الاحتجاج الجماهيري في ساحة التحرير و استفتاء اقليم كوردستان

                                                  

                            د.مؤيد عبد الستار

الاحتجاج الجماهيري في ساحة التحرير  و استفتاء اقليم كوردستان

(الحرية لايمكن ان تعطى على جرعات ، اما ان يكون المرء حرا او لا يكون . نيلسون مانديلا .)

منذ سقوط نظام العصابة الصدامية عام 2003  والشعب العراقي بعربه وكرده واطيافه يتطلع الى حياة حرة كريمة يعيش فيها المواطن سعيدا منعما بخيرات العراق الوفيرة . فاسعار النفط قفزت  وانهالت المليارات من الدولارات تصب في خزينة العراق بلا حساب ، ما جعل مدن كردستان تزدهر بالبناء والاعمار والمطارات والحدائق والمشاريع ، فكانت المقارنة مع مدن الوسط والجنوب المهملة ومدن الغربية المدمرة بالحروب  لدرجة تمنى فيها  المواطن العراقي العربي ان تتطور مدنه الى مصاف المدن الكردستانية اربيل ودهوك والسليمانية .
وكان حديث المقارنة عاليا في جميع البرامج التلفزيونية والقنوات الفضائية العربية .
وشاهدنا كيف غرقت  بغداد والمدن العراقية الاخرى في الوسط والجنوب في مياه الامطار و الاهمال ونال منها فساد المسؤولين اداريا وماليا ، واستولت على رقابها ايدي  الاقارب والاهل وتقاسموا المحافظات والشوارع مثلما تقاسموا المساجد والحسينيات والسفارات والقنصليات وغيرها مما يدر حليبا او ينتج زرعا .
وبدأ احتجاج الجماهير يتصاعد ، حتى المرجعية الدينية تنبهت الى الدرجة العالية من الفساد فاغلقت ابوابها بوجه السياسيين كاجراء احترازي واحتجاج يندرج ضمن مسميات الاحتجاج السلبي .
ولكن الجماهير لم تطق صبرا لما آل اليه حال المدن واحوال الناس ، فبدأت الجماهير  تخرج للاحتجاج تارة تحت عباءة رجل الدين ، الذي يوفر لها سقفا من الشرعية الدينية ، وتارة تحت راية الديمقراطية التي تستمد شرعيتها من الدستور ، والتي ظلت اصغر هامش تستطيع القوى الوطنية والتقدمية استخدامه لتأمين حراكها السلمي ومطالبها المشروعة .
تجرأت الجماهير  التي احتمت بعباءة رجل الدين على كسر حاجز الخوف ، فهاجمت البرلمان واقتحمته  ودمرت رمز السيادة فيه - قنفة المجلس - فاهتزت اركان الحكم المتورط بالرشوة والفساد والشهادات المزورة والوظائف الوهمية ، وتشجعت جموع المواطنين على رفع سقف مطالبها بالاصلاح ، فاضطر رئيس الوزراء العبادي الى تهدئة الجموع والاعلان عن مسرحية اصلاح لم يجد فيها المواطن العراقي نفعا ولا ضرا ، ولذلك استمر الاحتجاج يتصاعد .
حاولت هيئة النزاهة الظهور بمظهر المحاسب للفساد ، ولكن ظلت ملفاتها مركونة فوق الرفوف العالية ، وظل سراق المال العام  في سجل المجهولين  وظلت ملايين الدولارات في جيوب اللصوص  ينعمون بما سرقوا ونهبوا من اموال العراق ويرتعون  في دول بعيدة  لا خوف عليهم  ولا هم يحزنون .
تطور الاحتجاج الجماهيري حتى غدت ساحة التحرير تجمعا للالاف من المحتجين الذين يتقاطرون كل يوم جمعة يرفعون اصواتهم منددين بالفساد المالي والاداري ولكن الحكومة ورئيسها العبادي واركان الاحزاب الاسلامية استمروا على وضع الشمع في آذانهم يصمون سمعهم عن اصوات الاحتجاج ، وتشبهوا برئيس الوزراء العراقي نوري السعيد الذي كان دائم الترديد لمقولة دار السيد مأمونة  كلما واجهه احد بصوت المواطنين واحتجاجهم حتى ذهب جسده هباء منثورا في شوارع بغداد تسحله الجماهير مثلما سحلت تمثال صدام وانهالت عليه ضربا بالنعال .
لا مناص من التأكيد في هذه الاجواء المضطربة من ان الحكومة الحالية والاحزاب الاسلامية المتحكمة برقاب الناس ، والمستفيدة من الجهل والمستندة الى سياسة تجهيل المواطنين وتغييب وعيهم بالخرافات والخزعبلات والطقوس والشعائر الدينية والهلوسات المذهبية ، ستواجه مصيرها المشؤوم الذي لا يختلف عن مصير نوري السعيد او مصير صدام ، وسينتهي بها المطاف الى الهروب الى اقرب حفرة لتدفن فيها ما سرقته من اموال المواطنين وما شربته سما زعافا من دمائهم .
ان الاحتجاجات الجماهيرية اثمرت اليوم بجرأة اقليم كوردستان على المطالبة بالاستفتاء من اجل الاستقلال ، فقد عجز اقليم كوردستان عن مطالبة الاحزاب الاسلامية الحاكمة بتنفيذ تعهداتها التي دأبت على التسويف والمماطلة في تحقيقها في جميع مفاصل الدولة لا مع الاقليم فقط ، حتى ابسط مواطن اصبح يعاني الامرين  من اجل الحصول على ابسط حقوقه في التقاعد او في اعادة امواله المسروقة او في اخراج هوية الاحوال المدنية او في الحصول على وثيقة تخرجه او شهادة وفاته !!!! ولا يستطيع لذلك سبيلا الا من خلال دفع الرشوة او الوساطة .
اما الحصول على وظيفة او على عمل فلا بد من دفع الدفاتر الخضراء او التوسط  لدى اقارب الاحزاب والتذلل لوكلائهم وهذا ما نلاحظه ايضا على شغل الوظائف في السلك الدبلوماسي والخارجية في سفارات الحكومة وقنصلياتها ، فابناء وزوجات مسؤولي الاحزاب واقاربهم احتلوا السفارات وعاثوا فيها فسادا .
ان اعلان اقليم كوردستان اللجوء الى الاستفتاء هو اخر الدواء الذي اضطر اليه، ومثلما قالت العرب اخر الدواء الكي ، كذلك اضطر اقليم كوردستان الى اعلان الاستفتاء بعد ان عجز عن الحصول على ابسط الحقوق في تطبيق المادة 140 او الحصول على رواتب الموظفين التي قطعها المالكي واستمرت الحكومة على قطعها وتجويع المواطنين الكورد دون وجه حق ، وبحجج واهية ، من قبيل سرقة نفط كركوك  ، والحقيقة ان نفط البصرة الذي يسرق ليلا ونهارا هوالذي يجب ان تحاسب الحكومة على ضياعه لا نفط كركوك الذي لا يبلغ 10% من نفط العراق الذي يذهب الى جيوب المسؤولين ليهربوه الى بنوك الدول الاوربية والشرقية .
ان عرب العراق سيشدون على ايدي الكورد في قرارهم هذا للخلاص من عبودية الاحزاب الطائفية  التي لم ترعوي من سرقة اموال الناس وخيرات العراق وتركت البلاد غارقة في ظلام الجهل والفقر والمرض . فاينما تتجه انظار المواطنين لاترى الا خرابا في التعليم والكهرباء والخدمات البلدية والصحة والعمران  ... الخ .
لا شك ان المواطن العراقي سيفرح حين يجد كردستان تحقق خطوة متقدمة في طريق الحصول على الحقوق المشروعة لتبني وتعمر ارضها و تنعم على مواطنيها بالعيش الكريم بعد ما عانوه من شظف العيش في ظل حكومات جاهلة خربت العراق وعاثت فيه فسادا .
ان  تقديم الدعم العربي لكردستان العراق لتنال حقها في التقدم والحرية والاستقلال  هو الطريق الوحيد للعيش بسلام وتحقيق الاستقرار بدلا من قرع طبول الحرب والويل والثبور التي تدقها الاحزاب الطائفية التي تتحكم بمصير البلاد .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1096 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع