ا . د. طه جزاع بين الفلسفة والصحافة .. من غلب ، من ؟

                                                                                  

                      حاورته للگاردينيا : رنا خالد

             

              

   ا. د. طه جزاع بين الفلسفة والصحافة .. من غلب ، من ؟

      

قرأتُ له منذ بواكير وعي ، وجدتُ في سطوره ألقاً وبهجة ، له قدرة عجيبة على مطاوعة الحرف الذي بين أصابعه ، فيجعله نغما وموسيقى تسعد الإذن والوجدان .. انه د. طه جزاع ، الفيلسوف الصحفي ، والصحفي الفيلسوف ، يكتب بأسلوب مرح ، مغلف بعمق غائر في الواقعية هو احد إعلام الصحافة العراقية والقائد الذي بيده القلم هذا ما وصفته به.. كانت لي رغبة شديدة بالتعرف إليه ، فأسعد أمنيات الصحفي هو لقاء من يؤثر فيه.. إنا الآن في رحاب صاحب صولجان الكلمة الجميلة ، والفكرة الأجمل .. إمام د. طه جزاع .. بدأت معه بسؤال ، ففتح لي أفقه ، بتواضع الكبار.. قلت له .. دكتورنا الفاضل : بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، أصبح الإعلام ليس فقط للصحفي المحترف ، ولكن لعامة الجمهور من هواةٍ وأحزابٍ ومنظمات وشركات وغيرها . ما هو تعليقك على هذا الموضوع ؟


لاشك إن ثورة الاتصالات الهائلة التي يشهدها عالمنا اليوم ، وسهولة الحصول على التقنيات والبرمجيات والأجهزة الذكية المرتبطة بشبكة المعلومات العالمية " الانترنت " قد غيرت الكثير من أنماط حياتنا وعلاقاتنا ، وتركت آثارها الواضحة حتى على طرائق تفكيرنا الاجتماعية والثقافية وعاداتنا السلوكية ، وقلبت الكثير من المعايير والمفاهيم رأساً على عقب مثلما يقال . والصحافة والإعلام عموماً شأنه أي نشاط إبداعي ومهني آخر كان من أكثر النشاطات التي تأثرت بتلك الثورة المتصاعدة التي تُفاجئنا دائماً بشيء جديد . لقد أتاحت تلك التقنيات والأجهزة وبرامجها الفرصة لأي إنسان لكي يمارس دوراً إعلامياً ويحقق سبقاً صحفياً وإعلاميا يتفوق فيه أحياناً حتى على الصحفي والإعلامي المحترف !
** هل تعطيني أمثلة ؟
ـــ من الأمثلة الكثيرة على ذلك ، المثال الذي ساقه الزميل الأستاذ الدكتور ياس خضير البياتي في كتابه المهم " الإعلام الجديد .. الحرية والفوضى والثورات " عن أحد المواطنين الأمريكان الذي صور حادثة سقوط طائرة " الإيرباص 320 " فوق نهر هدسون قبالة مانهاتن بنيويورك يوم 15 يناير كانون الثاني 2009 ( وهي حادثة لا يمكن النظر إليها بوصفها خبراً عادياً ، بل هو يؤشر لعصر جديد عنوانه " صحافة السرعة " أو المواطن الصحفي . فأول من التقط صورة الطائرة هو مواطن أميركي عادي يدعى جانيس كروس لا أحد يعرفه . هذا المواطن تحول إلى أسرع صحفي في العالم عندما شاهد الطائرة في لحظة السقوط وأمسك بهاتفه النقال ليرسل الصورة إلى الصحيفة ، وتوزع فيما بعد على المواقع الالكترونية والمدونات . وقد تحول ربان الطائرة إلى بطل قومي بفضل المتابعة المباشرة لملايين الناس للحظات هبوطه بسلام في نهر هدسون لينقذ أرواح 148 راكباً وخمسة من طاقم الطائرة ليستحق بذلك جميع الأوسمة والتقدير ) . وهناك آلاف الأمثلة والحوادث اليومية التي يتحول فيها الإنسان العادي إلى إعلامي ويحقق سبقاً في نقل الخبر والمعلومة والصورة حتى دون أن يقصد ذلك في الكثير من الأحيان . لكن .. ذلك لا يعني أبداً ، انتفاء الحاجة للصحفي والإعلامي المحترف ، وللدراسة الأكاديمية المتخصصة ، وللخبرة في العمل . إن الأمر يشبه إلى حد كبير استخدامنا لمحرك البحث Google للحصول على علاجات لبعض الأمراض التي قد تصيبنا من دون مراجعة الطبيب ، فذلك لا يعني أن نغلق كليات الطب ونستغني عن الأطباء ! صحيح إن ذلك يمثل تحدياً مباشراً وقوياً لمهمة الصحفيين والإعلاميين المحترفين ، غير انه من جانب آخر يمثل محفزاً لتطوير وسائل الإعلام وأدواته ، ومدعاةً لتنويع برامجها ، والارتقاء بأدائها الإعلامي والمهني ، وتعزيز مصداقيتها وحياديتها وموضوعيتها أمام الجمهور الذي مازال يضع ثقته في الوسيلة الإعلامية الرصينة ، ولا يطمئن كثيراً لما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي . كما ينبغي التأكيد على طلبة كليات الإعلام الى أن ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي لا يصلح في كثير من الحالات للنشر في وسائل الإعلام التي تقتضي الدقة والمصداقية والحيادية والمسؤولية والالتزام بأخلاقيات وأعراف وقواعد المهنة الصحفية .
أوصاف عديدة
**وَصَفكَ العديد من الصحفيين بأوصاف رائعة ، وجذابة، ماذا تقول عن ذلك ؟
ـــ أحمد الله كثيراً على هذه النعمة ، وعلى هذه الثقة التي تتمثل فيما يَسبغهُ أصدقاء وزملاء أعزاء على شخصي المتواضع من صفات تَصفينها بالرائعة والجذابة ، وأرجو أن أكون عند حسن ظنهم بي لأستحق فعلاً تلك الصفات . لقد حرصتُ طيلة عمري الصحفي الذي يمتد لأكثر من 40 سنة على مد جسور المحبة والنية الصافية مع الآخرين والثقة بهم ، مثلما حرصت على الأخذ بأيدي الصحفيين الشباب ، وتشجيعهم ، ومنحهم الفرصة للعمل والإبداع والتميز ، وذلك في رأيي يمثل رسالة الحياة التي ينبغي أن تُنقل من جيل لآخر في جميع المهن ، بصدق وحرص ومسؤولية ، وبعيداً عن روح الأنانية والبخل والاستعلاء . إن من يزرع الطيبة والإنسانية والتواضع والمحبة ، لابد أن يحصد من صنف ما زرعه ، وإن من يمد يد الأخوة والصداقة والزمالة ، لابد أن يجد في النهاية ، الأيادي التي تشد من أزره ، والكلمات التي تسرهُ ، والناس الطيبين الذين لا معنى للحياة بدونهم .
النقد في فضاء الإبداع
** ما هو مفهومك للنقد ، وكيف هو اليوم مع هذا الكم الهائل من الكتابات ؟
ــــ هذا سؤال يستوجب صفحات طويلة ، لأن النقد النافع البَّناء هو الذي يُقَّوم الحياة بجميع تفاصيلها وميادينها . أما إذا كان المقصود النقد الأدبي والفني فمن المؤكد إن أي عمل إبداعي سواء كان شعراً أو قصة أو رواية أو فيلماً أو مسرحاً أو تشكيلاً ، لابد أن ترافقه عملية نقدية ناضجة وعلمية وموضوعية تستهدف التقويم لا التهديم ، وتُشجع ولا تُحبط المبدع ، وتؤشر نجاحاته وإخفاقاته . ألا انه من الملاحظ في زماننا هذا كثرة النتاجات ولاسيما في مجال الرواية ، وغياب النقد الذي ينبغي أن يرافقها . لقد رافقت حركة الشعر في الستينيات وحتى السبعينيات في العراق وعموم البلدان العربية حركة نقدية فاعلة ومؤثرة لها رموزها وكبارها وأساتذتها ، غير أننا نلاحظ اليوم في البلدان العربية ، وبالأخص في العراق الذي تقول بعض التقديرات انه شهد نشر ما يربو على السبعمائة وخمسين رواية من سنة 2003 ولغاية الآن ، غياباً لحركة نقدية حقيقية تواكب هذا الكم الهائل من النتاج الروائي الذي أثبت بعضه حضوراً محلياً وعربياً وترشح وفاز في العديد من المسابقات الروائية المهمة ، ومن الطبيعي أن ضعف حركة الفنون التشكيلية والمسرحية والسينمائية لا يشجع على قيام حركة نقدية تجاه هذه الفنون . وما دمنا نتحدث هنا عن الصحافة والإعلام ، فإنه لابد أيضاً من الإشارة إلى إن النتاجات الصحفية بجميع صنوفها وميادينها وفنونها ، والبرامج التلفزيونية في مختلف الفضائيات ، هي أيضاً عرضة للنقد والتقويم ، ليس من قبل المشاهد العادي فحسب ، إنما من قبل الأكاديميين المتخصصين في مجال الصحافة والإعلام والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة الذين تقع عليهم مسؤولية النقد العلمي الموضوعي المسؤول لهذه البرامج سواء من ناحية الإعداد أو التقديم أو الإخراج .
الصحافة والفلسفة
** ماذا أضافت الفلسفة لقلمك الصحفي ، وهل أضاف الإعلام شيئاً لمفهومك الفلسفي ؟ الكثير من القراء ينتظر مقالاتك ... لكنك تنتظر مقالات من ؟
ـــ الفلسفة لم تُضف لقلمي الصحفي فحسب ، إنما أضافت لحياتي الشيء الكثير من المفاهيم الناضجة ، والحقائق الواضحة ، والرؤى الواسعة ، مثلما أضافت لها الكثير من الخيالات والأوهام ! وقلم الصحفي ، مثل أي كائن حي ، يتغذى وينمو ويتطور باستمرار ، وهو انعكاس لتطور أو تراجع شخصية الكاتب نفسه ، فهناك كُتّابٌ صحفيون " تخندقوا " في مواضعهم الأولى التي انطلقوا منها ، وأكتفوا بما لديهم من ماء وغذاء وعدة قتالية ، وهناك آخرون غادروا " خنادقهم " وواجهوا الحياة ومستجداتها بتطوير لغتهم وتجديد أساليبهم ، وتحديث " عددهم القتالية " ! وهناك كُتَّابٌ يكتبون ضمن تصورات قديمة أكل الدهر عليها وشرب ، وكأن الاتحاد السوفيتي مازال قائماً ، وستالين مازال حياً ، وجدار برلين قائماً ، والعرب عرباً ، وعبد الناصر حياً ، والأمير كان أمير كاناً ، والشرق الأوسط شرقاً أوسطاً ! الفلسفة عمادها المنطق ، والمنطق هو آلة الدماغ التي تعصمه من الخطأ والزلل ، وكثيراً ما يشط الدماغ ويُشرق ويُغرب ويغني لوحده ويُغرد ، فيعيده المنطق إلى جادة الصواب !
أنني أشعر بالسرور فعلاً إن كان هناك من ينتظر مقالاتي ، وهذا أعز ما يرجوه الكاتب ، أشكرهم جداً على هذه الثقة الغالية التي لم أحصل عليها بسهولة ، وأعدهم أنني لن أفرط بها أبداً ، فهي مصدر قوتي وحبي لمهنتي وحرصي على سلامة قلمي من أمراض النرجسية والتقوقع ، والتعصب والانغلاق والتخندق !
وأحرص على متابعة المقالات الصحفية لبعض الكُتَّاب في عدد من الصحف والمواقع العربية ، ومنهم سمير عطا الله وجهاد الخازن وخيري منصور وغسان شربل ومقالات الزميل داود الفرحان والزميلة إنعام كجه جي ، كما أتابع مقالات عدد من الأصدقاء والزملاء الأعزاء في الصحافة والمواقع العراقية ، ومنهم حسن العاني ومحسن حسين وزيد الحلي وغالب زنجيل وعبد الرحمن عناد وعلي حسين ومحمد غازي الأخرس ورياح آل جعفر ووجيه عباس وهاشم حسن ومحمد فلحي وحمزة مصطفى وأحمد عبد المجيد ونرمين المفتي وعالية طالب وعدوية الهلالي وكاظم المقدادي وعبد الهادي مهودر . وهذا بالطبع على سبيل المثال لا الحصر ، فهناك العشرات من كُتَّاب الأعمدة والمقالات المتميزون الذين لا تحضرني أسمائهم الآن ، أو الذين يكتبون في صحف ومواقع لم تُتَحْ لي الفرصة لمتابعتها للأسف الشديد..

              

وينتهي اللقاء مع د. طه جزاع ، لكن هل انتهت رغبتي ، في طرح أسئلتي الكثيرة التي تضطرم في دماغي ... كلا بالطبع ، غير أنني احترمت وقت أ . د. جزاع ، فأجلت أسئلتي الأخرى إلى لقاء آخر .
الأستاذ الدكتور طه الجزاع الكاتب والصحفي الذي مارس العمل الصحفي منذ عام 1975
درس في جامعة بغداد كلية الآداب وحصل على البكالوريوس .. ثم حصل على شهادة الماجستير عام 1990 في الفلسفة في موضوع الفكر السياسي في الفلسفتين اليونانية والإسلامية
كتب المقالات والأعمدة الصحفية في صحف ومجلات عديدة ومن هذه الأعمدة : ( فنتازيا ) (ويا طويل العمر ) و (مع الصباح ) و( خيمة الثلاثاء ) وغيرها . وكان بعضها ساخرا مثل فنتازيا في جريدة الزوراء
عمل في التدريس الجامعي في جامعة بغداد ومن ذلك قيامه بتدريس طلبة الصفوف الأولية والعليا ..الماجستير والدكتوراه في قسم الفلسفة بكلية الآداب .. ومن المواد التي درسها : "تاريخ الفلسفة اليونانية""شخصيات من الفلسفة الإسلامية" ، "الفلسفة الوسيطة ( المسيحية )" و" دراسات في الفلسفة اليونانية" وغيرها من الموضوعات الفلسفية لاسيما في الفكر الفلسفي السياسي عند أفلاطون وفلاسفة الإسلام .

         

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

879 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع