النمرود العراقي الجديد

                                     

                       إبراهيم الزبيدي

النمرود العراقي الجديد

تتفق المصادر التاريخية على أن نمرود هو إبن كوش وحفيد نوح. والأهم أنه كان أول ديكتاتور بلغ به الغرور حد ادعاء الألوهية، رافضا جميع الرسل من الملائكة الذين أرسلتهم السماء لهدايته، قائلا: "أنا أحيي وأميت، أقتل من شئت، وأستثني من شئت فأدَعُه حياً لا أقتله". 

وكان الناس يأخذون طعامهم منه، وذات مرة جاء معهم النبي إبراهيم لأخذ طعامه، فسأله النمرود، : مَن ربُك؟، قال "ربي هو الذي يُحيي ويميت" . قال "أنا الذي أحيي وأميت"،
قال "إبراهيم" : "إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب"، فرده النمرود عن الطعام.
ثم سلط الله طوفانا من البعوض أكَل لحومَ الناس جميعا، وشرب من دمائهم، إلا نمرود، فلم يصبه منه شيء، فأرسل الله إليه بعوضة دخلت في أنفه، ومنه إلى دماغه، وظل أربعمئة عام يُضرب بالمطارق والنعال لتهدأ البعوضة.
والفكرة في هذه المقالة هي أن لدينا في العراق الديمقراطي الجديد واحدا أصابته لوثة الألوهية حتى صار يعتقد بأنه هو الذي يُحيي العراقيين ويميت، وبأنه مُطعمهم وكاسيهم.
والحقيقة الصارخة أن العراقيين، جميعَهم، ينتظرون، للخلاص منه، بعوضةً تدخل في أنفه، ليبقى يصفع بالمطارق والنعال إلى أن يموت.
في آخر تصريحاته التي أعلنها مكتبه قال، "إذا كان الحسين (ع) رمزنا، حقيقةً، فعلينا أن نتخذه قدوة وأسوة في مسيرتنا. وأيضاً ينبغي علينا جميعاً أن نبذل ما بوسعنا للرقي بأنفسنا إلى مستوى تضحية الحسين (ع) وأهل بيته (ع) وأصحابه الكرام لكي نحظى بالانتماء إلى مدرسته المتكاملة".
نعم، إن نمرودنا العراقي اتخذ من الإمام الحسين قدوة وأسوة في مسيرته، ونعم القدوة والأسوة، بالدليل القاطع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وكأن الإمام الحسين اختلس، وزور، ونافق، وغدر، واغتال، وظلم، وتآمر، وفرق بين الناس، ولفق الأكاذيب، وأسس المليشيات، وكان عميلا لدولة خارجية، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
فقد أثبت، بسلوكه المزاجي الانفعالي غير المتزن وغير المستقيم، طيلة سنوات حكمه، أنه أصغر كثيرا من الكرسي الذي جعله يتسلط على شعب عريق كالشعب العراقي متنوع المذاهب والطوائف والأديان والقوميات، وغني بالآلاف، وربما الملايين، من أصحاب الموهب والكفاءات والخبرات وحملة شهادات العلوم والفنون والآداب ولاقتصاد والسياسة.
ورغم أنه جرب حظه في الدورة الأولى من رئاسة الوزراء، والتي هبطت عليه من غير أن يحتسب، وبساعة مزاج زلماي خليل زادة، فإنه لم يحترم نفسه وشعبه ويعترف بفشله وجهله في السياسة وتطفله على القيادة ثم ينسحب بهدوء وكرامة، بل استمات من أجل العودة إلى الرئاسة دورة ثانية. وقد انتزعها 2010 بقوة الإرادة الإيرانية الأمريكية، وبركات مسعود البرزاني الذي كان أو من ينقلب عليه.
ثم، وبعد كل الذي جرى وصار في السنوات الثماني الغابرة التي حكم فيها، ورغم سقوطه المدوي، وطرده من السلطة شر طردة، وبرغم كل محاولات الشعب العراقي طيَّ صفحاته السود، ما زال لاصقا بظهور العراقيين كالقرادة، وما زال يتآمر ويزور وينافق ويتاجر بدم الإمام الحسين وآل بيته من أجل العودة إلى الرئاسة، في دورة ثالثة.
ويظن كثيرون بأن عصا الولي الفقيه المُسلَطة على ظهورالعراقيين تريد عودته إلى الحكم من جديد.
وكأنه فقد السلطة، وكأنه ليس حاكما بأمره في الصغيرة قبل الكبيرة، وليس المتصرف بشؤون القصر الجمهوري ورئاسة الوزارة والبرلمان والداخلية والدفاع والمالية والبنك المركزي والمخابرات ومخازن السلاح والفواكه والخضار والملاهي ونوادي القمار.
ولو صدقت هذه الظنون، وتأكد للعراقيين أن الانتخابات القادمة مفصلة ومَخيطةً على قياسه، فإن أبواب جحيم جديد تريد دولة الولي الفقيه فتحها على العراقيين، وأن حربا أهلية حقيقية، هذه المرة، ستشتعل، لا في الشارعين، السني والكردي، فقط بل في الشارع الشيعي العربي ذاته الذي قال كلمته في النمرود العراقي، باستقباله بالحجارة مرة، وبضرب صُوره بالأحذية مرة أخرى، في محافظات شيعية تزعم دولة الولي الفقيه بأنها جاءت لنصرتها وحمايتها من كل مكروه.
فقد ثبت، بالوجه الشرعي الملموس، أنه طائفي لآخر نفس. وفضائحُه وفضائح ولده وابنته وصهره وأقاربه التي تتكشف كل يوم وتسير بها الركبان لا تعد ولا تحصى.
وإعلانُه الشهير المعيب (ما ننطيها)، وتهديدُه بـ (بحور الدم) كافٍ لإثبات همجيته وأنانيته ونوازعه الديكتاتورية وكذب ادعاءاته السابقة باحترام صناديق الاقتراع والحفاظ على الديمقراطية وعدم المساس بالدستور ومبدأ التداول السلمي للسلطة.
وقد أسبغ رعايته الكاملة على أصحاب الشهادات المزورة، وهم بالآلآف، ورفض استرجاع الأموال المختلسة التي حصلوا عليها بتلك الشهادات. وتستر على المختلسين حتى بعد أن يدينهم القضاء، وقام بتهريبهم إلى خارج العراق، إذا كانوا من حزبه أو من خاصته المقربين.
وقامت وزارة (عدله)، باعتراف وزيره نفسه، بتهريب أعداد من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، وسهلت عبورهم إلى سوريا.
ثم تلاعب بالقضاء. حتى صار يأمر فيطاع. ألم يحكم القضاء على سياسيين عديدين من خصومه، بتهم الإرهاب أو الاختلاس، ثم أسقطها نفس القضاء بعد حين، بأوامر الرئيس أو أحد سماسرته المعتمدين. وما حدث مع مشعان الجبوري ما زال حديث المجالس.
وبعثر المال العام، مزاجيا وبحسابات شخصية خالصة، فتبرع لدول مجاورة بنفطٍ أو بملايين من الدولارات، دون إذن من أحد أو مشاورة مع أحد. وغض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسل المليشياتٍ الطائفية الحاقدة إلى سوريا لحماية عرش حليفه وحليف ولي نعمته الإيراني، الأمر الذي أطال أمد الحرب وزاد من تعقيدها، غير عابيء بما يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية على أمن العراق نفسه في الغد القريب والبعيد.
فبأي وجه، وبأية شريعة تريد دولة الولي الفقيه إعادته إلى الرئاسة، وهو الذي لا يستحق منها، ولا منا، سوى بعوضةٍ تدخل في أنفه، ومنه إلى دماغه ليصفع بالمطارق والنعال إلى أن يموت؟؟؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع