من حكايات جدتي ... الحادية والسبعين

                                               

                           بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي ... الحادية والسبعين

الزوجة الغبية والجمل

حدثتنا جدتي في هذا المساء: يُقال بأن جملاً مرض مرضاً شديداً، وشارف على الموت، فتأثر صاحبه كثيراً، وجلس قرب رأسه.
قال له بحزن: يا جملي المخلص ها أنت تُحتضر، لذلك أريد منك أن تسامحني على كل تلك المشقة التي عانيتها لأجلي كل تلك السنين الطويلة، فأنا أعلم كم من المشقة كابدت دون أي شكوى أو تذمّر.
أجاب الجمل المريض: إنني أسامحك على كل شيء، لكنّ أمراً واحداً لا أستطيع أن أسامحك عليه.
قال صاحب الجمل: ربما تقصد ذاك اليوم الذي جعلتك تحمل فيه كيساً من الملح، مما جعلك تسقط تحت ثقله.
أجاب الجمل: لا، فهذا الأمر أسامحك عليه.
رد صاحب الجمل: إذا تقصد ذاك اليوم الذي أجّرتك فيه لأهل القرية، لتحمل أكياس قمحهم إلى المطحنة. قال الجمل: صحيح أنه كان يوما شاقا، لكنني أسامحك عليه أيضاً، فاحتار صاحب الجمل.
قال: أنا لا أذكر بأنني قسوت عليك أكثر من هذين الأمرين.
أجابه الجمل: بل أن هناك إساءة لا يمكنني نسيانها، فأنت تعلم بأنني كنت أقوم بكل أعباء بيتك بإخلاص وبدون تردد، وقد خدمتك كل هذه السنين، ورغم كل ذلك، كنت تربط لجامي برأس حمارك الأسود ليقودني دائما، وهذا ما لا أستطيع أن أسامحك عليه أبدا.
نعود لحكايتنا اليومية، كان يا مكان في قديم الزمان، كان امرأة قليلة الفهم متزوجة من رجل طالب علم، وهذا الرجل عنده قطعة تشبه الطابوق بالحجم من الذهب، فكلما احتاج مبلغ من المال قطع من الذهب قطعه صغيرة ويأخذها للسوق، يبع القطعة ويتسوق ما يحتاجه من طعام وملبس ثم يذهب إلى عمله.
في أحد الأيام جلست زوجته الغبية أمام باب المنزل تغزل الصوف، في هذا الاثناء مر بائع جوال يبيع الحلوى فوق عربة صغيرة وينادي حلاوة.. حلاوة.
نادت للبائع وقالت له: تبيع الحلاوة والعربة.
قال البائع مبتسما: أنتِ لا تملكين نقود لثمن العربة والحلاوة.
قالت له: ليس عندي نقود، لكن عند قطعة طابوق اعطيك إياها مقابل العربة والحلاوة.
ردت عليها البائع: ماذا اعمل بالطابوق اضرب رأسي بها.
قالت له: لا تضرب رأسك انتظرني اجلب قطعة الطابوق.
دخلت للمنزل وجلبت قطعة الذهب الشبيه بالطابوق، وعندما شاهدها البائع، ترك العربة بما فيها وشمر عن ساقية وأخذ القطعة الذهبية واختفى من امامها بلحظات.
اخذت الغبية العربة والحلاوة وادخلتها منزلها، وصنعت من الحلاوة ثلاث بنات، على شكل عرائس وأجلستهم على كرسي وجلست امامهم وسمتهم (سعدية، رضية، فخرية).
عاد زوجها من عمله بعد العصر وطرق الباب عدة مرات، تعجب وهذه ليس من عادة الغبية لأنها دائما تجلس على عتبة الباب، لكنه سمع صوت زوجته تقول: سعدية افتحي الباب لوالدكِ. لقد عاد من عمله.
تفاجئ الزوج وبدأ يكلم نفسه: ربما جاءنا ضيوف لكن من تكون سعدية .
طرق الباب مرة ثانية ونادى على زوجته أن تفتح الباب.
سمع صوت زوجته تنادي: رضية قومي افتحي الباب عاد والدكِ من العمل، أنا مشغولة لا أقدر أقوم افتح الباب.
تعجب الزوج كثيرا وبقوة وعصبية طرق الباب.
سمع صوت زوجته تنادي: فخرية افتحي الباب ابوكِ عاد من العمل.
انزعج الزوج من طرق الباب وقفز من فوق السياج وتفاجئ عندما شاهد زوجته جالسة ومقابلها ثلاثة عرائس من الحلاوة وعربة بجانبهم.
صرخ بوجهها وسألها: ما هذه العرائس.
ردت عليه بهدوء: بناتنا (سعدية ورضية وفخرية).
سأل الزوج: من جلب لك الحلاوة والعربة؟
أجابت: أنا اشتريت العربة والحلاوة ودفعت قطعة الذهب ثمنا لهذه البنات.
صرخ بصوت عالي قائلا: أستغفر الله ربي واتوب اليك، لك أنتِ بلا عقل اعطيتِ قطعة الذهب مقابل هذه الحلاوة.
بعدما تأكد أنها أعطيت قطعة الذهب، امسكها من شعرها وجرها للشارع ورماها بعدما ضربها بعصى.
وطردها من المنزل وهددها بعدم العودة ثانية.
مشت في المدينة تبكي حتى وصلت إلى تله، جلست خلف صخرة تشتم وتسب زوجها بصوت عالي، بعد مدة قليلة مر من امامها كلب، صاحت بصوت عالي: عو..عو إذا هذا الحقير زوجي ارسلك يريدني ارجع، روح وقل له لم ترجع.
بعد دقائق مرت من امامها قطة، صاحت بصوت عالي: بشت.. بشت إذا هذا الحقير زوجي ارسلكِ يريدني ارجع، روحي وقولي له لم ترجع.
في هذا الاثناء صادف أن لصوص كانوا قد سرقوا جمل السلطان محمل بالذهب، وهم بالقرب من التلة لكي يقتسموا الغنيمة.
مرت من أمامها نملة واقتربت من رجلها صاحت بصوت عالي وصفقت ولن تنتبه أن هناك لصوص وهي تقول: دخلت من هنا وخرجت من هنا.
سمع اللصوص صوت المرأة توقعوا أن هناك مع يطاردهم، تركوا الجمل وهربوا.
انتبهت الغبية أن هناك عند التلة جمل تقربت منها وقالت للجمل: أنتَ أبو الرقبة الطويلة عرفت أن زوجي ضربني وطردني، تعرف أرسل لي عوعو جلبي ما رجعت وأرسل لي بشبش خاتون ما رجعت لكن لخاطر هذه الرقبة الطويلة ارجع.
اخذت الجمل وعادت إلى المنزل بوقت متأخر من الليل، طرقت الباب.
من الداخل صاح زوجها من الطارق.
قالت له: أسمع أنا ما حبيت ارجع، ارسلت لي عوعو جلبي ما رجعت وأرسلت لي بشبش خاتون ما رجعت لكن لخاطر هذه ابو الرقبة الطويلة رجعت.
فكر الزوج مع نفسه وهو يتمتم: عرفت عوعو چلبي يعني كلب، وبشبش خاتون يعني قطة، لكن أبو رقبة طويلة من يكون.
فتح الباب وتفاجئ عندما شاهد جمل محمل ذهب جن جنون الزوج، وادخلها للمنزل بسرعة واغلق الباب خلفه، ضمدها من جراحها واعتذر منها واطعمها ونامت.
قال مع نفسه: لابد من إيجاد حل لهذه الجمل والذهب لان هذه الغبية سوف تفضحني، ذبح الجمل ودفن الذهب في حوش المنزل. وطبخ لحم الجمل كبة ولونها بألوان احمر وأخضر وأصغر ووضعها فوق السطح والحوش، في الصباح نهضت الغبية وشاهدت الحوش مملوء كبة ملونة قال لها: أنتِ كنتِ نائمة والسماء امطرت كبب.
جمعت الكبب وأكلت منها وقسم اخر احتفظت بها في البراد.
بعد عدة أيام كعادتها جلست على عتبة الباب تغزل الصوف مر المنادي.
ينادي: يا ناس يا عالم من شاهد جمل السلطان، الذي رأى الجمل يرشدنا مكانه، السلطان يعطيه هدية
صاحت بصوت عالي: يا منادي أنا رأيت الجمل وأعطيته لزوجي.
قال لها المنادي: تقدرين المجيء معنا إلى القصر وتقولين للسلطان عن الجمل.
قالت له: لا أستطيع المجيء معكم لان مغزلي يتعطل.
حملها العبيد المرافقين للمنادي على اكتافهم.
ادخلوها للسلطان وسألها: أين الجمل.
أجابت: زوجي أخذه مني.
طلب السلطان من الحرس استدعاء زوجها بسرعة.
دخل للزوج على السلطان وسأله: زوجتك تقول أنتَ أخذت الجمل منها، أين اخفيته؟
أجاب الزوج: يا سعادة السلطان زوجتي غبية وتقدر تقول مجنونة، اسألوها: متى جاءت بالجمل وسلمته لي؟
سألها السلطان: متى جئت بالجمل وسلمتيه لزوجك؟
أجابت: أنت سلطان ما تعرف متى سرق الجمل منك تتذكر يوم السماء امطرت كبب.
طلب السلطان من حمايته تركها تتكلم .
سألها ثانية: أين رأيت الجمل وجئت به إلى زوجك.
أجابت بحماس وجدية: ذاك اليوم الذي امطرت السماء كبة حمراء وصفراء وخضراء وأنا أكلت وشبعت واطعمت الجيران.
ضحك السلطان من كلامها وقال: اخرجوها من القصر واعطوا مكافئة لزوجها واعتذروا منه.
بعدها عدة أشهر سافر الزوج وترك زوجته بالمنزل، واخذ الذهب معه وتزوج من زوجه عاقلة وعاش عيشة سعيدة وتعيشون وتسلمون وكنا عندكم وجئنا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع