من حكايات جدتي ...السبعون

                                           

                        بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي ...السبعون
حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان

تقول جدتي: زعموا أن محتالاً ومغفلاً اشتركا في تجارة، فسافرا معًا، وبينما هما في الطريق، تخلّف المغفل لبعض حاجته، فوجد كيسًا فيه ألف دينار، فأخذه، فرآه المحتال، فرجعا إلى بلدهما بعد التجارة، ولما اقتربا من المدينة اتفقا على اقتسام المال.

فقال المغفل: خذ نصفه واعطني نصفه، وكان المحتال قد قرر في نفسه أن يذهب بالألف دينار كلها.
فقال له المحتال: لا نقتسم، فإن الشركة والمفاوضة أقرب إلى الصفاء والمخالصة، ولكن أخذ حاجتي، وتأخذ مثلها، وندفن الباقي في أصل هذه الشجرة، فهو مكان أمين، فإذا احتجنا جئنا أنا وأنت نأخذ حاجتنا منه، دون أن يعلم بموضعه أحد، فأخذا منه يسيراً ودفنا الباقي تحت الشجرة ودخلا البلد.
ثم إن المحتال خالف المغفل إلى الدنانير فأخذها، وسوّى الأرض كما كانت، وجاء المغفل بعد ذلك بأشهر فقال للمحتال: قد احتجت إلى المال فانطلق بنا نأخذ حاجتنا، فقام المحتال معه وذهبا إلى المكان فحفرا، فلم يجدا شيئاً.
فأقبل المحتال على وجهه يلطمه ويقول: لا تغتر بصحبة صاحب، خالفتني إلى الدنانير فأخذتها، فجعل المغفل يحلف ويلعن آخذها ولا يزداد المحتال إلا شدة في اللطم، وقال: ما أخذها غيرك. وهل شعر بها أحد سواك؟
ثم طال ذلك بينهما، فترافعا إلى القاضي، فاقتص القاضي قصتهما، فادعى المحتال أن المغفل أخذها، وجحد المغفل.
فقال القاضي للمحتال: ألك على دعواك بينة؟
قال المحتال: نعم الشجرة التي كانت الدنانير عندها تشهد أن المغفل أخذها.
وكان المحتال قد أمر أباه أن يذهب فيتوارى في الشجرة بحيث إذا سئلت أجاب، فذهب أبو المحتال فدخل جوف الشجرة... ثم انطلق القاضي وأصحابه والمحتال والمغفل، حتى وصلوا الشجرة، فسألها القاضي عن الدنانير، فقال الشيخ من جوفها: نعم المغفل أخذها.
فلما سمع القاضي ذلك اشتد تعجبه، فدعا بحطب وأمر بأن تحرق الشجرة، فأُضرمت حولها النيران، فصرخ أبو المحتال مستغيثًا، وخرج وقد أشرف على الهلاك.
فسأله القاضي عن القصة فأخبره بالخبر، فأوقع بالمحتال ضرباً، وبأبيه صفعاً، وأركبه في البلاد مشهوراً، وغرّم المحتال الدنانير، فأخذها وأعطاها للمغفل.
نعود لحكايتنا الاسبوعية: كان هناك ساقي أسمه شهاب، يبيع الماء للناس وهو يتجول بجرته الطينية في الأسواق، وقد أحبه كل الناس لحسن خلقه ولنظافته، ذات يوم سمع الملك بهذا الساقي فقال لوزيره: أذهب وأحضر لي شهاب الساقي؟ ذهب الوزير يبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به الى الملك.
قال الملك لشهاب الساقي: من اليوم فصاعدا لا عمل لكَ خارج هذا القصر، ستعمل هنا في قصري تسقي ضيوفي وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها.
قال شهاب: السمع والطاعة.
عاد شهاب إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد وبالغنا القادم، وفي الغد لبس أحسن ما عنده وغسل جرته وقصد قصر الملك.
دخل الديوان الذي كان مليئا بالضيوف وبدأ بتوزيع الماء عليهم، وكان حين ينتهي يجلس بجانب الملك يحكي له الحكايات والطرائف المضحكة، وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته.
بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن، إلى أن جاء يوم شعر فيه الوزير بالغيرة من شهاب، بسبب المكانة التي احتلها بقلب الملك، وفي الغد حين كان الساقي عائدا إلى بيته تبعه الوزير وقال له: يا شهاب إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة.
تفاجأ الساقي وسأله: وماذا أفعل حتى لا أؤديه برائحة فمي؟
فقال الوزير: عليك أن تضع لثاما حول فمك عندما تأتي إلى القصر.
قال شهاب الساقي: حسنا سأفعل.
عندما أشرق الصباح وضع الساقي لثاما حول فمه، وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته، استغرب الملك منه ذلك لكنه لم يعلق عليه، واستمر شهاب يلبس اللثام يوما عن يوم إلى أن جاء يوم وسأل الملك وزيره عن سبب وضع شهاب للثام.
أجاب الوزير: أخاف يا سيدي إن أخبرتك قطعت رأسي.
قال الملك: لك مني الأمان فقل ما عندك.
قال الوزير: لقد اشتكى شهاب الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي.
أرعد الملك وأزبد وذهب عند زوجته فأخبرها بالخبر .
قالت: من أَغْواه الشيطانُ يقول هذا، غدا يقطع رأسه ويكون عبرة لكل من سولت له نفسه الانتقاص منك
قال لها: ونعم الرأي.
وفي الغد استدعى الملك الجلاد وقال له: من رأيته خرج من باب قصري حاملا باقة من الورد فاقطع رأسه.
وحضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء، وحين حانت لحظة ذهابه أعطاه الملك باقة من الورد هدية له، وعندما هم بالخروج التقى الساقي بالوزير فقال له الوزير: من أعطاك هذه الورود؟
قال شهاب الساقي: الملك.
قال له الوزير: أعطني إياه أنا أحق به منك. فأعطاه الساقي الباقة وانصرف، وعندما خرج الوزير رآه الجلاد حاملا باقة الورد أمسكه وقطع رأسه.
وفي الغد حضر الساقي كعادته دائما ملثما حاملا جرته وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين.
استغرب الملك رؤيته لظنه أنه ميت، فنادى عليه وسأله: ما حكايتك مع هذا اللثام؟ أجاب شهاب: لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة، وأمرني بوضع لثام على فمي كي لا تتأذى. سأله مرة أخرى: وباقة الورد التي أعطيتك؟
قال شهاب: أخذها الوزير فقد قال أنه هو أحق بها مني.
فابتسم الملك وقال حقا هو أحق بها منك، و حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

537 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع