فصة قصيرة رقم (٣) شاحنة الموت!

                                                       

                                مهند النابلسي

فصة قصيرة رقم (٣) شاحنة الموت!

 نام مرهقا ، تخيل الجنين المتكون في احشاء زوجته ، فكر بعملية الاغتيال التي  تتم في  وضح النهار ، وبالحشود العسكرية المتكالبة ، وتذكر صورة الكلب  الرئاسي الأسود الذي تساوي قيمته قيمة الف انسان ، ثم انتقل بتفكيره للوظيفة الروتينية ولنكد الحياة اليومي ... فكر بايقاع الزمن ، وبالصوت الميكانيكي لدقات الساعة ، وكأنها جرس انذار بخطر الشيخوخة والموت القادم لا محالة ... فكر بسيارته القديمة ، وسرح بخياله فتخيل نفسه مستثمرا كبيرا في أسواق المال العالمية ... حتى عندئذ لن يكون سعيدا ن لأنه سيقضي ليله أرقا يفكر في  العقارات والرصدة والاستثمارات ، وماذا لو انهارت البورصات العالمية وفقد عندئذ ثرواته الخيالية ؟!
قرر أخيرا ان ينام مطمئنا ويلوذ بايمانه ، فقد تصالح أخيرا مع الله ، تذكر انه حقق اعظم انتصار له في  الحياة منذ حوالي عشرين عاما ، عندما تفاوض  مع الموت ، وقد نجح باقناعه في ان يتركه بحال سبيله  ولو مؤقتا على الأقل ، فقد استدرك مرعوبا انه كان يجب ان يكون ميتا وعظاما رميمة ، فقد تجاوزته حينئذ شاحنة هائلة كادت ان تسحق  سيارته المازدا الرياضية على أطراف  الربع الخالي  ، فقد أخطا التقدير عند الغروب وضلله بصره المرهق ، فتخيل الأضواء الباهتة للشاحنة القادمة باتجاهه  وكأنها تسير على نفس  المسرب امامه ، فتخطى بثقة الشاحنة التي تسبقه ، وفوجىء متاخرا عندئذ  بقدوم "شاحنة الموت " ، فتفاداها برباطة جأش  نادرة لا يعرف من اين أتته ! وداس بعنف على المكابح منحرفا باتجاه كتف الطريق الترابي ، متفاديا بانشات اصداما مروعا مرعبا ، وقد نتج عن انحرافه المفاجىء السريع  ودوسه العنيف على المكابح اهتراء كبير  في  الاطارات وفقدان لافت لاتزان السيارة ... فأكمل الرحلة لمكان عمله في  بلدة صحراوية منسية  بالطرف الشرقي ، وكان جسمه  كله مع يديه يرتجف مع ارتجاج مقود السيارة ! اذن فقد نجا من موت محقق ، فلابد ان يكون هناك مغزى من ذلك ، فهل يحمل يا ترى رسالة انقاذ ؟!
دخل المطبخ لتجهز الشاي ، فشاهد على "شبك" النافذة المعدني المغبر سحلية رمادية ضخمة تلتهم فراشة كبيرة ملونة ، ثم شعر  بوجود صرصار أشقر كبير بدا وكانه يراقب بحذر مشهد الافتراس ، فأصابه اشمئزاز ، وعندما غلي  الماء ، اقترب   خلسة من الصرصار ، وسكب الماء الساخن فوقه بهدؤ  ، فسمع حشرجة الم قاتل ... ثم جلس يرتشف الشاي ، ويداه ما زالتا ترتجفان بايقاع بطيء ، وفكر بفلسفة وتحذلق :
ما نفع السحلية والفراشة والصرصار ؟ ولماذا خلقها الله ؟!
وهل سيأتي  يوم تنتقم فيه الفراشة من السحلية  والصرصار من الانسان ؟!
ومتى سيتم تبادل الأدوار  بين الضحية والجلاد ؟ ثم فكر بواقعية : بما ان الموت حق ويمكن وقوعه في أية لحظة  وأي  مكان " ولا تدري نفس بأي أرض تموت " ، اذن لأكتب  وصيتي ، تناول ورقة وقلما وكتب عدة مسودات ومزقها ، وعاد لكتابة العبارة التالية : اني ابتدأت ثرى وعدت هباء منثورا ! ، اذن اكتبوا هذه العبارة على شاهد قبري  بعد أن تكتبوا : انا لله وانا اليه راجعون ! ووضع الورقة في  غلاف وكتب  " وصيتي ... لا تفتح الا بعد موتي " !
مهند النابلسي
كاتب  فلسطيني مقيم في  الاردن
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

552 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع