ان يحترف السياسي الكذب: توني بلير نموذجا

                                                                  

                                 د. سعد ناجي جواد


ان يحترف السياسي الكذب: توني بلير نموذجا

يصر السيد توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، بين فترة واُخرى، على العودة للحديث عن الجريمة التي اقترفها تجاه العراق والعراقيين، بل والمنطقة العربية بأسرها. ويصر في كل مرة ان يكابر ويتلاعب بالحقائق متصورا انه يمكن يبريء نفسه. ولا ادري هل السبب في ذلك هو تأنيب ضمير متاخر ينتابه؟؟؟ بين فترة واُخرى بسبب هذه الجريمة، ام ان كوابيس وضحايا ما اقترفته يداه من جرائم لا تكف عن مطاردته وحرمانه من النوم؟ المرجح هو المكابرة والعناد والغرور الفارغ.

قبل ايام قليلة عاد بلير الى الاضواء مرة ثانية وبدون اية مناسبة ليدلي بتصريح مضحك اخر قال فيه عن ذهابه للحرب في العراق ( ربما اخطانا ولكننا لم نكذب). ان هذا التصريح الاستفزازي مر مع الاسف مرور الكرام، ولم يتم الرد عليه بالطريقة التي يستحقها.
لا ادري ما هو معيار الكذب لدى السيد بلير، وكيف بنى حكمه هذا وعلى ماذا استند في تبرئة نفسه، ولكن يبدو ان محترفي الكذب من الساسة أصبحوا لا يأبهون بما يقولون، ويعتقدقون ان الناس نسيت ما قالوه وما فعلوه سابقا، او انهم من كثرة كذبهم بداوا يصدقوا انفسهم، او ربما صدقوا مقولة مهندس الدعاية النازية الكذاب و الملفق الأكبر جوبلز التي تقول (اكذب واكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس).
ان استعراض سريع لأقوال وتصريحات وأفعال توني بلير بشأن العراق منذ ان بدأت الأزمة تتصاعد بعد 11/9/2001، كلها تثبت انه كذب ولاكثر من مرة بشأن العراق. فهو كذب عندما أكد ان العراق يمتلك ويخزن أسلحة دمار شامل، وكذب عندما ادعى ان لدى العراق برنامج نووي و برنامج انتاج أسلحة كيمياوية وجرثومية مستمر، وكذب اكذوبة أكبر عندما ادعى، ثم سرب المعلومة الى الولايات المتحدة، ان العراق قادر على شن هجوم وبأسلحة محرمة خلال 45 دقيقة، ولو ان الاتهام هذا حول الى الاستخبارات ، ولكن بلير علم بضعف هذا التقرير ولم يفعل شيئا لإيقاف التحضيرات للحرب. و روج و ردد اكاذيب كثيرة لاستخدامها كذريعة لشن الحرب على العراق، هذا الكذب كله وهو كان يعلم جيدا، و من معلومات استخبارية موثقة ، بريطانية وفرنسية وألمانية، ان ما كان يدعيه مَن كانوا يُطلِقونَ على أنفسهم (معارضة الخارج) ومِن مَن يحملون الجنسية العراقية مع الاسف، كانت كلها اكاذيب مفبركة، كانوا يؤلفونها من اجل الحصول على الإقامة او الجنسية او الدعم المالي ليس الا. كما انه كذب عندما قال ان الحرب على العراق هي ليست الحل الأخير، حيث ظهر من الوثائق ما دلل على انه كان متفقا مسبقا مع الرئيس الامريكي الأسبق بوش الابن، الذي فاقه كذبا واقترافا للجرائم ضد الانسانية، على احتلال العراق، حيث كتب له بانه معه مهما كلّف الامر. وفِي هذا ليس فقط اصرار على الذهاب للحرب والانقياد لمخططات بوش وإنما ايضا استخفاف بالراي العام البريطاني وبالحكومة. (بالمناسبة فان مركزالمسؤولية المدنية الامريكي أعد دراسة ذكر فيها ان بوش الابن اطلق ٢٦٠ تصريحا كاذبا لتبرير الحرب على العراق). وكذب بليرعندما صرح ان الغرض من تغيير النظام البعثي هو لنقل العراق والعراقيين الى حال افضل تكون حريتهم مضمونة وحقوق الانسان مصانة، وكذلك دمائهم واموالهم و اعراضهم. و زاد على ذلك بقوله بعد الاحتلال، ورغم كل الماسي والكوارث التي كانت تحدث، ان العراقيين هم افضل حالا من ذي قبل. وربما يعتقد البعض بان ما ذُكِرَ أعلاه فيه مبالغة وتجني على هذا الشخص، كون الكلام يصدر من عراقي اختلف ولا يزال مع الاحتلال ومع من أتى معه، ولكن كل ما ذكر أعلاه لا يعدو ان يكون جزءا بسيطا مما كتبته عنه الصحافة البريطانية، وجريدتي الانديبندنت و الغارديان بالذات. كما ان تثبيت كذبه قد صدر في وثيقة بريطانية رسمية و في التقرير الذي اصدرته لجنة تشيلكوت الحكومية حول التحقيق في قرار الحرب على العرق. فلقد أكد التقرير ان رئيس الوزراء آنذاك توني بلير قد (ضلّل الحكومة والبرلمان) بشأن المعلومات عن العراق، ناهيك عن تضليله للشعب البريطاني. كما انه لم يقل الحقيقة عن ما كان يخطط له مع جورج بوش الابن بشان الحرب على العراق، وبأنه أهمل التحذيرات التي كانت تقال له من معاونيه. وطبعا كل هذه العبارات الديبلوماسية تعني بوضوح ان رئيس الوزراء الأسبق قد كذب في اكثر مرة. و اخيرا وليس آخراً، فان ما قاله قبل ايام يندرج في كونه كذبة جديدة تضاف الى أكاذيبه السابقة، لانه كذب ويقول انه لم يكذب.
ان التصرف الطبيعي الذي يجب ان يقوم به السيد بلير هو ان يعتذر للشعب العراقي، وبصراحة وبصورة علنية. وكذلك يجب ان يفعل شريكه بل وسيده في التخطيط لهذه الجريمة بوش الابن. كما ان على المحكمة الجنائية الدولية ان تقوم بمحاكمتهما كمجرمي حرب، وان تنظر الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في الطرق التي يجب فيها تعويض العراق والعراقيين على ما تعرضوا له منذ بداية العدوان والاحتلال و حتى هذا اليوم، أسوة بالمحاكم الدولية التي أقيمت بشان ألمانيا النازية ويوغسلافيا السابقة. ولو كان هناك قرارا سياسيا عراقيا مستقلا، او سياسيين غير خاضعين للاحتلال وتبعاته، لبادروا هم برفع دعاوى ضد قرار الاحتلال ونتائجه وضد من اتخذ هذا القرار الاجرامي. ربما لن ينعم جيلنا برؤية مثل هذا اليوم، ولكني متاكد بانه مهما طال الزمن فان كل الدول والحكومات التي اشتركت في جريمة احتلال العراق وتدميره ستعتذر عن كل الجرائم التي اقترفتها تجاه العراق والعراقيين الواحدة تلو الاخرى، ولكن الشيء الذي يحز في النفس ان اي اعتذار ومهما كان نوعه وشكله سوف لن يعوض ملايين الأبرياء الذين نكبوا، سواء بالقتل او بالإعاقة الدائمة اوباليتم او التهجير او الترمل من جراء هذا الاحتلال او الحرب الهمجية التي شُنَّت عليهم وعلى بلدهم.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

629 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع