سائق التاكسي والحجية العجوز

                                                        

                          نوري جاسم المياحي

 سائق التاكسي والحجية العجوز

قبل حلول موعد الافطار بساعة خرج احمد بسيارته الخاصة الى حي الجامعة الفريب من منزلهما وبصحبته اطفاله يوسف وأطياف للتسوق وشراء بعض الحاجيات التي تحتاجها زوجته لأعداد الفطور والسحور ...

وعندما وصل امام احد المولات واثناء ايقاف سيارته (طبك ) اي توقفت سيارة تاكسي الى جنب سيارته ونزل منها سائقها وهو رجل في اواسط عمره ويبدو عليه الوقار ..والهيبة ..

و اقترب الرجل من احمد وبعد التحية والسلام وبلهجة مؤدبة وعطوفة ومترجية  وهو يشير الى امرأة عجوز جالسة متمسكنة في المقعد الخلفي  للتاكسي ...وبدا يقص عليه قصتها التي تـكسر القلب وتحزن السامع وهي انها عجوز مهجرة من اهالي الموصل المنكوبة وابنتها مريضة ولا تمتك ثمن العلاج ...وبيده راشيته للأدوية ..

وبكل خشوع وبراءة طلب منه اما  ان يساعدها بشراء الادوية من الصيدلية او مساعدتها بدفع بعض ثمن الدواء او كله ...مع سيل من الدعاء والوعود بالثواب والرحمة ودخول الجنة وانت ستكسب الثواب في رمضان ...اضعاف مضاعفة للصوم ..

وكما عرف عن العراقي ذو القلب الرقيق والحنين والرهيف والعاطفة الجياشة والاستعداد الغريزي عنده لمساعدة الفقراء ...وبعد حسبة سريعة وجد ان دفع ثمن الدواء اسهل من الذهاب الى الصيدلية وشراء الدواء ...ولاسيما وان السائق يبدو صادق وثقة ..

فسارع واخرج محفظة نقوده وحتى بدون تردد كسبا للثواب في شهر رمضان الكريم ويارغ بدفع ثمن الدواء البالغة 15 الف دينار قبل ان يحضر شرطي المرور ويعترض على ايقاف سيارته ...وهو فرح في قرارة نفسه بانه ساعد محتاج في هذا الشهر الفضيل .. ولاسيما وان السائق الوقور والحجية العجوز  انهالا عليه بسيل من عبارت الدعاء وكلمات الشكر والمديح... وتحرك التاكسي وغادر مختفيا بين زحمة المرور ..

وفي هذه الاثناء التقى احمد بأبو توفيق وهو زميل له بالدائرة  وحدثه عن الصدفة المباركة التي صادفته قبل قليل وبفرحة غامرة بتفاصيل الموقف الذي تعرض له وهو يقول له ...لو التقينا قبل لحظات لما فاتتك فرصة كسب ثواب مريض ومحتاج في هذا الشهر الفضيل  وبدون تعب ...يا اخي ابو توفيق ..

وهنا ضحك ابو توفيق مما فاجأ احمد ...وقال له اخي ابو يوسف ..انت ذكي وسبع و( شلون انصدت وانت النجر ياغراب ) وهذا مثل شعبي بغدادي يقال للإنسان الذكي عندما يقع بمقلب احتيال ...

وهنا شعر ابو يوسف بان ريقه قد جف والكلمات توقفت في حنجرته ولا يستطيع بلع ريقه اولا بسبب الصيام طيلة اليوم والحر الشديد والمفاجأة الغير متوقعة وهو يسأل شنو القصة اخوية ابو توفيق ...عندها سرد له القصة وقال له انت لست اول واحد ولا اخر واحد ينضحك عليه ... و هذه احدث طريقة في الجدية ( الاستجداء ) في بغداد وانا شخصيا تعرضت لها ثلاث مرات ...في المرة الاولى انصدت ووقعت بالشبكة مثلك وفي الثانية نص ونص فقد دفعت ربع وفي الثالثة قلت له ( الله ينطيكم ويشفي مريضكم ) ...

وهنا استطرد ابو توفيق وواصل الحديث وقال ان ظاهرة التسول في بغداد اصبحت اسهل واسرع طريقة للحصول على المال وبلا جهد ولا سيما في زمن كثرت فيه ذنوب الفاسدين وانتشرت في المجتمع العراقي .. طبقة اغنياء الرشوة والاكراميات مقابل الخدمات ..

وبما ان البطالة والفساد والفقر منتشر في المجتمع العراقي ...فليس غريبا او عجيبا انتشار موهبة ابتداع وسائل وطرق النصب والاحتيال  لاستدرار عطف الناس وسلب نقودهم ... واخذ  مالهم برضاهم وبلا عنف..

وهنا ردد  احمد ...شكرا يا اخي ابو توفيق على تنبيهي لكي لا اكررها وسأنشرها كي يستفيد منها الاخرون ...ولعن الله المحتالين ...لانهم سيقطعون سبيل المعروف ..عن المستحقين حقا ..

وهنا افترق الصديقان احمد وابو توفيق ...الاول دخل الى المول للتسوق وهو يشعر بالأسف وبحاجة الى كاس ماء يبلل جفاف حلقه والثاني استمر في طريقه مبتسما وهو يلوح بالتحية ليوسف واطياف ابناء احمد الجالسين في المقعد الخلفي من سيارة أبيهم .. ويردد مع نفسه ( مو بس اني زوج ..هواية اكو مثلي ) (والحمد لله على كل شيء لان الاعمال بالنيات ونيتنا صافية )

وصدق من قال ان ( الاستجداء اسرع واسهل مهنة للأثراء ) في مجتمع من اغنى البلدان وغالبية شعبه من الفقراء والجهلاء .. والمساكين ...

ومادام نظام اقتصادنا المعمول به اليوم بالعراق (خرسمالي لا  هو اشتراكي ولا هو رأسمالي )

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1469 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع