الموصل بعد التحرير – الحلقة (٢٢) والأخيرة: إزالة رواسب الاحتلال الداعشي وآثاره:

                                                                       

                               الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد


الموصل بعد التحرير – الحلقة (22) والأخيرة: إزالة رواسب الاحتلال الداعشي وآثاره:

تمر الموصـــل بكارثـــة حقيقـــة لم يشـــهد لها التاريخ على مر العصور، وسط إخفاق حكومي وصمت سياسي، وموقـــف مخجل من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية.
سنتناول في هذه المقالة الآثار التي خلفها داعش على الموصل وما رافقته حرب تحرير الموصل من كوارث وازمات، وسبل معالجتها والعمل على إزالة هذه الرواسب من وجهة نظري الشخصية.
بالنسبة إلى المواضيع السابقة، مثل: التربية والتعليم، وجامعة الموصل ومكتبتها الثرية بكتبها ومخطوطاتها ومصادرها التي تعرضت للحرق، والصحة، والخدمات البلدية، والصناعة، والتجارة، ..الخ، سيتم تناولها كل واحدة منفصلة عن الأخرى مع وضع المعالجات لها، اما في هذه المقالة الحالية سوف اتناول الأمور العامة والاستراتيجية، ومن أهمها ما يلي:

أولا: استتباب  الأمن وتوفير الأمان
بعد غزو العراق عام 2003م من قبل قوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وسقوط النظام السابق واستبداله بنظام طائفي، حصل انفلات أمني في جميع محافظات العراق، كانت نتيجته تفجير المفخخات والقتل على الهوية، ووقع آلاف الضحايا وهجرت آلاف العوائل وتشرد عدد كبير من السكان وخاصة المحافظات ذات الأغلبية السنية.
لنعد إلى مدينة الموصل التي نالها القسط الأكبر من التضحيات بسبب اضطهادها من قبل الحكومة المركزية لمذهبها السني وموقعها الجغرافي والتجاذبات السياسية الإقليمية في المنطقة. نشطت المقاومة في الموصل واختلط معها عصابات نهب وابتزاز وسرقة وقتل وتعرض الكثير من أبناء العوائل في الموصل إلى الخطف وإطلاق السراح بعد تسديد مبلغ كبير من قبل ذوي المخطوفين. لقد كانت سيطرة الدولة على هذه العصابات معدومة. وكان الوضع الأمني في الموصل في الفترة التي سبقت سقوطها سيئا جدا، فعلى الرغم من وجود قوات كثيرة من الجيش والشرطة تصل إلى ما يعادل اربع فرق، إلا انها كانت بلا فاعلية وكانت جهودها تتركز على إقامة حواجز (سيطرات) كثيرة التي ارهقت المواطن واذلته.
يقول احد المواطنين القاطنين بالقرب من جامعة الموصل: كان يتم الإعلان عن حالة تطوع بالجيش، وكان يتم غلق جميع المنافذ لخمسة احياء ويفتحون منفذ واحد فقط يسمح لمرور سيارة واحدة فقط. ونتيجة لذلك كان يحدث ازدحام هائل وقت الدوام ولعدة أسابيع وبحيث يصاب العديد من الناس بانهيار عصبي. كما كان الوضع الإداري مفكك ووجود تنافر كبير بين الإدارة المحلية والجيش. وقد وصل الحال إلى مشاركة المحافظ في المظاهرات التي كانت تشهدها المحافظة كل يوم جمعة. وكان الفساد الإداري منتشر في جميع المرافق الإدارية، وبخاصة بالجوانب المتعلقة بالأمن. إضافة الى ذلك عدم اشغال المواقع الإدارية من قبل عناصر مؤهلة وكفوءة مما جعل العصابات الاجرامية تبتزهم وتسيطر عليهم ويفرضون عليهم جبايات واتاوات من اجل عدم التعرض لهم. من جانب آخر كان هناك نشاطا كبيرا للخلايا الإرهابية وتغلغلها في مختلف المؤسسات مع غياب كامل للمؤسسات الأمنية مما جعل الإرهابيين يعثون في الأرض فسادا: ابتزاز المواطنين واخذ مبالغ كبيرة منهم.

فلقد كادت مدينة الموصل ان تسقط بيد العصابات المنفلتة (نواة لداعش) في عام 2004 لولا صمود المحافظ آنذاك الذي قاوم بمهارته العسكرية ولم يدع الموصل تسقط بأيديهم، واستمر الوضع الأمني من سيء إلى اسوء حتى عام 2014م قبل دخول داعش إلى الموصل، صاحبه توتر شديد جدا وكان الخلاف بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية وحكومة إقليم كردستان على أشده. وكان اهل الموصل ناقمين على الجيش الذي مارس معهم أقسى الصعوبات والاهانات وفرض الضرائب وجباية الاتاوات واذلال المواطنين عند نقاط السيطرة والعوارض الاصطناعية، ومعاملتهم بفوقية كأنهم قوة غازية محتلة وليس قوة وطنية. كل هذا ولد مناخا جاهزا إلى داعش الذي كان يتربص الوضع في نينوى ويخطط للاستيلاء عليها وهو ليس بعيدا عنها وكان مركزه في دير الزور/سوريا آنذاك. وسقطت الموصل بسهولة جدا وهرب الجيش والشرطة واحتلت داعش مدينة الموصل بسرعة ويسر ومارست تقدمها نحو بغداد واحتلت ما يقارب ثلث العراق، لا اريد في هذا المقام ان اتطرق  إلى أسباب السقوط لأن ذلك ليس  هدفي من هذا المقال.
في بداية الأمر لم تتضح نوايا داعش، ولكن سرعان ما توضحت النوايا خاصة بعد تهجير أصحاب الأرض الحقيقيين ؛ إخواننا المسيحيين، وحرمانهم من حمل وثائقهم واموالهم وحُلِيِّهِمْ واهانتهم شَرَّ إهانة. اما المكونات الأخرى فقد تعرضت إلى حال اسوء وخاصة إخواننا الايزيديين الذين قتل رجالهم وسبيت نسائهم وهُجِّرُوا شَرَّ   تهجير. هذا بالإضافة إلى اعمال عدوانية وتدميرية طالت البشر والحجر واحرقت الحرث والنسل. من هنا اناشد:
1. الحكومة المركزية والحكومة المحلية وقوات التحالف على العمل بشكل جاد لاستتباب الأمن والأمان في عموم نينوى، وتشكيل جيش وطني من أبناء المحافظة على غرار قوات مكافحة الإرهاب يكون انتماءه  للعراق وليس لديه اية أجندات اجنبة او مشاريع طائفية.
2. الحكومة المحلية لتشكيل قوات شرطية من أبناء نينوى لحماية الداخل.
3. الدول الإقليمية التي ساهمت في تأجيج الصراع ان تلعب دورا إنسانيا واجتماعيا سلميا في منع تسلل اية عصابات خارجة عن القانون من خلال أراضيها.
4. الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لتسليح الجيش والشرطة وتدريبهم أفضل تدريب.
5. الحكومة المحلية لإعادة المهجرين إلى مناطقهم وتعويضهم عن الاضرار التي لحقت بهم.

ثانيا: محافظة نينوى منطقة منكوبة
لقد تعرضت الموصل خلال الأشهر الستة الماضية إلى القصف الجوي والصاروخي من قبل القوات العراقية وقـــوات التحالف الدوليـــة وعصابة داعش، وأصبح الناس بين نارين: نيران قوات التحرير وطيرانه من جهة ونيران عصابة داعش الذين اتخذوا من المواطنين دروعا بشرية، حتى طال الدمار مساجد وكنائس تاريخية، ومتاحف ومعالم اثريه، فضلا عن مبان حكوميـــة، وجامعة الموصل ومكتبتها العامرة التي احرقت.
ان الدمار الذي شهدته الموصل خلال الفترة الزمنية الماضية، منذ بدء الحملة العسكرية لتحرير الموصل هو الاكبر في تاريخ الأزمة. وما لم تدمره داعش فقد دمرته قوات التحالف.
وقد تضّرر ما يقارب 80% من البنية التحتية، و60% من البنية الفوقية، فضلا عن خسائر بشرية مرّوعة. وشمل الدمار اغلب إجزاء المدينة، حتـــى غابات الموصل الطبيعة تفّحمـــت نتيجة القصف بالقنابل الحارقة ونتيجة تقطيع الأشجار من قبل الأهالي واستخدامه ا في الطهي والتدفئة لعدم توفر الوقود وارتفاع سعره إلى درجة لا تحتمل.
كما شمل التدمير الجسور الخمسة التي توصل طرفي المدينة على طرفي نهر دجلة، والجسور الثانوية والمقتربات والروابط بين الأحياء. وتم تدمير المستشفيات الحكومية والخاصة والمستوصفات والمراكز الصحية وحرقها، ومعمل ادوية نينوى والمخازن التابعة له، وكذلك محطات توليد الكهرباء والطاقة ومحطات تحلية المياه وتعقيمه وابراج الاتصالات، والمدارس الثانوية والابتدائية والمساجد والكنائس التاريخية، وأبرزها جامع النبي يونس، وجامع النبي شيت وقبره، وجامع النبي جرجيس، وجامع الخضر، وجامع قضيب البان، وجوامع وحسينيات أخرى فضلا عن العديد من الكنائس، مثل: كنيسة الآباء الدومينكان والطاهرة والسيدة العذراء.... وغيرها.
كما شمل التدمير مصفى النفط، وســـتة ملاعب لكرة القدم، وبناية المحافظة وما حولها وفنادق المدينة و50% من منازل السكان. ولم تسلم المعامل من التدمير أيضا، حيث الحق دمارا كاملا في كل من: معمل الغزل والنسيج، ومعامل الاسمنت، ومعامل الحديد والصلب، ومعمل الاخشاب. وتم تدمير مدن اثرية، مثل: مدينة النمرود، وبوابة نركال، وُســـور نينوى، ومتحف نينوى التاريخي، وكذلك البنوك التسعة وأبرزها بنك الرافدين ومصرف الرشيد، ...الخ. يقـــدر مراقبـــون مجمل الخســـائر التـــي تكبدتها الموصل بأكثر من 10 مليار دولار
من جانب اخر فقد نجم عن القصف والتدمير من قبل الأطراف المتقاتلة عن مقتل أكثر من 5 الآلف شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء، وكذلك هجرة ونزوح ما يقارب نصف مليون شخص يقيمون في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، حسب ما قال وزير الهجرة والمهجرين. انها فعلا مأساة إنسانية بكل ما تعنيه هذه  الكلمة من معنى، وبالرغم من ذلك يرفض البرلمان العراقي اعلان مدينة الموصل منطقة منكوبة في حين سبق وان أعلن سهل نينوى الذي هو أيضا تعرض للدمار  منطقة منكوبة.
وفي ضوء الحيثيات أعلاه:
1. اناشد الامم المتحدة والامين العام للأمم المتحدة بإعلان محافظة نينوى منطقة منكوبة.
2.  مطالبة الأمم المتحدة تقديم يد العون والمساعدات الإنسانية لمدينة الموصل، وحث المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية لممارسة دورها الإنساني والطلب من البلدان العربية والمجاورة والصديقة للمساهمة الفاعلة في إعادة الحياة الى المدينة واعمارها.
3. مطالبة الحكومة المركزية والمحلية بممارسة دورها وتخصيص موازنة مالية لتعويض المتضررين وإعادة النازحين والمهجرين الى بيوتهم.
4. تشكيل لجنة نزيهة من قبل مجلس الوزراء على غرار لجنة اسناد ام الربيعين للأشراف على إعادة اعمار المحافظة.
5. مخاطبة دول الجوار والدول الخليجية لمد يد العون وتخصيص أموال سخية لإعادة إعمار الموصل.

ثالثا: أصالة الجيش العراقي وتمسكه بوحدة المصير
فلقد أثبتت الأحداث الواقعية أصالة الشعب العراقي وأنه شعب واحد لا تؤثر عليه المسميات المختلفة ولا الفتن التي يحاول أن يزرعها البعض من أجل مكاسب دنيوية دنيئة. وأثبت رجال القوات المسلحة البطلة بمختلف مسمياتهم، أثبتوا بما لا يقبل الشك صدق أصالتهم وانتمائهم لوطنهم الحقيقي العراق. وهذه شهادة من جميع  أهل محافظة نينوى بمختلف مسمياتهم. وأنقل لكم هنا مقولة قالها مثقف من الموصليين المحاصرون بالموصل وأيده الكثيرين فيها ، قال: نقولها للتاريخ أن القادة الأبطال قوات مكافحة الإرهاب يستحقون أن نعمل لهم نصب ا من ذهب ونسمي شوارع بالموصل بأسمائهم لكي تعرف الأجيال القادمة فضلهم  على مدينة الموصل.
 لقد رأينا بأم أعيننا ومن على شاشات التلفاز مواقف وطنية وإنسانية رائعة لأبناء قواتنا المسلحة البطلة. بالمقابل حدثت بعض حالات الانتقام العشوائي والممارسات الكيدية وسرقة بيوت الناس ومحلات الابرياء ممن نزحوا خارج الموصل. يقول أحد مثقفي الموصل المعروفين: سمعنا عن مسؤولين اغتصبوا بيوت الأبرياء وجعلوا منها مكاتب لهم بالموصل بعد التحرير، فإن كان  من فعل ذلك يريد مكتب ا للإعلام فحسب  فليكن من ماله الخاص. وقبل دخول داعش اُغتصبت اموال الدولة وأراضيها من قبل مسؤولين  معنيين، والآن قد يعود  السيناريو نفسه من جديد. يضاف الى ذلك عبث الغرباء والطارئين ممن لا دين لهم والذين لعبوا دورا قذرا إبان حكم داعش؟

عليه نقترح ما يلي:
1. محاسبة الذين ثبت انتماؤهم  لداعش أو ثبت تعاونهم معه يجب وفق القانون، وهذه مسألة لا يختلف عليها أحد.
2. التخلي عن روح الانتقام ومنع ممارسة اية أعمال واجراءات انتقامية من أقرباء أولئك المنتمين أو المتعاونين مع داعش، فهو أمر غير مقبول إطلاقا وفيه ظلم واجحاف بحق الأبرياء. فكثير من العوائل الموصلية قد تلطخت سمعتها نتيجة انتماء فرد أو فردين منها إلى ذلك التنظيم المشبوه، فما ذنب البقية من أقرباء أولئك في ذلك؟
3. طرح برامج تثقيفية للعديد من  غرر بهم، وبخاصة الأطفال والشباب، فقد خدعوهم وضحكوا على عقولهم باسم الدين وعن طريق المساجد الكثيرة المنتشرة في الموصل.
4. إعادة الممتلكات والبيوت إلى أصحابها الحقيقيين واخلاؤها  من قبل المنظمات الحزبية والجهات السياسية.
5. مسك المناطق المحررة من قبل شرطة المحافظة ومنع أي انتهاكات جانبية تسهم في إساءة السمعة إلى القوات المسلحة والشرطة.

رابعا: المحاصرون والمتمسكون بأرضهم ومدينتهم
نلاحظ أن بعض مؤسسات الدولة تتعامل مع أهل الموصل من الذين كانوا محاصرين فيها إبان حكم داعش، بريبة وبخصوصية خاصة كأنهم هم الذين أدخلوا داعش إلى الموصل. ومن الأسئلة التي يطرحونها  باستمرار على المحاصرين: لماذا لم تنزح وتترك الموصل عند دخول داعش؟ يقول أحد مثقفي الموصل: من المعروف أن أهل الموصل متعلقون إلى درجة كبيرة بمدينتهم وهذه الحقيقة يعرفها كل من عايش أهل الموصل. ثم يردف ذلك المثقف قائلا: إذا جاء حرامي على بيتك فهل تقول له: تفضل وخذ بيتي؟ إن بقاء أهل الموصل الأصلاء في مدينتهم حافظوا عليها من الضياع كما حافظوا على شخصيتها وهويتها وخصوصيتها.

    ونقولها للجميع أن أولئك الموصليين  الذين كانوا محاصرين قد دفعوا ثمنا باهظا لقاء بقائهم في بيوتهم من أجل المحافظة عليها من عبث الدواعش. إن السبب الرئيس لبقاء غالبية سكان الموصل في مدينتهم بعد اجتياحها من قبل داعش هو المحافظة على مدينتهم وبيوتهم من عبث الدواعش والخوف من بهدلة التهجير ومعاناته. يقول الشاعر الأستاذ الدكتور عبد الوهاب العدواني في إحدى قصائده معبرا عن ذلك:
أما الرحيلُ  فلستُ من رواده..... فالموصل الخضراءُ مهدُ بقائي
 فيها ولدتُ وكنتُ من خُدامها......... فأنا من اﻷبناءِ  ﻻ الغرباءِ
فعلامَ يحسب أنني فارقتها............. وأنا بها كمنارةِ الحدباءِ
ما سافرتُ يوما  ولكني هنا............. أقضي لبانة متعبٍ مستاءِ
سأعود فلتهنأ قلوبُ أحبتي.......... ما كنت بالناسي  وﻻ بالنائي
 بلدي هي " اﻷم الروؤم " لمهجتي..... وأنا بأمي أسعد السعداءِ

أما المؤرخ الأستاذ الدكتور ابراهيم العلاف فيقول على صفحته بالفيس بوك بتاريخ 2/4/ 2017 مخاطبا الذين يتاجرون بأحداث الموصل والمتشبثين بما يسمى "الموقع البديل" ويردد بعضهم أمام الملأ أن ألف علامة استفهام على من بقي في الموصل": الافندي الذي قال هذا الكلام كان يريدنا أن نغادر مدينتنا مدينة يونس ونتركها للآخرين كي تمحى شخصيتها وخصوصيتها". ثم يردف قائلا "بقاؤنا  حافظ عليها من الضياع والا حالها كان حال فلسطين". ثم يعيد توجيه خطابه الى أولئك الذين يتاجرون بأحداث الموصل قائلا: "عودوا الى الموصل ونالوا شرف اعادة بنائها  وبث الحياة فيها من جديد وإلا فالتاريخ سوف لن يرحمكم".
وقال شاعر العراق معد الجبوري، الذي رحل عنا في الفاتح من ابريل 2017م مخاطبا ابنه الأكبر الشاعر حارث معد الذي  كان يحاول اقناع ابيه بالرحيل لغرض العلاج حيث بدأ المرض يأكل جسده ويستفحل في احشائه: "لن أغادر المدينة وجذوري متشعبة في صخر أرضها وروحي معلقة فوق مناراتها.. يا حارث إن غادر معد الجبوري الموصل فمن يبقى فيها؟  أأتركها ولمن اتركها؟”.

لقد تعرض الموصليون المحاصرون إلى خسائر جمة منظورة وغير منظورة، منها:
1. آلاف منهم قتلوا إما من قبل الدواعش أو جراء القصف والعمليات العسكرية.
2. العديد منهم تهدمت بيوتهم وأصابها أضرار شتى.
3. قطع رواتب الموظفين  لقرابة سنتين وما نجم عنها من ظروف اجتماعية صعبة.
4. الخسارة الأكبر والافدح أصابت أبناء وبنات العوائل المحاصرة من الطلبة. فقد دفع الطلبة ثمنا باهظا جدا بضياع ثلاث سنين من أعمارهم مما سيترك آثارا كبيرة ووخيمة على مستقبل مئات الآلاف من طلبة المدارس والجامعات ممن كانوا من المحاصرين.

إننا ندعو من على هذا المنبر الحر:
1. الحكومة العراقية وكافة مؤسساتها الرسمية الى التعامل العادل مع مواطني محافظة نينوى، وبخاصة الموظفين، وإنصافهم وإعطائهم حقوقهم ومستحقاتهم وعدم التميز بين من هاجر ومن بقي محاصرا في الموصل، فالذين نزحوا دفعوا ثمنا  باهظا والذين بقوا محاصرين دفعوا ثمنا  أكبر بكثير، وصرف رواتبهم ومستحقاتهم فورا.
2. عدم معالجة الخطأ بالخطأ وان ظهور (داعش) ما كان سوى نتيجة لأخطاء اُرتكبت بعد الغزو الأمريكي للعراق وأن أهل الموصل ليس لهم في تلك الأخطاء لا ناقة ولا جمل، كما أن أهل الموصل براء من داعش براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
3. ندعو الجهات المعنية في الدولة العراقية كافة الى المساهمة الفاعلة في إزالة رواسب وآثار احتلال الدواعش لمحافظة نينوى الجريحة وباقي المحافظات الأخرى لأن العراق أكبر من كل تلك المسميات.

خامسا: تغيير الخطاب الديني  إلى ما يجعله خطابا مطابقا لروح  التسامح  والاخوة التي يقرها الاسلام والاديان السماوية جميعا
إن الأفكار التي جاء بها الدواعش وزرعوها في عقول العديد من ضعاف العقول والأحداث خلطوا فيها بين الحق والضلالة فاختلط الحابل بالنابل، عليه ندعو الجهات الرسمية  وغير الرسمية إلى الحيطة والحذر من هذا الفكر المتخلف الهدام. ونحن نعلم أنه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت تيارات سياسية متعددة أممية وقومية و... الخ.  الوضع الآن أخطر من ذلك بكثير لأن التيارات الدينية تكون ذات تأثير قوي، وخاصة وأن شعوبنا هي شعوب متدينة. إن للتيارات الدينية شيوخا مؤثرون جدا على الفئات العمرية الصغيرة (الشباب والأطفال) ويستطيعون توجيه تلك الفئات نحو الاتجاهات  التي يريدونها. لذا نجد من الضروري جدا وقاية الفئات العمرية الصغيرة والشباب في  المدارس والجامعات من تلك التيارات من خلال وضع خطط محكمة للسيطرة على القاعات الدراسية. ويجب أن نعرف جيدا أن عالم اليوم الذي نعيشه يختلف عن عالم القرن الماضي، فعالم اليوم مفتوح فلا يمكن لأب أو أم أو أي شخص آخر السيطرة على أبنائه وبناته   ما لم يكونون محصنين تحصينا يمنع اي تأثير لأصحاب الافكار السوداء عليهم. كما يجب على وزارة التربية وكذلك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تكليف عدد من الأساتذة والمربين المشهود لهم بالإخلاص وحسن السلوك بوضع خطط واقعية من أجل تطبيقها لغرض الحد من ظاهرة التطرف الديني. وعلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إعادة النظر في الخطاب الديني بما يرسخ سياسة الاعتدال  ونبذ التطرف.
روى لي أحد اقاربي واسمه  (أ. ح) وهو من  الذين تحررت مناطقهم أخيرا، يقول: كنا نصلي في مسجد (ذ. ع) والإمام يصلي فينا ويخطب كل جمعة. بعد دخول داعش، فوجئنا بشاب يأتي إلى ذلك المسجد ويصعد الى المنبر ويطلب من الامام الحقيقي ان يترك المسجد وقال له بالضبط: دورك قد انتهى، حاول الامام الدخول في نقاش ولكنه وجد نفسه مرميا خارج المسجد، وفيما بعد منع من دخول المسجد لإداء الصلاة. المهم صعد الشاب إلى المنبر والقى خطبته وانتهى وفي الخطبة الثانية، قال: السلام على النبي الضحوك القتال الذي جاء بالسيف وليس القلم؟ وبعد ان كررها للمرة الثانية في الجمعة التالية، توجه اليه (أ.ح) وسأله بخوف وحذر عن المرجع الذي اعتمده في هذه العبارة، قال له سوف أرد عليك الجمعة القادمة. وفعلا في الجمعة الثالثة حضر ذلك الامام المزيف والقى خطبته وفي الخطبة الثانية ردد نفس العبارة وقال ان مصدرها: التوراة؟
عليه نقترح على وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بضرورة إعادة الخطاب الديني وتوحيده، ومنع التطرف الديني وتشجيع الاعتدال الذي دعا إليه الإسلام ، والتأكيد على مفهوم الجهاد ليعني جهاد النفس والبناء والإعمار .
سادسا: اليتامى والمشردون
من ناحية أخرى فقد خلفت معركة تحرير الموصل وما سبقها من تحضيرات، تدمير بيوت كاملة سقطت نتيجة القصف على رؤوس أصحابها، وقد خلفت مشردين من الأطفال والصبية الذين فقدوا عوائلهم واصبحوا بلا مأوى ولا أهل وهذه مصيبة كبرى قد اشرت اليها خلال عرضي صورة الموناليزا الموصلية التي تنكأ جراحاتها الملتهبة ، فقد كتب المؤرخ الأستاذ الدكتور سيار الجميل مقترحا  بتاريخ 31 مارس 2017م على تلك الصورة يقول: "ان المأساة ليست في صورة معاناتها اليوم، ولكن الفجيعة في مصيرها ومستقبلها .. هي والمئات من الصبايا والصبيان والاطفال الذين فقدوا اهلهم جميعا وتشردوا.. عواطفنا على العين والرأس، ولكن على الجميع ان يفكر بالوسائل التي يمكنها ان تحميهم وتقي كرامتهم وعذريتهم اولا وحياتهم وتعليمهم ثانيا وتأمين مستقبلهم ثالثا.. باستحداث دور خاصة بهم حتى وان كانت اهلية يقوم عليها من ذوي الفضل والبر.. على مجتمعنا ان يعي الحاجة الماسة الى ضميرهم اليوم ازاء هؤلاء، فهم اولادنا وبناتنا.. ليكن شعارنا اليوم وغدا: كيف نحمي هؤلاء الذين فقدوا اهلهم وذويهم، ولا يمكن لأي صاحب ضمير حي ان يسكت على وضعهم خوفا عليهم من ان يفقدوا اعز ما يملكون. قبل ستين سنة كان اهل البر والاحسان في الموصل ايام الاستقرار ينفقون على جمعيات لحماية الايتام وتربيتهم والهلال الاحمر في الموصل نفسها.. فكيف بنا اليوم؟ هل من اناس اخيار يأخذون هذا المشروع ليطبقوه في الموصل بحيث يقوم في المدينة بناء كبير لرعاية الاولاد وبناء كبير آخر لرعاية البنات ضمن نظام اداري وتربوي وغذائي وتعليمي؟؟ لا يمكن الاعتماد على الحكومة المركزية ولا المحلية.. ابدا.. اناشد ضمائر كل الاصلاء لتنفيذ هذا المشروع سواء من خلال التبرعات الجارية او من خلال سبيل الوقفيات تتبناه جمعية اهلية خاصة من اجل تربية ونشأة وتعليم هؤلاء الابرياء وان يبدأ منذ هذا اليوم .. والا نكون قد ساهمنا في تشريد هؤلاء الابرياء والعبث بمصيرهم بعد ان حلت بهم هذه الفجائع.. تحياتي لكم جميعا".
من هنا اناشد
1. العوائل الموصلية الميسورة لتشكيل جمعية خيرية لرعاية الأيتام وفتح دارين للأيتام: واحد للذكور وآخر للاناث وتعليمهم مهنا شريفة حرة داخل الدار كي يستطيعوا العيش بكرامة وعفة وضمان مستقبلهم وخدمة وطنهم.
2. نطالب الحكومة المركزية والمحلية بصرف تعويضات عاجلة للمتضررين كافة وفق معايير عادلة ومن خلال لجان تنصف جميع المتضررين على من تبقى من العوائل المتضررة الاستفادة من هذه التعويضات وإعادتهم الى الحياة بأمان واطمئنان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

553 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع