دولة كوردستان بعد خریف الإستقلال

                                                 

                           الدکتور سامان سوراني

دولة كوردستان بعد خریف الإستقلال

نعم جدلیة التاریخ ترشدنا بأنە في النهایة سوف یکون الإستقلال قدر الأوطان وأنّ الشعوب الساعیة لإرساء الحقوق الدیمقراطیة یتمکن بعد تقریر مصیر مناطقه و حقوقه خلق السلام والأمان والإستقرار. ومن یعتقد بأن إستقلال شعب محب للسلام، شعب یمد ید التآخي والوئام الی شعوب المنطقة، لاینهي المشاکل التاریخیة فهو أكثر من واهم. واقع الحال یثبت لنا بأنه بعد كل هذه التحولات الجذرية في المنطقة والتي شكلت فرصة وجودية أمام شعب كوردستان لیدلي في یوم ٢٥ من شهر أیلول عام ٢٠١٧ بصوته في استفتاء تاريخي يمهّد لتأسیس دولة كوردستانية لها کافة المقومات الأساسیة. دولة تُبنی علی أسس الفدرالیة والدیمقراطیة والمدنیة و الحریة والتعایش المشترك وفق إرادة شعب.
هذا الإنجاز المرتقب هو مکان إعتزاز و فخر لشعبنا، الذي شقّ طریقاً طویلاً محفوفاً بالصعوبات والتحدیات و سوف یکون لإستقلالنا أثر إيجابي علی السلام والإستقرار الدولي والإنساني.
شعب كوردستان یعیش وللأسف منذ قرن من الزمان، أي منذ إنیهار الإمبراطوریة العثمانیة الفاسدة والمریضة عام ١٩١٨ وبعد تطبیق إتفاقیة سایكس-بیکو المشؤومة إجحاف دولي لا مثیل لە. ففي أطراف كوردستان أجیز إنشاء دول قومیة علی حساب جغرافیتها السیاسیة، حکومات وأنظمة تلك الدول كانت ومازالت الی الیوم دکتاتوریة، قومیة، شوفینیة، فاشستیة و طائفیة.
نحن لا نرید تکرار التجارب المریرة التي مرّ بها شعبنا خلال مئة عام. نرید أن نطبق حقوقنا في تحقیق الذات لنقدم للإنسانیة جمعاء تجربتنا في العیش المشترك وصون حقوق الكیانات وتأصیل التعددیة الثقافیة.
عجبي کل العجب من رؤوساء وقیادات الأحزاب السیاسیة الدینیة الشمولیة الفاشلة في العراق العربي الطائفي بشقّیه الشیعي والسني أن یستخدموا لغة التهدید والوعید یحذرون بها شعب كوردستان من عواقب إصرارهم علی الإستفتاء نحو الإستقلال.
قیادات تلك الأحزاب والتیارات التي تعیش خارج قوامیس الثقافة والحضارة یطالبون شعب كوردستان بالبقاء في إطار شراکة مزیفة بإعتبارهم أشقاء في الوطن، لکنهم جمیعاً وطوال مایقارب ١٤ سنة بعد سقوط الطاغیة في بغداد لم یتحركوا ولا لبرهة الی العمل في كشف المقابر الجماعیة لأكثر من ١٨٠ الف إنسان كوردستاني مؤنفل في المناطق الصحراویة من وسط و جنوب العراق. هذه طبعاً هي خصوصية وجودية تؤهل شعبنا للتمايز والاستقلال. ماذا یعني لتلك الأحزاب الطائفیة الأخوة والشراكة وهي لا تهتم قید أنملة بمتابعة ملفات الاستبداد والطغيان والإجرام وجرائم تاريخية حصلت ضد الأخ الشریك في "الوطن"؟
لقد فقد شعب كوردستان الأمل بحکومات بغداد، التي ترید للطائفیة الشیعیة أن تكون سردية كبرى معادية لکل تطلع نحو الحریة والإستقلال، داعیة لاستنهاض أهل التشّیع تحقيقاً لعزّتهم، من خلال التأكيد على ما يجمع أهل العراق ويميزها عن غيرها. علماً بأن صیغـة الطائفیة لا تنجح في تحديد مقنع وواضح لما هو مشترك بين الشعب الكوردستاني وشعب تحمل أفکار ونعرات طائفیة مقیتة. لقد أصبح الكورد في اقلیم کوردستان وكذلك الكورد والعرب والتركمان وسائر المكوّنات الأخری الساکنة في المناطق الكوردستانیة الخارجة عن إدارة الإقلیم ضحایا عدم التزام حکومات بغداد ببنود دستور عام ٢٠٠٥.
بإختصار، إن عدم الثقة بین الکیانات وصل لمستوى لا يسمح لتلك الکیانات البقاء تحت سقف مایسمی الیوم طوباویاً بالعراق الاتحادي الفدرالي التعددي الموحد. استقلال الدولة يعني سيادتها واستقلالها فعلياً وقانونياً في ممارسة قرارها الدولي بعيداً عن سيطرة أية دولة أخرى أو توجيهها واعتراف الدول الأخرى بها وحقها في التمثيل الدبلوماسي وعضوية المنظمات الدولية وحريتها في اتخاذ القرارات الدولية على الصعيد الخارجي وعلى صعيد العلاقات الدولية من دون قيد أو تردد أو إكراه أو ضغط إلا الالتزامات التي يقرها القانون الدولي والمعاهدات الدولية الثنائية والإقليمية في نطاق الندية والاحترام المتبادل. الإستقلال والسيادة توأمان لايفترقان، فالسيادة كالإستقلال يعني ممارسة الدولة لقرارها السياسي داخلياً وخارجياً وفق إرادتها الحرة أو عدم خضوعها لأي سلطة داخلية كانت أو خارجية ، حيث لا يحق لأي جهة أن تفرض قوتها على الدولة في منطقة نفوذها. صحیح بأن الاستقلال بسبب الظروف المحلیة والإقلیمیة ليس بسهولة الاستفتاء، لکن إیماننا بحقنا في الحریة وحق بلادنا في الحیاة أقوی من كل سلاح وعلی الشعب الكوردستاني، إذا أراد تحقیق حلمه، الإتحاد  و توحید الصفوف والإستجابة للقدر.
وختاماً: المتغيرات فرصة لا كارثة والجديد غنی لا فزاعة و من يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسی بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب.  رهاننا هو أن تتحول طاقاتنا إلى قوة مجتمعية فاعلة تفتح الابواب والفرص لبناء دولة كوردستان ، متحرّرة من وهم العراق الموحد  والغول الدیني، قوامها الإنفتاح علی العالم المتحضر والدیمقراطیة الجذریة للوصول الی الأمن والإستقرار وبناء العیش الرغيد لمواطني كوردستان علی إختلاف أطیافهم وأجناسهم وحتی ثقافاتهم.


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع