تداعيات عدم اليقين الألماني

                                          

                     د. منار الشوربجي

تداعيات عدم اليقين الألماني

التطورات المتلاحقة التي تشهدها ألمانيا، منذ انهيار مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، تمثل سابقة على صعيد النظام السياسي الألماني بقدر ما تطرح من الأسئلة حول تداعياتها ليس فقط على السياسة الألمانية وإنما أيضاً على مستقبل القارة الأوروبية.

فعلى مدار ثمانية أسابيع كاملة، منذ انتخابات سبتمبر الماضي، جرت مفاوضات مضنية لتشكيل الحكومة الألمانية الجديدة بزعامة أنجيلا ميركل، وهي المفاوضات التي باءت بالفشل بسبب الموقف المتشدد لحزب الديمقراطيين الأحرار. ففي الانتخابات، رغم أن الحزب الديمقراطي المسيحي، حزب ميركل، مني بأسوأ نتيجة منذ عقود، إلا أنه لا يزال الحزب صاحب أعلى نسبة من أصوات الناخبين وصلت إلى 34%.

لكن لأن حزب الاشتراكيين الديمقراطيين حصل على نتيجة بائسة (21.6%) قرر معها عدم العودة لائتلاف الأغلبية مع حزب ميركل، فقد اضطرت الأخيرة للبحث عن ائتلاف أغلبية مغاير فخاضت المفاوضات مع حزبي الخضر، الذي حصل على (9.4%) والديمقراطيين الأحرار الذي حقق نتيجة قوية وصلت إلى 11%. والديمقراطيون الأحرار بتلك النتيجة عادوا للبرلمان بعدما خرجوا منه في 2013.

غير أن حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي كان قد بدل بشكل كامل هيكله القيادي بعد الهزيمة المنكرة في 2013، اعتبر أن «المرونة» التي أدار بها علاقاته مع ميركل وحزبها في الائتلاف الحاكم كانت المسؤولة عن تلك الهزيمة المنكرة، حيث تخلى عنه ناخبوه لأنهم اعتبروه قد تخلى عن قضاياهم لصالح ميركل. لذلك أدار الحزب حملته الانتخابية من خلال زعيمه الشاب كريستيان ليندنر للتأكيد على التزامه بمواقف الحزب.

ثم كان ليندنر هو الذي خرج للعلن ليؤكد فشل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة قائلاً إنه «من الأفضل ألا تحكم على أن تحكم بشكل سيئ».

وفشل مفاوضات تشكيل الحكومة، رغم أنه ليس مستغرباً في النظم البرلمانية عموماً، إلا أنه يشكل سابقة بالنسبة للنظام الألماني. ودور الرئيس الشرفي في هذه الحالة رغم أنه معتاد في النظم البرلمانية إلا أنه يمثل هو الآخر سابقة هي ربما الأولى من نوعها في تاريخ ألمانيا.

والرئيس الألماني، فرانك والت شتاينماير، رغم أنه ليس غريباً على الساحة الألمانية بل والعالمية، كوزير خارجية سابق، إلا أن دوره كرئيس لألمانيا اتخذ بعداً مهماً يذهب لما هو أبعد من الأدوار الشرفية.

فوفق الدستور الألماني، فإن الفشل في تشكيل حكومة أغلبية يرمي بالكرة في ملعب الرئيس الذي يكون عليه أن يختار «مستشاراً» يتم طرحه على البرلمان للتصويت، فإذا ما حصل على الأصوات اللازمة، يتولى المستشار الجديد العمل على تشكيل الحكومة الجديدة. وهي المهمة التي لو لم ينجح في تحقيقها يتم الدعوة لانتخابات جديدة.

لكن الرئيس الألماني بدأ العمل بخطوة تسبق ذلك كله عبر دعوة الأحزاب للاجتماع به وذلك للضغط عليها لتشكيل حكومة أغلبية.

وهو ما يحمل في ذاته عدة مفارقات جديرة بالانتباه. فالرئيس الألماني، الذي كان قبل توليه الرئاسة ينتمي أصلاً للحزب الاشتراكي الديمقراطي، هو الذي ضغط على حزبه أكثر من أي حزب آخر للتخلي عن موقفه الرافض للدخول في ائتلاف حاكم. وقد أسفرت ضغوط الرئيس فعلاً عن تحسن ملحوظ، حيث صار الحزب منفتحاً على مفاوضات مع الحزب الديمقراطي المسيحي لتشكيل الحكومة.

أما المفارقة الثانية، فهي أن الرئيس الذي كان غريماً لميركل فيما سبق، صار اليوم أهم حلفائها في السعي لتشكيل حكومة أغلبية دون اللجوء لانتخابات جديدة.

ورغم أن الدستور الألماني يعطى حكومة تسيير الأعمال الحالية بزعامة ميركل صلاحيات كاملة لإدارة شؤون الحكم، ولا يضع حداً أقصى للمفاوضات من أجل تشكيل الحكومة، إلا أن الوضع الحالي يخلق حالة من عدم اليقين داخل ألمانيا وخارجها. فمجرد الحديث عن انتخابات جديدة، كانت ميركل قد فضلتها في بداية الأمر، أثار القلق داخل ألمانيا وخارجها بخصوص النسبة التي قد يحققها اليمين المتطرف بعد أن حقق فوزاً مهماً بحصول حزب البديل الألماني على 13% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة.

إلا أن عدم اليقين الألماني يخلق أيضاً قلقاً في أوروبا عموماً. فألمانيا ظلت هي الدولة المهيمنة في الاتحاد الأوروبي.

وحالة عدم اليقين السياسي في ألمانيا هي آخر ما تحتاجه القارة اليوم التى تجتاحها الحاجة لاتخاذ قرارات كبرى، على رأسها مثلاً المفاوضات مع بريطانيا بخصوص البريكسيت، ومن أهمها الديون اليونانية.

ورغم أن هناك تكهنات بأن الفائز الأول من عدم اليقين الألماني هو أنصار البريكسيت في بريطانيا لأنه يضعف يد ميركل في المفاوضات، إلا أن غياب ميركل بشكل كامل عن الساحة السياسية يظل مستبعداً.

وعدم اليقين الألماني معناه في الحقيقة أن الكثير من القضايا الداخلية الألمانية مثل الهجرة، والخارجية مثل الشراكة الألمانية الفرنسية ستشهد ترحيلاً نسبياً في حسمها. السؤال، إلى أي مدى يؤثر ذلك الترحيل على تلك القضايا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

667 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع