إدارة شخصية للرئاسة الأميركية

                                                      

                             د. منار الشوربجي

إدارة شخصية للرئاسة الأميركية

الطريقة التي ينظر بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعلاقات الدولية تبدو قائمة على بناء علاقة شخصية مع زعماء دول العالم بدلاً من الاعتماد على المؤسسات السياسية في واشنطن، وهو ميل ينبئ على الأرجح بصدام حتمي مع أغلب مؤسسات صنع القرار الخارجي في أميركا.

آخر مؤشرات ذلك الميل الرئاسي برزت بقوة في الحوار الصحافي الأخير للرئيس الأميركي.

رغم أن الحوار الذي أجراه الرئيس الأميركي مع صحيفة النيويورك تايمز الأسبوع الماضي لم يقدم جديداً فيما يتعلق بالسمات الشخصية للرئيس الأميركي والتي صار يعرفها كل من تابعه عن كثب منذ بداية حملته للرئاسة، إلا أنه أكد على الكثير من تلك السمات وسلط الأضواء عليها.

أنت لا تستطيع أن تعرف تحديداً هدف الحوار فهو لم يكن مخصصاً لتفاصيل علاقات الإدارة الخارجية ولا حتى الداخلية.

لكن الحوار تطرق على أية حال للعلاقة بأكثر من دولة على رأسها روسيا ومنها ألمانيا وفرنسا.

على سبيل المثال، حين سئل الرئيس عن زيارته الأخيرة لفرنسا في إطار الاحتفال بيوم الباستيل، اختار ترامب أن يحكي للصحافيين الثلاثة عن المكالمة الهاتفية التي أجراها معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليدعوه لحضور الاحتفال.

ثم قال إن علاقته بنظيره الفرنسي «رائعة، فهو رجل رائع». ثم أضاف عبارة لافتة حين قال إن الرئيس الفرنسي «يحب أن يقبض على يدي» وكرر العبارة نفسها ثلاث مرات.

اللافت للانتباه أيضاً أن الرئيس الأميركي تطرق بنفسه، دون أن يسأله الصحافيون، إلى تلك الدقيقة الشهيرة التي سجلتها العدسات في أول لقاء بينه وبين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وأثارت عاصفة من الجدل وقتها.

في تلك اللقطة، كانت أصوات الإعلاميين واضحة في التسجيل وهي تطلب من الزعيمين المصافحة المعتادة والموجهة للكاميرات في مثل تلك المحادثات.

لكن العدسات التقطت ما بدا وكأن أنجيلا ميركل تهمس للرئيس الأميركي بخصوص تلك المصافحة، ثم تجاهل ترامب لتلك الهمسات تماماً.

في حوار النيويورك تايمز، وبعدما كرر أن علاقته رائعة بالرئيس الفرنسي أردف قائلاً «.. وعلاقتي طيبة للغاية بميركل. هل تعلمون ما حدث مع ميركل؟ كنت أجلس على مقعدي، كنا قد مكثنا معاً ساعتين، ثم جاءت الصحافة، وأظن أن أحدهم صرخ صافحها صافحها، لكنني لم أسمعه ولم أصافحها، فقد كنت معها لفترة طويلة للغاية، كنت معها لفترة طويلة لذلك لم أصافحها فقالوا في اليوم التالي ترامب رفض مصافحتها».

الحقيقة أن أصوات الإعلاميين كانت مسموعة بوضوح في ذلك التسجيل، الأمر الذي يرجح أن ترامب لم يصافح ميركل لأنه لم يقتنع بذلك البروتوكول المتعارف عليه بعد أن قضى مع الزعيمة الألمانية وقتاً طويلاً، وكسر التقاليد المرعية هي واحدة من سمات أداء الرئيس الأميركي برزت أكثر من مرة لعل أهمها اتخاذ إدارته قراراً بعدم الالتزام بالمؤتمر الصحافي المتلفز للمتحدث باسم البيت الأبيض الذي اعتاد العالم أن يشاهده بالصوت والصورة.

ومرة أخرى، يذكر ترامب علاقته الشخصية بزعماء الدول، ففي معرض إجابته عن سؤال يخص لقاءه بالرئيس الروسي على هامش مأدبة العشاء التي أقيمت في ألمانيا على شرف زعماء العالم المجتمعين في قمة العشرين، ذكر ترامب كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، وشينزو آبي رئيس وزراء اليابان وقال عن كل منهما على حدة أنه شخصية عظيمة.

لا جديد في الواقع في تلك الدرجة العالية من الشخصنة في أداء الرئيس الأميركي، لكن الحوار يؤكد ذلك الميل ويطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة حول السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً مع ميل ترامب أيضاً لكسر التقاليد المرعية.

ذلك لأن كسر تلك التقاليد أكثر سهولة بكثير من كسر الأدوار المتعارف عليها للمؤسسات السياسية الأميركية، فطبيعة النظام السياسي الأميركي لا تجعل البيت الأبيض بالضرورة هو مركز الأحداث، لا في النظام السياسي عموماً ولا حتى في داخل الجهاز التنفيذي.

ولعل آخر الأمثلة على ذلك هو تلك الأفكار التي خرجت من البيت الأبيض بخصوص أفغانستان والتي يراد لها أن تدار لا من خلال القوات الأميركية وإنما من خلال مؤسسة تشبه شركة الهند الشرقية زمن الاستعمار يكون لها جيشها الخاص من المرتزقة الذين يحاربون مقابل المال، وقد أكدت التقارير أن البنتاجون رفض تلك الأفكار فور عرضها.

المؤسسات السياسية عموماً محافظة بطبيعتها، وينشأ عن أدائها المعتاد دورة حياة تنفصل بالضرورة حتى عن الأفراد الذين يديرونها، الأمر الذي يرجح أن تصطدم تلك المؤسسات بالنهج الخاص بالرئيس ترامب الذي يبدو أنه يريد إدارة علاقات الولايات المتحدة الدولية عبر كلمته الشخصية، وحتى يتم حسم ذلك التصادم المرجح فإن الخاسر الأكبر سيكون بالضرورة دول العالم المختلفة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع