مناجاة وخواطر في الدجى

 

يعقوب أفرام منصور

مناجاة وخواطر في الدجى


 زحفت كتائب العُتمة وأنا وحيد في مخدعي

هجعت عيون الورى بصهباء الوسن ولم تغمض مقلتي

هيمنت السكينة على الطبيعة محبوبتي

وصرتُ  أعي وشوشات الحفيف وهينمات النسيم

وأسرح بعيدًا في سهوب التأمّلات

فكل ما حولي ظلام وسكون ورهبة

يوحي بجلال وقدرة البارئ الأعظم

*      *

  لبثتُ طويلاً منتظرًا غيث عرائس الإلهام

لأناجيها وأناشدَ رِفدَها وغَوثَها وعَطاءها

ففي الفؤاد ضِرام شوقٍ عارم

إلى قلب صديقٍ رقبقٍ ودود

  إلى صدرِ رفيقةٍ حنون

تُحسِنُ العزف على أوتار الأمل البسّام

أطلّ على الفضاء الر حيب الهادئ من نافذتي

أتيهُ في مجالي السماء بباصرتي

وأغرق بعدها في تَسىآلي الطويل

عن الغاية القُصوى من وجودي

في عالمٍ جعله البشر دُنيا أباطيل وأنانيات وأطماع

نائيًا عن الثالوث الأمثل: ألحق والعدل والحب

  يندرُ فيه الصدق والطِيبة

يكثر فيه المسحوقون بمصائب ومظالم

  ويزخَر فيه مُوسِرون لامبالون

وكثير من القيعان مزروعة بالجُثث والحرائق والأشلاء والأنقاض

بدلاً من السُندُس والكروم والدوالي والجَنائن

وصار أحدُ الرؤساء يتباهى بسلاحه " أمّ القنابل "!

ونظيره يَعتدُّ بإنتاجه " أبا القنابل "ّ!

*      *

في أصقاع عديدة وأمصار كثيرة

شبابها بالسفاسف والثرثرات لاهون

شبابٌ قٌنَّعٌ، لا خيرَ فيهم

على عُسفٍ وقهرٍ لا يتمرّدون

على ضَيمٍ وبلوى صامتون

وفي الجهالة والعبث سادرون

   لا يرنون إلى المعالي والقِيَم

ولا يطمحون إلى نيل الجواهر واللآلئ

أبصارُهم نحوَ الثرى والحسك والدغل

وليس نحوَ الشمس والثُرَيّا وسوحِ العمل

*      *

من الأعماق تنطلق تباعًا تنهّداتي

فمنذ يَفاعتي تطلّعتُ نحو تحقيق أشواقي

برؤية عالمٍ  جُلُّهُ خيرٌ ومُثُلٌ وجمال

قال عنه ألِبّاء ، رسَمَهُ أنبياء وحكماء

ولمّا رسمتُ للناس من حولي أمنياتي

وأبديتُ ملامحَ حياةٍ مُثلى

تُدرَكُ بِمَساعِ حميدة فُضلى

ألفيتُ أفربَ الناس إليّ لا يفقهون لغةَ نفسي

حتى قال بعضُهم إني من كوكبٍ آخَر

فكم بالحرِي يبعدُ موقف الأباعِدِ عنّي

في جسومهم وعقولهم ونفوسهم!

 فهم لا يقرّون طموحي ومرامي

وأشوافُهم غيرُ أشواقي

وهموهم غير همومي

 وأحلامهم غير أحلامي

أمانيهم توازي الأرض

  أمانيّ تُداني الغمام

  وفي حين أجدُني مكبّلاً بقيود المادّة، خانقةَ الروح

 أجدهم بأصفادِ التقاليد البالية راضين

  ولِنِيرِ العبودية والملاذِّ ولِجَلاّديهم مستسلمين

  *      *

  بعد هذا السيل من نَجاوايَ وخواطري

  لجأتُ إلى كشكولي أقلّبُ  أوراقه

  فعثرتُ فيه على ما يخفف شجوني وأسايَ:

 في الناسِ أمثلَةٌ تَدورُ حياتُها

            كمماتِها، ومماتُها كحياتها

( ألمتنبّي)

لبيبُ  القومِ  تأ لَفُه  الرزايا

             ويأمُرُ بالرشادِ فلا  يُطاعُ

فلا  تأمل  من الدنيا  صلاحًا

             فذاكَ هو الذي لا يُستطاعُ

  ( ألمعرّي)

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع