معاتبات نجفية

                                            

                        خالد القشطيني

معاتبات نجفية

العتاب باب من الأبواب الرئيسية للشعر العربي. جرى ضرب منها بين الشاعرين النجفيين محمد رضا الأصفهاني وجعفر الحلي. وقد تميز الأصفهاني، كما يدل اسمه، بأنه جمع بين ظرافة الفرس وفصاحة العرب. لقد ولد في النجف الأشرف، وتتلمذ في حوزتها ومعاهدها، ونشأ في العراق ثم رحل إلى إيران، حيث أقام في مدينة أصفهان واكتسب لقبه منها.

انحدر من أسرة عريقة في العلم والفقه وعلوم الدين. وكما جمع بين حضارتين فقد جمع بين عصرين من عصور التاريخ. فد قضى القسم الأول من حياته في القرن التاسع عشر حيث ولد في عام 1870، وقضى القسم الثاني من حياته في القرن العشرين، حيث توفي في عام 1943، خلال الحرب العالمية الثانية. بالإضافة إلى إنتاجه الشعري في اللغتين العربية والفارسية، فإنه ألّف الكثير في عالم النشر. له كتاب في جزأين يرد فيه على نظرية التطور لداروين، وكتاب آخر يرد ويفند فيه مذهب البهائية. وله كتب أخرى في أصول الفقه وعلوم الدين، ومنها كتابه «وقاية الأذهان». كان الأصفهاني بوضوح حريصاً على الدفاع عن الدين الإسلامي.

وخلال إقامته في النجف الأشرف تعرف في شبابه إلى الشاعر جعفر الحلي. الحلة والنجف مدينتان متجاورتان في العراق. كانت لهما صحبة طويلة تخللها الكثير من المطارحات الشعرية الإخوانية. وكما نتوقع من الأصدقاء تخلل علاقتهما شيء من القطيعة والمجافاة وسوء الفهم.

وفي واحدة من هذه المناسبات، لم يستطع محمد رضا الأصفهاني غير أن يعاتب صديقه في قصيدة أوردها مير بصري في كتابه المنشور في لندن «أعلام الأدب في العراق». وقد قال فيها:

حللت حمى الحلي ألتمس القرى

فكان قراه الهجو والشتم والسب

جزاء سنمار جزائي، ولم أكن

لأصحب إلاه إذا خانني الصحب

ولم يرع لي حق الإخاء وسبني

وما كان لي إلا محبته ذنب

وكان لآمالي ربيعا ومربعا

إذا ما الورى قد عمه القحط والجدب

فقل لأبي يحيى وإن هو ملّني

وإحسانكم ما ملّكم مني القلب

صدودكم وصل وسخطكم رضا

وجوركم عدل وبغضكم حب

كانت أبياتاً تتدفق بمحبة خالصة، ما لبثت حتى أثارت في جعفر الحلي الشعور بالذنب والتقصير. فتناول القلم والورق وحرر الأبيات التالية بنفس الوزن والقافية على نحو ما يجري في شعر الإخوانيات:

وحقكم ما أزور لي عنكم جنب

ولا حلن أحوالي ولا انقلب القلب

صبوت إليكم قبل أن أعرف الصبا

وما كنت لولا طيب إحسانكمُ أصبو

رأيتكم أحنى علي وأعطف من أبي

علي وأوفى الصحب إن خانني الصحب

فقلت لنفسي: ها هنا ويحك احبسي

فهذا المكان الرحب والمنزل الخصب

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1298 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع