تهديدات الوزير وتناقضاته

                                                

                       د. منار الشوربجي


تهديدات الوزير وتناقضاته

الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي للصين، هي الأولى من نوعها منذ تولي ترامب، ولها دلالاتها المهمة على صعيد العلاقات الآسيوية الدبلوماسية والأمنية.

لعلها ليست مصادفة أن الذي زار بكين كان وزير الخارجية، ريك تيلرسون، لا وزير الدفاع، جيمس ماتيس، الذي كانت أولى زياراته الخارجية هو الآخر لآسيا، وماتيس زار كل من طوكيو وسيؤول مثلما فعل تيلرسون، الذي زارهما قبل أن يصل لبكين، والسائد في واشنطن أن تيلرسون يمثل الحلقة الأضعف في فريق ترامب للأمن القومي والسياسة الخارجية.

الرجل نادراً ما يحضر لقاءات ترامب مع أي مسؤول دولي يزور واشنطن، ويشكك المراقبون في قدرته على إقناع الرئيس الأميركي بالسياسات التي يقترحها.

ثم إن وزارة الخارجية نفسها ستكون أكثر ضعفاً من غيرها من الوزارات والهيئات في مجال صنع سياسات الأمن القومي والسياسة الخارجية، لو نجح ترامب في تمرير ميزانيته المقترحة من الكونغرس.

إدارة ترامب تقترح خفضاً يصل إلى 29 % من ميزانية وزارة الخارجية، وزيادة بمقدار 54 مليار دولار في ميزانية وزارة الدفاع، والتمويل جزء من النفوذ في واشنطن بين هيئات ووزارات تتنافس بحكم العادة على الاضطلاع بالمهام المختلفة.

لذلك كان لافتاً، وإن لم يكن مستغرباً، أن يزور تيلرسون، لا ماتيس، بكين، خصوصاً في ضوء الموقف المتشدد الذي يتخذه ترامب من الصين منذ أن كان مرشحاً، وقبل أن يتولى حتى الرئاسة، وزيارة وزير الخارجية الأميركي، أتت أيضاً في لحظة يرتفع فيها التوتر في آسيا، خصوصاً بعد التجارب المتكررة التي قامت بها كوريا الشمالية لصواريخ بالستية، كان منها أربعة بداية الشهر الحالي، وصل أحدها لمسافة تبعد 200 كيلومتر فقط عن الأراضي اليابانية.

لكن زيارة تيلرسون شهدت تناقضات عدة في التصريحات، أو على أقل تقدير، تغيراً ملحوظاً في لغة الخطاب التي استخدمها الوزير الأميركي بخصوص كوريا الشمالية، باختلاف العاصمة التي يزورها، ولعل العنوان الرئيس للزيارة هو التصريح الذي أدلى به في سيؤول، والذي أعلن فيه أن «الصبر» قد نفد إزاء بيونغ يانغ، وأن «كل الخيارات» موضع الاعتبار.

لغة التعاون مع الحلفاء التي استخدمها تيلرسون في اليابان، اختلفت بوضوح عن لغة التهديد التي استخدمها في سيؤول، والاثنتان اختلفتا عن تلك التي استخدمها في زيارته للصين، ففي زيارة وزير الخارجية الأميركي لليابان، التي كانت أولى محطات جولته، كان جوهر الرسالة التي قدمها، هو ضرورة التعاون «الثلاثي» بين الولايات المتحدة وحليفتيها، اليابان وكوريا الجنوبية، ضد التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية، وهو دعا طوكيو تحديداً لبذل كل الجهد من أجل إزالة العوائق التي تحول دون توثيق التعاون مع كوريا الجنوبية، خصوصاً بعد التحولات الكبرى التي تشهدها الأخيرة.

رئيسة كوريا الجنوبية، التي أطيح بها مؤخراً، كانت هي التي وقعت العام الماضي اتفاقاً بين البلدين، يسهم في حل واحدة من أعقد القضايا وأكثرها حساسية في العلاقة بين البلدين، وهى المتعلقة بالنساء الكوريات اللائي أجبرن، زمن الحرب، على العمل بالدعارة في اليابان، لكن كل الفرقاء في كوريا الجنوبية، بعد خروج الرئيسة السابقة من الحكم، يصرون على إعادة التفاوض بخصوص القضية، الأمر الذي يرفع من حدة التوتر بين البلدين.

رسالة التعاون والتطمين التي وجهها تيلرسون من اليابان، اختلفت كثيراً عن الرسالة التي وجهها من سيؤول، فهو هناك أطلق تصريحه الذي يستخدم لغة التهديد، إذ قال «أود أن أكون واضحاً، فسياسة الصبر الاستراتيجي انتهت، ونحن نبحث مجموعة من الخيارات الأمنية والدبلوماسية الجديدة، وكل الخيارات مطروحة»، وعلى الرغم من أن بعض المراقبين فهموا من التصريح أنه يعني أن واشنطن تفكر جدياً في استخدام القوة العسكرية، أو تغيير النظام في كوريا الشمالية.

إلا أن الكثيرين رأوا أن التصريح لم يكن موجهاً لكوريا الشمالية، بقدر ما كان يستهدف الصين، التي كانت المحطة التالية في جولة الوزير، وذلك بهدف دفع الصين لفعل المزيد تجاه حليفتها الشمالية، لكن لو كان ذلك هو هدف واشنطن فعلاً، فالواضح أنه لم يلقَ آذاناً مصغية في الصين، فهناك، وبعد لقاء المسؤولين الصينيين، خرجت تصريحات تيلرسون أقل حدة من جديد.

صحيح أنه قال إن التوتر مع كوريا الشمالية قد وصل «لمستويات خطرة»، إلا أنه أعرب عن عزم بلاده على العمل مع حلفائها، ومع الصين، من أجل جذب كوريا الشمالية إلى وضع آخر «يمكن فيه فتح حوار». أما الصين نفسها، فقد بدت في تصريحات وزير خارجيتها أثناء زيارة تيلرسون، وكأنها وسيط، لا الحليف الرئيس لكوريا الشمالية، ودعا الوزير الصيني، نظيره الأميركي «للتحلي بالهدوء» في التعامل مع الأزمة، مؤكداً أنه «مهما حدث، فإن علينا أن نظل ملتزمين بالأدوات الدبلوماسية من أجل التوصل لتسوية سلمية».

معنى كل ذلك، أن الموقف الأميركي في الفترة المقبلة، سيتوقف على موقف باقي أطراف فريق السياسة الخارجية الأميركي من الصين أصلاً، ربما أكثر من موقفه من كوريا الشمالية.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

650 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع