من حقيبة الزمن ..الاعدادية المركزيه .. مصنع الرجال

                                    

مما لاشك فيه أن القائمين على الامور في بداية تأسيس الدولة العراقيه كانوا على مستوى من الوعي والادراك لاءهمية المسؤلية الملقاة على أكتافهم ..

  

لذلك كانت (الاعدادية المركزيه ) مدرسة للمتميزين من خريجي الدراسة المتوسطه , اذ أقتصر القبول للدراسة فيها على مدارس معينه أو لمن يتوسم فيه أحد اساتذتها خيرا فيسهل له أمر ولوج أبوابها وصفوفها والانتظام فيها .. وقد تخرج فيها جمهرة من رجالات العراق من الذين عملوافي مختلف مناحي الحياة فكان منهم روؤساء وزارات ووزراء وسفراء وقضاة وقادة من خيرة ضباط القوات المسلحة العراقيه فكانت بحق مصنعا للرجال  , وهكذا كان الحال معي , فقد كان الفضل في قبولي للدراسة فيها يعود للمرحوم الاستاذ ( عزت محمد جان) مدرس اللغة العربيه في الاعدادية المذكورة , وفي هذه الكلمات وكما وعدت سابقا أدون ما أحتفظت به الذاكرة التي ولله الفضل مازالت تحتفظ بخزين من الذكريات , أرى من الواجب علينا أطلاع الاجيال التي تلتنا من ابناء وطننا الحبيب على ما مررنا به من تجارب وما أكتنف ايامنا تلك من صلات وعلاقات لم تشبها الشوائب ولم تكدر صفوها النوائب التي نمر بها , ولا أشك أن الاخ الاستاذ سرور ميرزا محمود عندما كتب ذكرياته عن ايام دراسته في الاعدادية المركزيه أنما كان يشاطرني ما أسلفت من ذكره .. وعسى أن تكون اضافتي هذه فيها المزيد من المعلومات على ما أورده الاستاذ سرور ..
لقد اكملت دراستي المتوسطه في متوسطة الجعيفر للبنين ومنها التحقت بالاعدادية المركزيه عام1962 وكان مديرها يومئذ المرحوم الاستاذ احمد معروف أبن العائلة الكريمة الذائعة الصيت في الاعظيمه وهو شقيق العلامة المرحوم ناجي معروف عميد كلية الاداب وعضو المجمع العلمي العراق والمرحوم عواد معروف والد الدكتور بشار معروف الاستاذ في الجامعات الاردنيه في يومنا هذا .. وكما ذكر الاخ سرور فالاستاذ احمد معروف يعرفه الجميع بأدارته الحازمه وشدته مع ابنائه الطلبه لا لوازع شخصي بل حرصا منه على أن يكونوا قادة لمستقبل البلاد وايمانا منه برسالة التعليم التي تستمد مبادئها من عيون الفكر العربي والاسلامي.. وكان يعاونه في الادارة الاستاذ يونس السامرائي الشخصيه اللطيفه التي ترعى طلابها كما ترعى ابنائها .. وكذلك يشارك في المعاونه المرحوم الاستاذ فؤاد الدباغ الانيق المتأ نق دوما صاحب الشخصية التي تجمع بين الصرامة والادب وكان كما ذكر الاخ سرور اذا صفق بعد رنين الجرس خلت ساحة المدرسة الا من كان حظه نكدا لينال مايستحق من عقاب .
ومن الاساتذة الاجلاء الذين لاينمحي فضلهم علينا المرحوم محي الدين الحسيني استاذ الرياضيات الشهير والمرحوم الاستاذ عزت جان استاذ اللغه العربيه والشخصية البغدادية بكل طقوسها وأبن العائلة المعروفة بمنطقة باب الشيخ ..والاستاذ أحسان فرهاد شقيق الاستاذ المحامي عدنان فرهاد أحد قادة حزب الاستقلال  والمرحوم الاستاذ عبدالواحد الدروبي مدرس التربية البدنيه الذي كان رحمة الله عليه يتعاطف وكسلي وتهربي من دروس الرياضة البدنيه ويشاركه في تدريسها الاستاذ خالد السامرائي الرجل الدمث الهاديء دوما ..
وثمة اساتذة آخرون يتم أختيارهم خصيصا للتدريس في الاعدادية المركزيه , كونهم متميزون في عطائهم التربوي والعلمي , ومنهم الاستاذ ( كمال شاكر النعيمي )استاذ مادة الكيمياء و شقيق زميل العمل الصحفي المرحوم السيد هاشم النعيمي وشقيق زميل الدراسه خالد النعيمي .. وللاستاذ كمال النعيمي موقف معي لاانساه ابدا لما يحمل من معاني ودلالات ,ففي الفترة بين عامي 1995 و1998 كلفت بتولي رئاسة بعثة العراق الدبلوماسيه في الدول الاسكندنافيه ومقري في عاصمة السويد (أستكهولم) ومن واجباتي رعاية مصالح العراق والعراقيون في هذه الدول ..

وقد اوكلت الي مهمة العمل لوحدي دون أي مساعد سواء من كادر الوزارة أو من المحليين وذلك بسبب ظروف العراق يومها .. وكان الاستاذ كمال النعيمي مقيما في (الدنمارك) فقمت بما يمليه علي الواجب لتلبية احتياجاته القنصلية فما كان منه بعد أن علم بوضعي المهني الا أن وجه لي رسالة مازلت أحتفظ بها عبر من خلالها عن مشاعره الصادقة تجاه ما أقوم به من عمل لتلبية مطالب مواطني بلدي وانا العامل الوحيد في السفارة ..

وقد ذكرت هذه المسألة لأن ما جاء برسالة الاستاذ كمال من عبارات الشكر والثناء جعلني أسير فضله وأنا لم أقدم له الا مأعتدت القيام به تجاه جميع المواطنين .... فكانت تلك الرسالة ومازالت محل تقدير واعتزاز وفخر لاني أديت ما يمليه الواجب والضمير تجاه اهلي من ابناء الوطن في منطقة عملي رغم صعوبة ظروف العمل حينها والتي لم أدعها أن تشكل عائقا أمام واجباتي ومسؤلياتي ....
وعودا الى أيام الدراسة في المركزيه لابد من ذكر الزملاء الذين تشاركنا وأياهم تلك الايام الحلوة في تلك المرحلة من العمر .. وهم ( دهام خميس الضاري والمرحوم الاخ عامر جودت النائب والاخوة علاء وصباح انور جان ومبدر الكيلاني وكامل فزع الزوبعي وزهير احمد الشربتي وغسان ابراهيم الجبوري ونزار فاضل السامرائي وعصام ابرهيم محمد وسعدون مكي الجنابي وصباح نعيم ووليد يوسف بني وعلاء نورس وفراس الشاوي (وليس كما ذكر الاخ سرور) حيث ان فراس كان زميلنا وكان مشهورا بمرحه حيث تعج ساحة الاعدادية وقت(الفرص)بصوته وهو يترنم بأنشودة (يابط يابط أسبح بالشط ) وكان من طلاب المرحلة السابقه لمرحلتي المرحوم (موسى حميد) المعروف بشجاعته والذي ذهب الى رحمة ربه باكرا جراء انفعال افقده  توازنه في حينه وكان امرا مؤسفا لمن يعرفه ويعرف سجاياه .. ولايسعني الا اعتذار لمن لم يرد على الخاطر أسمه من أحبتي الذين زاملتهم ..

        
وكنت وأنا أبن (الكرخ) أتوجه للاعدادية المركزيه بواسطة الباص الاحمر أما بالخط 16 أو بالخط 17 من محلة التكارته الى ساحة الميدان ومنها مشيا الى الاعدادية حيث تكون مقهى البلدية على يسار الطريق مقابل مصلحة أسالة ماء بغداد وجوار جريدة (الزمان) لصاحبها توفيق السمعاني النائب والسياسي , وفيها يجلس مبكرا مطرب المقام العراقي الشهير ( يوسف عمر )لقربها من داره التي كانت بجوار المحكمه العسكرية الخاصه (محكمة الشعب )ودار الحكمة حاليا .. وذلك بعد ان يكون أبا يعكوب قد طير ( فصلا ) كما تعارف عليه هواة الطيور (المطيرجيه) ....وكانت صباحات بغداد تمتليء سماؤها بمجاميع الطيور التي يحرص مربوها على أن تنال حريتها في التحليق بالهواء صباحا ...
وعند انتهاء الدوام  أسلك طريق العودة يمينا الى الشارع الذي تقع فيه دائرة البريد المركزي ومنه الى الطريق الموصل الى سوق السراي حيث مقر شرطة بغداد وبجانبها مديرية الشرطة العامه وبعدها وزارة الداخليه ومدخل سراي القشلة حيث مجلس الوزراء ووزارة الماليه ...

      

وعند مدخل سوق السراي (كبة السراي) المشهورة وبعدها نلج مكتبات السوق للاطلاع على مايعرض فيها من روايات بشكل خاص وما نتمكن من شرائه منها والتوقف عند ( عبدالعزيز القديفي ) الشخصية البغداديه التي يعرفها جميع من يرتاد السوق حيث تراه في الايام الاعتياديه لابسا البدلة وفي ايام اخرى معتما بعمامته تهيئا للمشاركة في مجلس عزاءوذلك للاستفسارمنه عن كتاب أو صديق ممن يمرون عليه أذ تعرفنا بواسطته على الاخ الدكتور جليل العطيه وكان رابطة الوصل مع القديفي الاخ عادل مهدي حسين من ابناء الكاظميه ...
وبعد اتمام الدراسة في الاعدادية المركزيه تفرق الجمع كل حسب رغبته البعض صار طبيبا والاخر صار مهندسا واخرون التحقوا بالكليات الانسانية المختلفه .. وكنت الوحيد الذي التحق بالدورة الاولى لقسم الصحافة بكلية الاداب ..أذ كنت امارس العمل الصحفي وأنا طالب في الاعداديه .. ولذلك فصل من الذكريات بأذنه تعالى ..
هذا ما أستطعت تدوينه من ذكريات واحاديث لها صلة بما أفاءت علينا به من فضل مدرستنا ( الاعدادية المركزية ) وا ساتذتنا الاجلاء الذين يعود لهم الفضل بعد الله تعالى لما وصلنا اليه من مراكز وظيفية او غيرها في مجالات الحياة المختلفه آملين أن يكون ما ذكرناه فيه عبرة لمن يريد أن يعتبر.

عبدالوهاب عبدالستار الجواري
في 10 أيلول 2012

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

622 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع