هواة وهوايات

                                        

                        خالد القشطيني


هواة وهوايات

الهوايات كثيرة ومتنوعة، ومن أكثرها شيوعاً هواية التواقيع. لا تنتهي مباراة رياضية حتى ترى الجموع حاشدة تستجدي تواقيع الأبطال ومن يعجبك منهم. وتجد كثيراً من عشاق الأدب مهتمين بجمع تواقيع الأدباء والشعراء ممن أعجبوا بهم. كدت أقع ضحية لهذه الهواية قبل سنوات، ولكنني نجوت منها والحمد لله. بيد أنني حضرت محاضرة عن الكاتب الشهير جورج برنارد شو، قدمتها سكرتيرته التي أشارت في حديثها إلى هوس الجمهور بجمع تواقيعه ودفع مبالغ كبيرة عنها. وكان مما ذكرته أن أحد الشغالين جاءه يوماً يطالب بأجرة عمل قام به، فحرر له برنارد شو شيكاً بالمبلغ، فاعترض الرجل مفضلاً أن يتقاضى أجرته الزهيدة نقداً. فأجابه شو بأن «الدفع بالشيك أفضل للطرفين، أنا وأنت». أولاً أن العامل سيستطيع أن يحصل على مبلغ أكبر ببيع الشيك لهواة توقيع الكاتب الكبير، وثانياً أن من سيشتري الشيك سيحتفظ به ولا يقدمه للبنك. وعندئذ يوفر برنارد شو مبلغه فلا ينقص شيء من رصيده في البنك!

ما أن انتهت السيدة المحاضرة الفاضلة من كلامها حتى انتهزت فرصة الالتقاء بها، وسألتها عما إذا كان لديها توقيع من تواقيع برنارد شو لأتفرج عليه. فأخرجت من محفظتها وريقة تحمل توقيعه وأهدتني إياها. إنه التوقيع الوحيد الذي حرصت على الاحتفاظ به. وقد وجدت فيه دلالة كبيرة على شخصية صاحبه، ألا وهي حرصه على الوضوح. أي إنسان يستطيع أن يقرأ خطه وتوقيعه مثلما يفهم كتاباته ومسرحياته بوضوح.

الحصول على توقيع المؤلف هواية منتشرة ويهواها كثير من القراء. وفيما نجد بعض المؤلفين يفرحون ويعتزون بطلب تواقيعهم، فهناك بينهم من يتضايق من ذلك. كان توماس هاردي من هذه الفصيلة، حتى أنه صرح يوماً بأنه يكره ويحتقر النقاد، ولا يجد أحداً أسوأ منهم غير هواة الحصول على تواقيع المؤلفين!

يروي الشاعر الآيرلندي جيمس ستيفنس حكاية طريفة في ذلك فيقول: «كنت في باريس ذات يوم، وسألت الشاعر ييتس عما يفعله بالكتب التي يبعث بها أصحابها راجين منه التوقيع عليها. تأمل ييتس قليلاً في سؤالي ثم تهللت أساريره وابتسم ضاحكاً وحكى لي هذه الحكاية: كان يتناول العشاء مع توماس هاردي. وعندما جلسا لتناول القهوة، سأله ييتس نفس السؤال: (ماذا تفعل بالكتب التي يبعثون بها إليك لوضع توقيعك عليها؟) أجاب توماس هاردي زميله وقال: (ييتس تعال معي. هناك شيء لدي أود أن أفرجك عليه في الطابق الأعلى من بيتي). صعد الاثنان السلم سوية. وفي نهايته فتح الروائي الكبير باب إحدى الغرف. ودخل كلا الشاعرين غرفة كبيرة كانت مرصوصة بالكتب من الأرضية حتى السقف. أشار هاردي بيده إلى آلاف الكتب المكدسة بعضها فوق بعض وتحت طبقات كثيفة من الغبار. ثم قال لزميله ييتس: (هذه هي الكتب التي بعث بها أصحابها إليّ لأوقع عليها وأعيدها لهم). وانطلق الشاعران الكبيران في قهقهة داوية».

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع