الإبداع هو الجائزة

                                              

                       أسماء محمد مصطفى

الإبداع هو الجائزة

فرحنا جميعا بفوز الروائي العراقي اللامع عبد الخالق الركابي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية / فرع الرواية ، ذلك أنه اسم محفور في ذاكرة الإبداع العراقي بامتياز ، ومسيرته الحافلة بروايات : سابع أيام الخلق ، نافذة بسعة الحلم ، من يفتح باب الطلسم ، الراووق ، قبل أن يحلق الباشق ، ليل علي بابا الحزين ، ما لم تمسسه النار ، مقامات إسماعيل الذبيح ، وروايات ومجاميع قصصية ومسرحيات وكتب أخرى ، تعطي أي متتبع مؤشراً لما عليه هذا القلم الثري الذي يُعدّ رمزا من رموز الإبداع العراقي ، وهو لاشك ، وكأي مبدع عراقي ، لم يتوفر له ما هو متوفر لسواه بسبب ظروف البلد المعروفة على مدار عقود من الزمن الصعب ، الى جانب ظروفه الخاصة المتعلقة بإصابته بمرض أفقده الإبصار والمقدرة على الحركة من قمة رأسه الى أخمص قدمه ، حتى ظن أنه عجز تماما عن الكتابة ، وقد أبدت زوجته استعدادها لتكتب يدها مايجود به رأسه كي يستمر في إنتاج روائعه وهو على فراش المرض .

عاد الركابي يكتب بين جدران أربعة ، سواء أكانت في يوم ما ـ على حد تعبيره ـ طينية يتسرب المطر من خلال سقفها في الليالي العاصفة ، أو إسمنتية تعود لمالك يفرض عليه شهرياً دفع (الجزية) مع التهديد المعروف بالإخلاء في أية لحظة ، أو تعود له .. الركابي اليوم ممتن لتلك الجدران الأربعة التي أفضت به إلى جائزة العويس ؛ وهو ثاني روائي يفوز بها بعد مرور عشرة أعوام على فوز الروائي فؤاد التكرلي ، وكذلك فاز القاص محمد خضير في مجال القصة القصيرة ، فضلا عن فوز الشاعر محمد مهدي الجواهري بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي ، وعلي جواد الطاهر ومحسن جاسم الموسوي بجائزة الدراسات الأدبية والنقد ، وصالح أحمد العلي وعبد العزيز الدوري بجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية ، وعبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر بجائزة الشعر .
استوقفني ماكتبه الركابي في صفحته على فيس بوك من أنه وبمقدار سعادته بفوزه بهذه الجائزة سعد كثيراً بتبدد ذلك الوهم الذي عاشه على مدى عقود من الزمن من كونه بقي حبيس أربعة جدران ، فقد اكتشف الآن فقط أنه لم يكن وحيداً بين تلك الجدران ، بل كانت ثمة عيون محبة تراقبه بحنو، ملاحظة التجاعيد تتعمق في وجهه ، والبياض يعلو شعره رويداً رويداً، تلك هي عيون قرائه الأحباء ، فقد فاضت محبتهم له على امتداد هذا الفضاء الأزرق مبرهنة أنه لم يكن يعمل في غرفة بملايين الجدران ـ كما سبق للماغوط أن قالها ـ بل كان يعمل في غرفة بآلاف العيون .
استوقفني كلامه ليكون مناسبة لأقول ـ لكل المبدعين سواء الذين حصدوا جوائز أم لم يحصدوا ـ ماآمنت به دوماً من أنّ نتاجاتهم النوعية هي الجائزة التي يقدمونها للمعرفة البشرية ، فالمبدعون لاحاجة بهم الى جوائز كي يتأكد لهم او لقرائهم أنهم أبدعوا ، فنتاجاتهم بحد ذاتها هي جوائز يحصدها قراؤهم .. نعم ، نحن نحصد جائزة حين نقرأ مايضيف الى عقولنا فكرة جديدة تتوالد منها أفكار شتى ، والى قلوبنا نبضة أثيرة تطلق مالايحصى من النبضات ، إننا حين نقرأ لمبدع يعرف كيف يحاكي أفكارنا وخيالاتنا ومشاعرنا ويأخذنا الى عوالم جديدة او يضعنا في مواجهة شعرية او ادبية مع واقعنا ، فإننا نحيا حياة جديدة من خلال قلمه وحزمة أوراقه سواء أكانت شعرا أم قصة أم رواية أم أي شكل إبداعي آخر . وكلّ ماعلى المبدع أن يحمل همه هو أن يضع روحه وعقله دائما في مايقدمه من نتاج ، وليس عليه أن يحزن إن لم يتوج جهده بجائزة او تكريم ، بل حتى لو ظنّ ـ في لحظة إحباط ـ أنّ القراء النوعيين قلة ، فلربما ظنه في غير محله ، لاسيما أنّ التأثير قد لايكون مرئيا له ، كما إنّ الكلمة النابعة من القلب والضمير لو غيرت كائناً واحداً فقط من بين ملايين ، اوحتى أثرت فيه او أصلحت فيه اعوجاجاً ، اوتناغمت مع أحاسيسه ، اوحملته الى عالم من جمال ترسمه له ، فإنّ ذلك يمنحها قيمة معنوية ، وإن لم يتجاوز تأثيرها ذلك الواحد .
أما الطاقات الشابة الجديدة فيتوجب عليها أن لاتستعجل الانتشار والشهرة ، بل تتخذ ممن سبقها قدوة في نوعية القراءة والكتابة والتجربة والخبرة ، عليها أن تكد وتنتج وتحرص على الإنتاج النوعي ، وستكون ذات يوم هي الأخرى مناراً لمن يأتي بعدها .. كل ّ ماعليها هو أن لاتستعجل .. فاللحظة الراهنة هي التي ترسم المستقبل ، كما المستقبل في وقت ما ، سيكون الآن ..
وخيرّ ما اختتم به مقالتي .. نتاجاتكم النوعية هي الجوائز أيها المبدعون ، وتاريخ الإبداع العراقي والإنساني فخور بكم .. وتذكروا قول الركابي عبد الخالق .. أنتم تكتبون في غرفٍ بآلاف العيون .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

615 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع