آدم سمث واليد اللامرئية

                                            

                          خالد القشطيني

آدم سمث واليد اللامرئية

قبل أن يظهر في الساحة الاقتصادية المفكرون الحالمون ممن سبق وأشرت لهم في مقالاتي السالفة، دخل الساحة الفيلسوف الاسكوتلندي آدم سميث (1723 – 1790) ولا سيما في قيامه بنشر كتابه الشهير، ثروة الأمم (1776)، الذي أصبح بمثابة إنجيل للنظام الرأسمالي. اشتهر آدم سميث بذهوله وانشغاله الفكري بموضوعه.

خرج يوما من بيته وراح يمشي لنحو اثني عشر ميلا يتكلم مع نفسه ويفكر بملاحظاته الاقتصادية والاجتماعية.

على عكس الشلة من المفكرين الحالمين والمثاليين والاشتراكيين، رأى آدم سميث أن المجتمع لا يسيره شيء بنجاح كما تسيره المنفعة الخاصة. فكل صاحب دكان في السوق يدرك بالتجربة والعمل أنه يربح أكثر وأكثر إذا خدم زبائنه بالشكل الذي يرضيهم وجهزهم بالبضائع المناسبة لهم. إذا لم يفعل ذلك ينصرفون إلى غيره. وسرعان ما يكتشف كل أصحاب الدكاكين الأسعار التي تناسب زبائنهم وأنواع البضائع وساعات العمل المناسبة لهم. وينظمون سوقهم بالشكل الذي ينفع الجميع. يلوح وكأن هناك «يدا لا مرئية» تنظم السوق لما يناسب كل واحد. فالسعي وراء المنفعة الذاتية يجري بما تمليه هذه اليد اللامرئية. ويخسر من يحاول مناقضتها.

وهنا وضع أسس النجاح في النظام الرأسمالي، فالتجارب سرعان ما تعلم صاحب العمل أن معاملة الزبائن برقة واحترام وإقامة علاقات ودية معهم ومع عوائلهم؛ كل ذلك يجلب له الزبائن ويقوي علاقاته التجارية ويدر عليه الربحية والكسب.

شبه آدم سميث العمل في النظام الرأسمالي بلعبة كرة القدم. فالفريق الناجح هو من يوزع الأدوار بكفاءة. من يجيد التسديد والمراوغة يكلف بمهمة الهجوم والتهديف واللاعب القوي واليقظ يقوم بمهمة الدفاع. وكذا في الصناعة والتجارة، توزع الأعمال حسب كفاءة العاملين. نخلص من ذلك إلى فكرة توزيع العمل. التي تؤدي بدورها إلى التخصص. فلاعب الهجوم يكتسب خبرة وقدرة في

التهديف، ولاعب الوسط يتعلم كيف يوزع الأدوار والتمريرات. كذا يجري العمل في المعامل بحيث يكون لكل جزء من العمل من يتخصص به ويركز عليه. تحتاج فرق كرة القدم إلى مدير يتولى التدريب وتوزيع الأدوار وتوجيه اللعب.

تقوم بهذه المهمة الإدارية في الأنظمة الشيوعية والديكتاتورية الحكومة والحزب الحاكم. أما في الأنظمة الرأسمالية والسوق الحرة فتترك لليد اللامرئية. فسرعان ما تكتشف السوق أنها لا تحتاج إلى غير حلاق أو حداد واحد. يأتي حلاق آخر ويفتح صالون حلاقة ثانيا. يتنافس الاثنان حتى يضطر أحدهما إلى غلق دكانه. فيدركان بفعل اليد اللامرئية أن السوق لا تتحمل أكثر من صالون حلاقة واحد.

المنفعة الخاصة هي التي حسمت الموضوع. حيث لا يتوفر ربح لا حاجة لذلك العمل. المنفعة وتوزيع العمل والتخصص هو كل ما تحتاجه اليد اللامرئية لتنظيم الاقتصاد في البلاد. هذا هو الأساس الذي بنى عليه آدم سميث ثروة البلد، وقامت عليه ما تسمى باقتصاديات السوق التي تعمل بموجبها معظم الأنظمة الرأسمالية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1007 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع