شهادات بحق نوري روفائيل المتطوع العراقي في الدفاع عن الثورة الاسبانية

                                             

                           كمال يلدو

شهادات بحق نوري روفائيل المتطوع العراقي في الدفاع عن الثورة الاسبانية عشية الذكرى الثمانين لنهاية الجمهورية الاسبانية

    

       صحف ومجلات تتحدث عن المتطوعين العراقيين

سجّل التأريخ لليساريين العراقيين والشيوعيين مواقفا بطولية وشجاعة في التضامن الاممي على مر العقود ترجمتها الاحداث عمليا من خلال التطوع والمشاركة وحتى عرائض التضامن والاستنكار، وأشتركت فيها جموعا كبيرة من الجماهير، مربية فيهم روح التضامن مع الشعوب وحركات التحرر في كل العالم، ويمكن تسجيل بعضها على سبيل الذكرى، الموقف من القضية الفلسطينية ،العدوان الثلاثي على مصر، ضد الحرب على كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا،التضامن مع حركات التحرر في افريقيا وامريكا اللاتينية وامريكا الشمالية، مع المقاومة الفلسطينية وكل حركات التحرر في الخليج وباقي الدول العربية، الموقف من القضية الكردية وغيرها من المواقف ولليوم مع الحزب الشيوعي السوداني.

اما على صعيد المشاركات الفردية، فهناك امثلة ساطعة كثيرة، منهم من روت دمائه الزكية تلك البقاع ومنهم من عاش ليروي تفاصيل تلك المشاركات البطولية، في المقاومة الفلسطينية، او حركة تحرير ظفار، وفي جمهورية اليمن الديمقراطية ، والصحراء الغربية، والساندينستا ....واسبانيا !
وهنا سأتوقف قليلا امام هذه التجربة النادرة والفريدة. فقد سجلت لنا الوثائق مشاركة اثنين من المتطوعين العراقيين في الدفاع عن الجمهورية الاسبانية التي قامت ما بين الاعوام (١٩٣٦ ـ ١٩٣٨) . وانطلقت حينها حملة تضامنية اممية تطوع خلالها آلاف الوطنيين ومن كل ارجاء العالم ضد التمرد والانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال (فرانكو) آنذاك وبتدخل موسوليني والدول المحيطة بها ، حيث اغرقوا اسبانيا بالدماء وسقط اثرها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.

المتطوع الاول كان اسمه (سيتي ابراهام هورش) وهو من ابناء الطائفة اليهودية العراقية، حيث هاجرت عائلته من العراق الى الاورغواي في امريكا الجنوبية عام ١٩٢٩، والتحق من هناك بالمتطوعين الاجانب المدافعين عن الجمهورية عام ١٩٣٧، ليلتقي لاحقا بالمتطوع العراقي نوري روفائيل والذي جمع بينهما الموقف الاممي من الجمهورية الاسبانية، وقد انضم كليهما الى صفوف الحزب الشيوعي الاسباني في تلك الظروف العصيبة.

   

ولد نوري روفائيل عام ١٩٠٥ في منطقة (صبابيغ الآل/ سوق الغزل) في بغداد، ودرس الابتدائية في مدرسة الكلدان الواقعة في (عكَد النصارى) وبعد ان انهى الابتدائية والمتوسطة سافر الى بيروت عام ١٩٢٣ والتحق بالجامعة الامريكية هناك، وعاد للعراق حاملا شهادة في هندسة الطرق والجسور . عمل استاذا لمادة الرياضيات في احدى الثانويات بين الاعوام١٩٣٠ـ ١٩٣١ ، ثم التحق بواحدة من اكبر الجامعات الامريكية بمجال الهندسة (MIT) في ولاية ماسيجوسيس بين الاعوام ١٩٣١ـ١٩٣٣ ، ويبدو انه انجّر للسياسة هو وزميله (جميل متى) وترك الدراسة ، حيث ساهم الوضع السياسي العام في امريكا آنذاك وفي خضم الازمة الاقتصادية الكبرى والكساد، فتأثر بالافكار اليسارية والشيوعية والنقابات التي كانت سائدة آنذاك. عاد للعراق ، والتحق بجماعة (الاهالي) التي كانت حديثة التشكيل. عمل مهندس مساعد في مديرية المساحة والطرق عام ١٩٣٥، ، وفي آذار من ذات العام اسس مع (عاصم فليح و جميل توما ، ويوسف اسماعيل) جمعية ضد الاستعمار، وقد انفرط عقدها بعد ان اعتقل عاصم فليح. تعرض للاعتقال والسجن في الفترة (٢٩ تشرين ثان ١٩٣٦ ـ ١٧ نيسان ١٩٣٧) وما لبث ان غادر العراق بعد ان اطلق سراحه بفترة وجيزة متوجها الى فرنسا لشعوره بالخطر من الاعتقال اثر الفوضى التي تلت اغتيال بكر صدقي . مكث في باريس حتى ٧ شباط ١٩٣٨ حيث سافر الى اسبانيا ملتحقا بقوافل المتطوعين عن الجمهورية الثانية، وانضم الى (كتيبة ابراهام لنكولن الاممية) التي كان معظمهم من الامريكان، وخدم هناك كجندي ثم عريف ورقي الى رقيب . وأهم مشاركاته كانت في المعارك البطولية ( غندسيا ـ آبرو ـ على الحدود مع كاتلونيا) . غادر اسبانيا مشيا على الاقدام بعد انهيار مقاومة الجمهوريين، واعتقل في الحدود الفرنسية الاسبانية، وحاول الفرار ثلاث مرات لكنه نجح في المرة الرابعة. وتشاء الصدف ان يصحبه زميله (يوسف اسماعيل) الى باريس، وبعد فترة يقصد السفارة العراقية وهناك يلتقي زميل دراسته قنصل العراق (علي حيدر سليمان) الذي يصدر له جواز سفر مؤقت ويعطيه بعض المال لتأمين عودته للعراق، وكان ذلك في صيف ١٩٣٩.
شارك في فوج المجاهدين للهجوم على معسكر الحبانية اثر اندلاع حركة مايس عام ١٩٤١، لكنه اعتقل اثر فشل الهجوم فسجن في سجن العمارة ثم البصرة وبعدها الى نقرة السلمان حتى عام ١٩٤٤ . اعتكف عن العمل السياسي ومارس التجارة حتى قيام ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ ، حيث عين مديرا للسكك الحديدية وناشطا في حركة انصار السلام، ومرة اخرى يتعرض للاعتقال عقب حركة الشواف عام ١٩٥٩ ، ويلجأ الى الاختفاء لمدة خمسة سنوات اثر انقلاب شباط ١٩٦٣ . خرج من جديد عام ١٩٦٨ لكنه كان متعبا ، وتمضي سنين لم يمارس فيها اي نشاط سياسي حتى رحيله عام ١٩٨٥ ، بعد ان قاسى كل اشكال القهر والملاحقة والسجن من قبل الانظمة المتعاقبة، لا لجرم ارتكبهُ، سوى انه كان يحمل فكراً مختلفاً عن فكر الحاكم، وهكذا تبدد طاقات شباب وشابات العراق حتى يبقى الحاكم اطول مدة ممكنة في الحكم .
تعود ذكريات نوري روفائيل وزميله سيتي ابراهام هورش للحياة مرة اخرى هذا العام وفي اسبانيا لمناسبة الذكرى الثمانين لسقوط الجمهورية الاسبانية التي دامت سنتان فقط، على اثر تمرد الجنرال فرانكو وبمساعدة موسوليني والدول المحيطة التي اغرقت اسبانيا بالدم والتي عرفت كولاده وسابقة للحرب العالمية الثانية، تعود تلك الشخوص للواجهة من جديد عشية تلك الاحتفالات وتتصدر صورتهما في تقويم (روزنامة) عام ٢٠١٨ في شهر كانون ثان مع نبذة عنهما وعن مآثرهما البطولية في فريق المتطوعين الاجانب ، بالاضافة الى الكثير من الكتابات التي نشرتها صحف اليسار والمحاربين القدماء وانصار الجمهورية عنهم.

يقول الروائي العالمي ارنست همغواي :" لا أحد مات بشرف ودُفن، كالابطال كالذين استشهدوا دفاعاً عن الجمهورية الاسبانية" .

** هذه المعلومات وغيرها الكثير ستكون جزء من بحث واسع مصحوب بالوثائق والصور عن حياة الشخصية الوطنية والاممية نوري روفائيل يقوم به د. موفق حنا وابنه مارك وناشئه كوتاني، اضافة الى بعض افراد عائلة الراحل، بامل ان ينشر قريبا. تتناول ايضاً الدكتوره مونا حنا في كتابها القادم عن شخصية نوري روفائيل كما رواها جدها خليل جموعة الذي هو ابن خاله.

كمال يلدو
آذار ٢٠١٨

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع