وداعا ابي

                                           

                      نبراس المعموري

وداعا ابي

“أمات أبوك؟ ظلالٌ! أنا لا يموت أبي”

اسبوع اصر فيه على البقاء الى جانبها، و يوم غريب حمل بين طياته مداعبة الاب لابنته؛ بصيغة اختلفت عما اعتادت عليه، كانها عادت طفلة صغيرة، يشتري لها العصير والشكولاته، ويشد يديها خوفا عليها من المارة والسيارات. يعلم انها سويعات لابد ان تستثمر قبل فوات الاوان؛ فقرر ان يقضيها معها ويشاركها شراء مستلزمات منزلها.. تبضعا بعض الاشياء التي مازلت لغاية الان تنتظر من يستعملها! الاقدار غريبة، تمنحك لحظات تسعف الماضي والحاضر، لكنها ترسم ذكرى تبدو سعيدة قبل مغادرة راسمها، وما تلبث ان تتحول الى حزينة بعد موت الرسام.. سوق كبير ضج بصوت المارة..
هنا سوق هرج والانتيكات، وهو ينظر الى ابنته الشغوف بتقليب الانتيكات، بحثا في خفايا عمرها وسعرها.. ظل يردد جميلة الانتيكات كجمال عبر وقصص التاريخ والاجداد.
شارع المتنبي والكتب والاتربة المعتقة فوقها، ونقاشه عن مكتبته التي كانت تزخر بالكتب القيمة وكيف احرقت من دون علمه.
اجواء الميلاد وزينته رسمت معالم الشارع، ووالدي يبتسم مبتهجا بقضاء ليلة راس السنة معي!
الميدان.. تجمع حولنا المارة.. بين بائع ومتسول ودافع عربة يدوية، يسترزق دنانير تعبه.. هنا شجرة الميلاد متوهجة بالاضواء وهناك ستائر غرفة حفيدتيه، وهو يقلب خامتها متمعنا بلونها، ويشير على ضرورة ان تمتزج الالوان بامتزاج اعمار البنات.. وضعت كل الاشياء بعربة يدفعها طفل صغير، وابي يلتفت خلفه.. يعاين تعب ذلك الطفل؛ كي يدفع بدلا عنه.. اكملنا مشوار التبضع بنقاش حاد في السياسة، شارك فيه سائق التكسي بإبتسامة قائلا لوالدي: “يا حجي انت شكد مثقف”.
تلك السويعات التي ودعني فيها والدي وهو يختتم يومه بالغداء مع عائلتي، سمكا مودعا شوك الالم والتعب والقلق.. لم تفارقه الابتسامة.
اليوم تذكرت مقولة جدتي عندما كانت تردد الانسان قبل موته يعلم انه مغادر..
وداعا ابي والاصوات تتشابك من حولي اسمع بين الفينة والاخرى صوتك يناديني.. “كأن الدنيا تبتعد وأنا ابتعد معها.. اسمع نحيبك يأتيني من بعيد”.
و داعا ابي وانا استذكر وقوفك تحت لهيب الشمس لتنتظر انتهائي من عملي في الجريدة
و داعا ابي وانت تحمل سلال الفاكهة والخضرة والطعام لتطعم اولادي
وداعا ابي وانا ابكي كطفلة لم تكتفي من حنان والدها وتخلد الى النوم والدموع تحرقها
و داعا ابي واطفال شارع محلتنا يستذكرون كيف كنت تجمعهم سوية وتاخذهم في نزهة الالعاب
وداعا والحروف ترتجف حزنا والمناً واشتياق
مات ابي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

747 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع