أسئلة كثيرة وإجابات قليلة

                                                

                         د. علي محمد فخرو


أسئلة كثيرة وإجابات قليلة

لنحاول أن نتصور الحالة النفسية والعقلية التي يعيشها المواطن العربي في دول الخليج العربية، اذ ما عاد هناك في الواقع دول مجلس تعاون خليجي. فعندما يواجه المواطن يومياً أحداثاً لا يستطيع فهمها، ولا يستطيع تبريرها، ولا يشعر بأنها تعبر عن ارادته ورغباته وحقيقة مشاعره النفسية والروحية ولا عن تاريخه وتعاليم دينه القرآنية، فانه سيفقد توازنه الانساني وسيتوجه الى أحد الطريقين: إما أن يصبح طاقة هائجة تدميرية أو أن يعيش حياة اليأس والقرف وينسحب من الحياة العامة والالتزامات الوطنية.

صباح كل يوم تتناقل الأخبار أسماء هذه الجماعة الجهادية المجنونة أو تلك، في هذا البلد العربي أو ذاك، مقرونة دائماً باسم البلد الخليجي الذي يرعاها ويمدها بالمال والسلاح. يسأل المواطن نفسه عن مبررات انغماس بعض دول الخليج العربية في ساحات مليئة بالدماء وارتكاب الموبقات الأخلاقية وبالارتباط بالمخابرات الأجنبية وباستعباد كل من يقوده حظه العاثر الى أن يكون تحت امرتهم وابتزازهم. وبالرغم من أن الأخبار تشير بالاسم الى تلك الدول الخليجية الا أن المواطن لا يسمع تكذيباً رسمياً واحداً أو تبرؤا من التهمة. هنا يسأل نفسه: من الذي خول مسؤولي تلك الدول لأن يبعثروا ثروات وأموال العامة في مغامرات مشبوهة دمرت الكثير من المدن العربية ويتمت وشردت وأفقرت اخواناً لنا في العروبة والاسلام والانسانية؟ ماذا كان القصد الخفي من وراء كل ذلك، ماذا حققت تلك المغامرات ومن خدمت في النهاية؟
هل السكوت المعيب الذي تمارسه الجهات المتورطة جواب كاف لتهدئة القلق ولابعاد الحيرة عن نفس وعقل المواطن؟ ذلك أنه لا الإعلام الرسمي أو التجاري، ولا مجالس الشورى وما يماثلها، ولا مجالس الوزراء، ولا مؤسسات المجتمعات المدنية الضعيفة، تفصح عن أسباب بدايات ذلك الجنون ولا أسباب الاستمرار فيه عاماً بعد عام، بينما تدفع شعوب عربية الثمن للصراعات العبثية الطفولية فيما بين أنظمة الحكم العربية ومسؤوليها، تدفعه دماراً حضارياً لكل ما بنته عبر القرون وتراه صورة مظلمة حالكة لمستقبلها.
دعك من الذين يقبضون الأثمان ليكتبوا قصائد المديح أو الحكمة في هذا القرار أو ذاك، أو الشتم المبتذل لهذه الجهة المعادية أو تلك، فالدماء التي تقطر من أيادي الكثيرين لن تغسلها مياه كل أنهار وبحور ومحيطات العالم. فالعدالة الالهية لا يمكن أن ترضى عما يحدث بالنسبة لهذا الانغماس في ألعاب الموت التي أدخلنا فيها مجانين الجهاد الدموي الظالم. المواطن سيظل في حالة من الذهول والخجل والاستغراب والغثيان حتى يسدل الستار على تلك المسرحيات التي الفها وأخرجها الأغراب الاستعماريون والصهاينة أو الموتورون الاقليميون أو الجهلة المحليون، واستعملوا بعض الأنظمة في تمثيل أدوار تلك المسرحية، سواء بنية طيبة أو بنية خبيثة. ما يجعل الأمر أكثر مأساوية وأثقل على قلب المواطنين المتسائلين ما يفصح عنه بعض المسؤولين الخليجيين السابقين عن مئات المليارات من الدولارات التي صرفت على قادة وأفراد وعائلات من نصبوا أنفسهم، زوراً وبهتاناً، كمجاهدين اسلاميين، هذا بينما يعاني المواطنون من آثار التراجع المتسارع في كل حقول الخدمات الاجتماعية باسم ضرورة التقشف.
المطلوب من تلك الأنظمة، اذا كانت تريد أن تستجيب لارادة ورغبات وطهارة الغالبية الساحقة من مواطنيها، أن تخرج من هذا الوحل بسرعة وبصورة نهائية، وأن تغلق الى الأبد باب هذا النوع من الجهاد البليد الذي دمر حياتنا العربية وخلق لنا اشكالية مع العالم المتحضر كله. لا يكفي المواطن وقوفه حائراً أمام تلك الأحجيات والممارسات في حقل الارهاب الجهادي الجنوني حتى تفاجئه مؤخراً حفلات الرقص الحميمية مع الكيان الصهيوني الغاصب المتسلط الممعن قتلاً وتدميراً واستعباداً وتآمراً في طول وعرض بلاد العرب، ومع الولايات المتحدة الأميركية التي تعلنها صراحة عن حقها في جزء من الثروة البترولية الخليجية وعن ضرورة مساهمة تلك الثروة في حل اشكالياتها الاقتصادية.
ما عاد المواطن يفهم أسباب التعاون الاستخباراتي الحميم مع الموساد الصهيوني، ولا أخبار الاجتماعات السرية التنسيقية بين بعض المسؤولين الخليجين وبين عتاة الاجرام من المسؤولين الصهاينة، ولا التصريحات التي تعطي للصهاينة أرضاً فلسطينية دون اذن ولا موافقة من الشعب الفلسطيني، صاحب الحق الوحيد في التصرف بأرضه، ولا كتابات بعض المحسوبين على هذا النظام أو ذاك والتي تنادي بهدم كل ثوابت هذه الأمة بالنسبة للموضوع الفلسطيني وبقبول سرقة أرض فلسطين وتشريد أهلها وبالتعايش مع الفكر الصهيوني الاستعماري التوسعي المبني على الأساطير والخرافات والأكاذيب.
يتساءل المواطن: هل أن دول الخليج العربية جزء من كيان الأمة العربية والوطن العربي أم أن البعض يريد لها الخروج من تحت عباءة العروبة والاسلام والتاريخ والثقافة والدخول تحت عباءة العولمة الرأسمالية المتوحشة، بعيداً عن كل التزام قومي واسلامي، بل وحتى وطني؟ ثم، بأي حق، وبأي تخويل شرعي من قبل المواطنين، يتصرف هذا المسؤول أو تتصرف تلك الجهة المسؤولة؟ عشرات الأسئلة يسألها المواطن العربي الخليجي بشأن ما يجري في منطقته وبشأن ما يجري في وطنه العربي فلا يحصل على أجوبة واضحة علنية مقنعة تطمئنه على مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده.
لنحذر، فان العيش في الظلام لا يقود إلا الى ظلام حالك تتربص فيه الأشباح والشياطين.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

784 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع