبق واحكام قانون مكافحة الارهاب، تهم وصلت الى المئات، اثارت ومازالت تثير الشبهات في عددها وفي انتقائها وفي توقيتها وفي دوافع اثارتها، بعد ثلاث او اربع سنوات من تاريخ حصولها، رغم قول السيد رئيس الوزراء بانه (كان يعلم بها ويحتفظ بملفاتها!)، مما يؤكد الغرض السياسي في الامر والرغبة في التصفية والتسقيط كما قال الهاشمي في مؤتمره الصحفي مؤخرا من انقرة.
وقد شهد العالم كله كيف ان التهم التي وجهتها المحكمة الجنائية ضد السيد نائب رئيس الجمهورية بصفته الشخصية، متجاوزة صفته الرسمية، متناسية انه مازال يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، ومن دون الحصول على اذن مرجعه (اي السيد رئيس الجمهورية) حاله حال اي موظف لايجوز احالته للمحاكمة الا باذن من مرجعه الرسمي. وقد أكد ذلك السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية من خلال بيان الاسف والتنديد الذي اصدره تعليقا وتعقيبا على قرار المحكمة الجنائية المركزية العراقية ضد نائبه السيد طارق الهاشمي.
كما ان كثيرين استغربوا من ضخامة الحشد الاعلامي الطائفي المسيس بعد صدور الحكم، الذي افتقد الصبغة القضائية الحيادية وكان مسيسا كما اسماه رئيس الجمهورية، والاغرب هو تضليل الجمهور من خلال وسائل الاعلام الطائفي المُسيَّرة ومن خلال تصريحات بعض المسؤولين بان التفجيرات الاجرامية التي اوقعت اعدادا من الشهداء والجرحى في عدد من محافظات العراق باليوم التالي لصدور الحكم الغيابي بحق الهاشمي واتهامه بانه هو المسؤول عن جميع هذه التفجيرات(!!!)، رغم ان تنظيم القاعدة اعلن مسؤوليته عن جميع تلك الحوادث الاجرامية، ويعلم الجميع أن القاعدة تجرّم وتكفـّر طارق الهاشمي وتعتبره مرتداً عن الاسلام لدخوله العملية السياسية!!!... فكيف يمكننا قبول هذه الادعاءات الفارغة (ومنها مثلا  تصريحات محافظ الناصرية في مؤتمر صحفي بحضور السفير الفرنسي! حيث ادعى المحافظ بانه تم القبض على اشخاص متهمين بانهم وراء التفجيرات الاخيرة في الناصرية وتبين انهم ينتمون لجبهة تجديد التي يراسها السيد طارق الهاشمي)!!... ولا نعتقد ان الحشد الطائفي الذي نظمته اجهزة الاعلام الحكومي والطائفي، كان عفوياً بل منسقاً ومقصوداً ومتزامنا مع الحوادث الاجرامية المشبوهة، من اجل زيادة التاليب الشعبي والتسقيط السياسي للسيد طارق الهاشمي وهو امر لايحتاج الى كثير عناء لفهم دوافعه. وان اتهام الهاشمي بانه يقف وراء حملة التفجيرات التي وقعت يوم الاثنين اتهام ساذج لايمكن تصديقه، ويكشف عن بؤس من يستخدمون هذا الاسلوب المفضوح متناسين ان تنظيم القاعدة صار العوبة بيد ايران وان ايران باتت صاحبة القرار في اجرام القاعدة وبخاصة في العراق، كما ان ايران هي عنصر فاعل في الشان الداخلي العراقي بما فيه الشان الامني والقضائي.
السيد جلال الطالباني اكد في بيانه الصحفي ان توقيت اصدار قرار الحكم بهذه الطريقة لايخدم مسيرة المصالحة الوطنية ويدق اسفينا يمنع قيام المصالحة ويخرب كل الجهود المبذولة لتقريب وجهاتن النظر وتوحيد الصف الوطني في مواجهة التحديات التي يواجهها العراق والمنطقة اليوم.
إن إصدار قرار الحكم من محكمة الجنايات المركزية بهذه الطريقة الفوضوية التي تم بها، وحشد الاعلام الحكومي والموالي له، وتجنيد اعداد من المعلقين والمعقبين والمتحدثين في الاعلام الحكومي والمساند للحكومة ليدلوا بدلوهم في اشعال الحريق الطائفي، الذي ابتدا بالممارسات اللاقانونية في قضية فبركة التهم الجزافية الخطيرة ضد نائب رئيس الجمهورية بتوجيه من السلطة التنفيذية، وتسخير القضاء بشكل سافر ومخالف للدستور، لخدمة الاغراض السياسية بعيدا عن الحق والعدالة، وإهانة للتاريخ المشرف للقضاء العراقي المشهود له، كل هذه الامور لاتخدم امن العراق ولا تنفع في تعضيد جهود المصالحة، بل هي تؤسس لفتن طائفية وليس فتنة واحدة لايعلم الا الله مداها وخطرها.    
قضية الاتهامات الممثارة ضد طارق الهاشمي وحماياته التي ابتدأت بالاعترافات التلفزيونية المخالفة لقواعد واصول التحقيق القضائي، وتعد تدخلا سافرا في العمل القضائي المهني الصحيح، واظهار متهمين يدلون باعترافات يشك انها اخذت تحت التعذيب، دون ان تسمح الحكومة ولا السلطات القضائية لاحد من المنظمات المعنية بحقوق الانسان ومناهضة التعذيب من مقابلة المتهمين والتحقق من عدم وقوعهم تحت ضغط وممارسات التعذيب لانتزاع الاعترافات، كل هذه الامور تؤكد بما لايقبل الشك بما قاله السيد رئيس الجمهورية في بيانه الصحفي من ان القضية اخذت ابعادا سياسية بعيدا عن المنحى القانوني والقضائي.
ومن العجيب والغريب ان يظهر في الاعلام الحكومي من يطلق عليه انه خبير قانوني وهو يقول ان عقوبة المحكمة الجنائية بالاعدام غيابيا ضد طارق الهاشمي يلحقها عقوبات تبعية منها تجريده من مناصبه، وهو امر لايستقيم مع القانون، فالقانون لا يجيز محاكمة الموظف الا باذن من رئيسه المباشر وهو هنا في هذه الحالة رئيس الجمهورية الذي اظهر امتعاضه من صدور الحكم السياسي وليس القضائي. كما ان الحكم مازال غير قطعي وغير بات ويحتاج الانتظار لحين إعادة المحاكمة لكي يعتبر قرار الحكم ملغيا وتعاد المحاكمة من جديد، وبالتالي فان ادعاء الخبير الجهبذ بان طارق الهاشمي يعتبر بحكم القضاء متجردا من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية أمر تخريفي ليس له مكان من الاعتبار في القانون، فضلا عن ان امتعاض السيد رئيس الجمهورية من صدور الحكم بحق نائبه المرتبط به وظيفيا يعد توكيدا لعدم قانونية المحاكمة والحكم الصادر عنها لان طارق الهاشمي يشغل منصب رئيس الجمهورية ولا تجوز احالته للمحاكمة الا باذن من رئيسه.
اما التصريحات الهجومية الاستفزازية التي صدرت في اعلام الحكومة، ضد تركيا رئيسا وحكومة وهي الحملة التي تبنتها اجهزة اعلام الحكومة والاعلام الطائفي المشحون ابتداء ضد الهاشمي لاسباب معلومة لا تخفى على أحد، فانها لا تخدم مصلحة العراق، وتتغافل عن حقيقة ان التسليم هو شان وطني سيادي ولايحق لاي بلد ان يفرض ارادته وسلطته ورغباته المشبوهة على بلد آخر ذي سيادة، فاوامر القبض سواء الوطنية او التي تعمم عن طريق الانتربول بناء على طلب السلطات الحكومية في دولة ما لايمكن ان تفرض على دولة اخرى ذات سيادة، فالاصل ان التسليم لايكون الا بين دولة تحكمها اتفاقيات ثنائية موقعة تخص التعاون القضائي وتسليم المطلوبين، وحتى وان كانت على سبيل الافتراض هناك اتفاقية للتسليم بين العراق وتركيا فان قرار التسليم يبقى قرارا وطنيا سياديا لا الزام على الدولة ان تنفذه الا بموافقة سلطاتها الدستورية والقضائية وبكامل ارادتها، وليس هناك من مناسبة للشكوى ضد دولة تمتنع عن تسليم شخص مقيم على اقليمها الى دولة اخرى طالبة. ويبدو ان مشكلة اليوم في العراق كثرة الناعقين وادعياء القانون والخبرة والتحليل السياسي لكل من هب ودبّ بشكل مضحك ومخجل.
بات العالم كله يعرف اليوم ان استهداف طارق الهاشمي لم يكن بسبب منصبه ولا بسبب رئاسته كتلة "تجديد" ضمن القائمة العراقية فحسب، بل هو استهداف سياسي وطائفي معلوم النوايا والاتجاهات، فالهاشمي كثيراً ما أغضب ايران وصرح بوضوح مستنكرا تدخلاتها في الشان الداخلي العراقي، كما انه كان وراء كشف فضائع الاعتقال التعسفي والتعذيب في المعتقلات العلنية والسرية، فمن الطبيعي ان يكون موضع الاستهداف بقصد التصفية والتسقيط السياسي، ولكي يتم ايصال رسالة معينة له والى كافة من يمكن ان يسلكوا سلوكه بأن هذا المصير ينتظر كل من يخرج عن الخطوط الحمراء التي رسمتها ايران واعوانها.
إن تمثيلية التهم التي تم تأليفها بإخراج ساذج ضد السيد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي لاتخدم قضية أمن العراق ولا مستقبله السياسي ولا الحوار الوطني، بل تعمق من الشروخ في العلاقة بين طوائف العراق بسبب السياسات اللامنطقية واللامعقولة التي التي يتبناها البعض متناسين مصلحة العراق ومغلبين أجنداتهم الخارجية على مصلحة الوطن. لا حل لمشكلات العراق الامنية والسياسية وغيرها الا بتصافي القلوب وتنقية العقول والنظر بمنظار مصلحة الوطن، أما فبركة وتلفيق التهم الجزافية فإنه يزيد من الشحن الطائفي ويعمق جراح الوطن ويمهد لفتنة طائفية جديدة لايعلم مدى خطورتها الا الله!

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع