العنف يتحدى الرئيس

                                                              

                             جيسي جاكسون

يركز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريحاته على ما يصفه بالمذبحة الجارية في شيكاغو، مقترحاً إرسال القوات الفيدرالية، إذا لم ينخفض معدل جرائم القتل البشعة في المدينة.

في مؤتمر صحافي أخيراً، أعلن عن خطط تقضي بتشكيل «فريق مهمته خفض الجرائم العنيفة في أميركا، بما في ذلك الوضع الرهيب الجاري حالياً في مدننا الداخلية، ألقوا نظرة على شيكاغو وغيرها».

وخلال حملته الانتخابية، قال ترامب إنه يعرف الإجابة عن مشكلة الجريمة في شيكاغو: «كيف؟ في أن نكون أكثر قسوة عليهم مما هم عليه الآن». وزعم أنه التقى كبار ضباط الشرطة في شيكاغو، وقال له أحدهم: «سأكون قادراً على وقف ذلك في غضون أسبوع واحد» إذا ما تمكنت من تطبيق أساليب لا هوادة فيها ولا رحمة.

وعلى ما يبدو، فإن ترامب لا توجد فكرة لديه عن مدى قسوة شرطة شيكاغو على الأميركيين من أصل أفريقي، وقد جاءت تعليقاته المذكورة أعلاه في أعقاب التظاهرات حول استخدام القوة من جانب الشرطة، بما في ذلك مقتل كان ماك دونالد، وهي الحادثة التي التقطتها عدسات الكاميرا، وجرى التستر عليها.

لكن لماذا معدل الجريمة يعد عالياً جداً في شيكاغو؟ في الواقع، هذا المعدل انخفض في وقت سابق من هذا العقد كما في المدن الأخرى، لكنه عاد وارتفع بقوة في السنوات الأخيرة.

يقوم ترامب بتعريف الوضع بشكل صحيح عندما يقول إنه توجد مدينتين تسمى شيكاغو: «هناك شيكاغو رائعة وفاخرة بشكل لا يصدق وكل ذلك، إضافة إلى كونها آمنة. وهناك شيكاغو أخرى أسوأ تقريباً من أي مكان بائس في الشرق الأوسط، وهي التي نتحدث عنها، وتتحدثون عنها تقريباً كل ليلة في نشرات الأخبار».

تعتبر شيكاغو المدينة الأكثر تمييزاً وتفرقة في البلاد، ويتركز الفقر في الأحياء الفقيرة، حيث يقطن الأميركيون الأفارقة بشكل واسع، ومع الفقر المركز وبطالة الشباب الرهيبة، تنتشر المخدرات والأسلحة وما يتبع ذلك من جريمة وأعمال قتل.

ولا يخبر ترامب كيف أصبحت شيكاغو في هذا الوضع من التفرقة. لم يكن الأمر حادثاً عرضياً، بل إن التفرقة في السكن فرض من جانب التخطيط المديني، وتقسيم المناطق المقيدة، وقوانين الإسكان؟!

وقد أدى العنف إلى إحباط الجهود الرامية إلى الاندماج. ونتيجة لذلك توجد مدينتان معزولتان وغير متكافئتين بشكل كبير. في أحياء الفقر المركز في شيكاغو، فإن نصف الرجال السود تقريباً ليسوا في المدارس أو يعملون في وظيفة.

وتظهر دراسة جديدة لجامعة الينوي في معهد المدن الكبرى في شيكاغو مدى سوء الأوضاع، حيث تفيد أن أكثر من 80% من الأميركيين الأفارقة في شيكاغوـ بأعمار تتراوح ما بين 16 إلى 19 عاماً، ليست لديهم وظائف، وهذه وصفة جاهزة للعنف والعصابات والمتاعب.

يلقي البعض باللوم على العصابات، وسهولة الوصول إلى الأسلحة والمخدرات، لكنهم بذلك يخلطون بين الأعراض والأسباب، «فمن أين تأتي العصابات؟ يقول روبرت جيه سامسون، مؤلف «المدينة الأميركية العظمى: شيكاغو وتأثير الأحياء الدائم»، إنه لا يمكن فصل مشكلة العصابات عن مشكلة التركيز العميق للفقر.

ومن خلال فصلها عنصرياً، تعاني المجتمعات المفقرة من غياب الوظائف والمستشفيات ومن ضعف المدارس وحقارة الشوارع وسموم البيئة والسكن غير اللائق. ويأتي استمرار العنف والفقر المركز في شيكاغو، وفقاً لاستنتاجات سامسون من «التمييز الاجتماعي والاقتصادي واسع النطاق».

ولا يكمن الحل للجريمة وجرائم القتل في شيكاغو بتكتيكات للشرطة أكثر صرامة، فشركة شيكاغو معروفة بصيتها السيئ بالقسوة أصلاً، بل إن الحل يكون في إزالة تمركز الفقر إلى جانب تنشيط الأحياء الفقيرة، وتحدث فرص العمل للشباب فارقاً كبيراً.

نحتاج إلى إسكان لأصحاب المداخيل المختلطة في جميع أنحاء منطقة المدينة، التجارب التي نقلت الناس من «انغلوود» الفقيرة إلى أحياء الضواحي الغنية أثبتت نجاحها بشكل ملحوظ. كما أن تنشيط أحياء المدينة وتحطيم الجدران بين أنماط الحياة، التي تنطوي على تمييز وفصل يتطلب قيادة، من المدينة ومن الحكومة الفيدرالية.

إذا كان ترامب يريد فعلاً أن ينجح في الحد من جرائم القتل في شيكاغو، فيجب ألا يلتقي مع المحافظين ورؤساء البلدية فقط، بل أيضاً مع غيرهم من المسؤولين المنتخبين والوزراء وقادة المجتمع، مقدماً خطة رئيسة لإعادة بناء تلك الأحياء ووضع الناس، لا سيما الشباب، في وظائف- وفي الوقت نفسه فتح المجال أمام سكن الدخل المختلط في أنحاء منطقة الحاضرة.

وفيما وجود رجال شرطة أشداء قد يبدو أكثر ذكورية، إلا أنه يمثل وقفة، وليس سياسة، وإلهاء وليس حلاً.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

737 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع