لماذا نكتب ولماذا نقرأ

                                                    


                              د.ضرغام الدباغ

لماذا نكتب ولماذا نقرأ

15/ أيلول / 2017

أعمل بهمة بترجمة كتاب من مراجع عديدة عن حركة المقاومة في الأراضي السوفيتية التي أحتلها الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية. والكتاب زاخر بالعبر المثيرة جداُ، حتى ليتساءل المرء هل يعيد التاريخ نفسه بأسماء جديدة صور وتعابير جديدة. حتى ليتساءل ألمرء ألم يقرأ قادة القمع والتصفيات، كتب التاريخ ..  كلا بالتأكيد ولو قرأوها لأستفادوا وعرفوا سلفاً مآل ما يفعلون.

منذ مطلع شبابي وأنا مولع بقرأءة كتب الثورة، وأدب الرفض،  أضافت لها تجربتي السياسية والنضالية الكثير، وفي سنوات السجن الطويل، زارني الصديق والرفيق القديم الدكتور رشدي طالب الرشدي، أستاذ الأدب الألماني (أختصاص أدب المقاومة العربي / الألماني) ورشدي أيضاً زميل الدراسة الجامعية، إذ تزاملنا في مرحلة الدكتوراه في جامعة لايبزغ / ألمانيا، وسألني عما أحتاج، فطلبت منه كتب ألمانية فقط. وفعلاً أهداني عدة كتب أدبية وكلها من أدب المقاومة،  غير التي عندي، فأشتغلت كثيراً في السجن وترجمتها وغيرها إلى العربية، كانت الكتب خير معين لتحمل تلك السنين، فترجمت نحو عشرين كتاباً، وبقدرها أو أكثر كتب تأليفاً. حتى أني طلبت من صديقي الصدوق نجاح عبد الرحمن حياوي طيب الله ثراه كتباً باللغة الألمانية، فقلت له أن الكتاب والعمل أصبح بالنسبة قضية حياة أو موت، فغر فاه دهشة رحمه الله، وفعلاً أمدني بالكثير منها، كان يبحث عنها في كل مكان ببغداد.

كنت قد ترجمت في وقت بعيد (1986)، كتاب " الحرب الأهلية الأسبانية " ووقتها عرض علي مبلغ كبير 10,000 دولار ولكني لم ابع الكتاب، ولكن عندما طبع ونشر عام 2012، لم أستفد بسنت واحد منه .. لاحظ تغير أحوال الدنيا.. ولكن الكتاب حضي على كل حال بتقريض كبير. وتوالت أعمالي في تاريخ حركة المقاومة، في العديد من البلدان، في أسبانيا، والمقاومة الفرنسية، وتاريخ الثورة الأمريكية، وتاريخ الثورة الكوبية، وتاريخ المقاومة الألمانية ضد النازي (رواية)، وأخيرا المقاومة الروسية.

الأحداث تتكرر كما أسلفت، وخير من وصف هذه المتوالية التاريخية الكانب الفرنسي الكبير هنري آمور بقوله " الاحتلال الألماني لفرنسا : مقاومون أبطال  ــ متعاونون خونة " هذه الثنائية تتكرر عبر التاريخ وفي كل البلدان، ومن يتأمل ويفهم التاريخ بوصفه علماً مادياً يفهم هذه الثنائية مع وجود عناصر أخرى جانبية. المقاومون لهم منطقهم أن لابد من الحفاظ على الوطن، المحتل مهمته تدير البلاد، ولم يشهد التاريخ لليوم مستعمراً شريفاً، والقضية لا تحتاج إلى ثقافة، بل غيرة الإنسان على بيته فقط. وأذكر أني قرأت مرة نصاً بليغاً، كان جنرال فرنسي مستعمر يحدث رؤساء القبائل في المغرب أو في الجزائر، يحدثهم ويسهب في الحديث، وأخيراً بعد أن شاهد عدم تفاعلهم حديثه، قال:" أنتم لا تفهمون، نحن سنعمر هذه البلاد ونعلمكم الحضارة ".  فأجابه أحد زعماء القبائل، نحن نفهمك ونريد أن نصدقك، ولككنا لا نرى معكم سوى المدافع والقنابل والطائرات والجنود، ولم نشاهد طابوقة واحدة. ولم تبني فرنسا ولا بريطانيا ولا أميركا ولا إيران، وإيران ليست دولة استعمارية (كوصف علمي، المستعمرون دول صناعية) بل توصف حسب تكوينها وسياستها دولة همجية، فكل ما شاهدناه هو التخريب والقتل ومحاولات لمحونا ...!

مرة سألت بروفسور ألماني في كليتنا، قلت له: نحن ندرك بشكل علمي رياضي، ان الاستعمار والإمبريالية خسروا ويخسرون وسيخسرون كافة مشاريعهم التوسعية، وإذا كنا أنا وأنت نعرفها، ألا يفهمها الإمبرياليون والمستعمرون، قال طبعاً ولذلك تراهم يبالغون في القتل والنهب، ويبتكرون طرقاً جديدة يعتقدون أنها ستنقذ نظامهم.

من يعرفني سياسياً يعرف أني لست من هواة إحراج الآخرين، ولكن الأمور في سياقاتها هي تأتي هكذا:ـ

•مرة سألت صديقاً يضع نفسه في مقدمة من يحارب الإمبريالية، ولا يقبل بالدرجة الثانية ..! كيف يتسق هذا الكلام وتعاونكم مع الإمبريالي المحتل للوطن .. قال لي لا إمكانية لدينا لنحارب المحتل ..! هكذا والله أجابني، فقلت له أنا شاهدت بعيني بيان لحزبكم في الثمانينات يقول " قتلنا (كذا عدد) من أفراد جيش العدو ..! فكر ملياً وقال لي النقاش صعب معك .
•قلت مرة لصديق أحبه، إيران ستهدم العراق حتى آخر جدار، وهي موقنة بأنها ستخرج يوماً .. وإلا من يريد البقاء لا يهدم مكاناً سيسكن فيه ..! الجواب ... صمت البحر مع الاعتذار الشديد للرواية العظيمة.
•قلت مرة أيضاً لصديق، عن الأزمة الاقتصادية في البلاد، وكيف أنها مرشحة للتصاعد، قال لي لا الوضع الاقتصادي  جيد، أدركت أنه لا يفهم في الاقتصاد، فقلت له ألا تسمع أن المبالغ التي دخلت العراق، تعادل أضعاف مضاعفة ما دخل العراق في تاريخه، قال بلى، قلت له ولماذا لم ينصلح وضع الدينار العراقي.
•المطلوب أن يتواصل مسلسل العراقي يقتل العراقي، لا يهم تحت أية مسميات، المهم الجوهر، أن يعادي كل عراقي شقيقه، سيخترعون لك مسميات، اليوم وبعد مرور خمسة عشر سنة، العراق يخسر بأستمرار، هناك فئة متعاونة فاسدة، نهبت وسرقت، ولكن البلاد دمرت والمخطط يقضي بدمار متواصل.

الغريب أن لا يعرف المثقف العراقي، حتى المثقف إلا القليل بل والقليل جداً من أحداث خطيرة ..هنا من المذنب ؟ المثقفون أولاً، دور النشر ثانياً، من يدعي نفسه له مرجعية سياسية أو ثقافية. ونلاحظ أن لا أحد يريد المثقف العالم، بل الجميع يستبعدوه، وخاصة الحكام، فهناك عداء قديم بين الحاكم والعالم، كتب عنه أفلاطون وأرسطو، وأبن خلدون وحكماء العرب ..وكنت أتساءل، أهل من المعقول أن لا يدرك الناس حقيقة ما يجري ؟ ألا يرون أن الوطن كل يوم من سيئ إلى أسوء ..ألا يشاهدون، أفلا يسمعون ..نعم ندرك أن ليس كل من يعرف السوء يمتلك الإرادة أولاً ثم القدرة ثانياً على أن يقف بوجه الكارثة، من يقف بشجاعة ربما سيقتل دون قناعاته، ولكنه إن سكت سيقتل حتف أنفه، والفارق كبير بين الحالتين، الأولى مشروع استثمار وطني، والقتل الثاني يموت هباء منثوراً .. وأجزم أم الغالبية العظمى ممن قتلة كانوا من الدرجة الثانية ... هباء منثوراً ...

الفرق بين من يقرأ والذي لا يقرأ بسيط / كبير.. الذي يقرأ يعلم يعرف ما يمكن أن يحدث إذا مسك تياراً بقوة 220 فولت، والذي لا يعلم، يتصور أنه ما بيها شي مجرد شريط فليجرب، ولكن لا فائدة من التجربة، لأنه صار هباء منثوراً....

أخواني، والله إذا لم تنتبهوا، وتنتبهوا، وتنبهوا، فإن مسلسل الكوارث والله سيتواصل .. كل أشتباك حتى بالكلام  هو خسارة للعراق وشعب العراق.. أنتبهوا الأعداء قد لغموا الطرق بألغام لم تروها ولم تسمعوا بها من قبل ....لا تأسركم المسميات والعناوين .. أنظروا إلى جوهر الأمور.. أتحدوا .. أتحدوا .. أتحدوا

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

656 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع