خطابة دوت كوم!

                                      

                                       د.نوف علي المطيري


عندما استشارتني إحدى الزميلات في اللجوء لمواقع الزواج الإلكترونية وأرقام الخطّابات المنتشرة في عالم الفضاء الإلكتروني بحثاً عن عريس لابنتها التي تجاوزت الثلاثين دون أن تتزوّج أو يطرق بابها خاطب، شعرت بالصدمة والتعجّب فالأم من أكثر المعارضين لهذه الطريقة ولكن يبدو أن قلة الحيلة أعجزتها ولا تريد لابنتها أن تنتهي وحيدة وبلا أطفال.

كانت الأم تشعر بالحرج من اللجوء لهذه الطريقة وترى أنها لا تليق بأسرتهم ولكنني شجّعتها على المضي في البحث عن عريس لابنتها وقلت لها: ما المانع فالعالم اليوم يتجه لتسخير التكنولوجيا لخدمة الإنسان في كل جوانب حياته، المهم أن تحرصوا على السؤال عن العريس وأخلاقه وعدم الاكتفاء بالمعلومات التي تقدّمها الخطابة سواء كانت خَطبة تقليدية أو إلكترونية، فالعائلة مسؤولة عن التحقق من صحة المعلومات التي تقدّم لهم والبحث في ماضي العريس حتى لا تقع ضحيّة للنصابين فتنتقل ابنتهم من لقب "عانس" إلى لقب "مطلقة" بسرعة الضوء فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.

حديث زميلتي وقلقها على مستقبل ابنتها خاصة في ظل تأخرها في الزواج والإنجاب وما أسمعه من الصديقات وما أشاهده في مواقع الإنترنت من لجوء كثير من الفتيات والعائلات لأرقام الخطابات الإلكترونيات المنتشرة على الشبكة العنكبوتية بحثاً عن العرسان لبناتهم حتى الصغيرات منهن خوفاً من شبح "العنوسة الذي يطارد الكثير من الفتيات العربيات، يدفعني للتساؤل عن مدى انتشار هذه الظاهرة في عالمنا العربي خاصة في ظل ازدياد نسبة العنوسة بين الفتيات وارتفاع سن الزواج لدى الشباب ومدى تقبّل العائلات خاصة المحافظة منها لهذه الطريقة الحديثة والتي لا تختلف عن الطريقة التقليدية عدا كونها أصبحت أكثر مرونة وعابرة للقارّات، فالعائلة في السابق تكتفي بما تعرضه الخطابة التقليدية من صور العرسان ومواصفاتهم والذين لا يتجاوزن حدود الحي أو المدينة التي تسكن بها والآن أصبح بإمكان العائلة البحث عن عريس لابنتها سواء داخل أو خارج البلد، والأمر في النهاية مرهون بجديّة الخطابة وحرصها على جمع رأسين بالحلال وليس الحرص على جمع المادة -كما يتهمن عادة-. والمجال أصبح الآن يشهد منافسة كبيرة من قبل بعض الرجال خاصة أن المقابل المادي في بعض الحالات يكون مرتفعاً. وفي ظل الطلب المستمر من قبل الفتيات على العريس الثري وصاحب الجاه شهدنا ما يسمّى بخطابات وخطابين الشيوخ وعلية القوم والذين يصل أسعارهم في بعض الحالات لعشرات ومئات الآلاف ومقابل تدبير"عريس لقطة" وصاحب منصب وجاه، على الفتاة وعائلتها أن تدفع الأموال الطائلة لتنال المراد، وأصبحنا نقرأ إعلانات عن زواج شرعي معلن أو زواج مسيار وغيرها من المسمّيات التي يتحفنا بها هؤلاء الخطابين والخطابات في إعلاناتهم المنتشرة في عدد من المواقع.

ورغم أن معظم العائلات سواء كانت من الطبقة الراقية أو الكادحة لا تعترف صراحة أمام الأقارب والمعارف بأن العريس جاء من خلال خطابة- سواء كانت تقليدية أو إلكترونية- خوفاً من النظرة الدونيّة للفتاة ووصمها بالعانس وتكتفي بالإشارة إلى القسمة والنصيب حتى لو كان العريس من بلد أو قارّة أخرى، ورغم أن النظرة للخطابات ولمن تلجأ لهن لا تزال كما هي في مجتمعاتنا العربية إلا أن هناك إقبالا على الخطابات والخطابين المنتشرين على الشبكة العنكبوتية وبكثرة طمعاً بالحصول على عريس، خاصة أن بعض العائلات -سواء في البلدان العربية أو المهجر- ليس لديها إلا القليل من الأقارب والمعارف، ممّا يقلل من فرص الحصول على عريس مناسب لإحدى بناتهم.
ذات مرّة أبحرت في الشبكة العنكبوتية واطلعت على الإعلانات الغزيرة سواء للخطابات أو الفتيات وكانت معظم الطلبات من فتيات صغيرات بالسن وليس كما يشاع عادة بأن أكثر من يطلب خدمات الخطابات من فئة العوانس والأرامل والمطلقات واللاتي عفا عليهن الزمن وهذا ممّا أثار حيرتي! فهل تلجأ الفتاة خاصة من تكون دون الخامسة والعشرين لخدمات الخطابة الإلكترونية بحثاً عن الزواج والحياة المستقرّة أو بحثاً عن التسلية.. خاصة أن معظم الإعلانات خياليّة أو تركز على المنصب والجاه والوسامة دون الاهتمام بالأخلاق والدين؟

إن وجود الخطابة سواء كانت زائرة للمنازل أو مبحرة في الشبكة العنكبوتية لن يختفي من مجتمعاتنا العربيّة خاصة في ظل رفض كثير من العائلات لاختيار الشاب أو الفتاة لشريك الحياة والاكتفاء بخدمات الخطابة والمعارف للجمع بين رأسين في الحلال، ولا أهاجم أو أؤيد هنا أي من الطريقتين ولكنني أشعر بأن على العائلات مسؤوليّة كبيرة في البحث عن خطابات على قدر من المسؤوليّة والجديّة خاصة أن كثيرا من الخطابات لا تحرص على مصلحة الفتاة بل على الحصول على أجرها ممّا قد ينعكس سلباً على الفتاة ومستقبلها. ولطالما لا توجد قوانين تحد من الخطابات والخطابين العابثين والباحثين عن المال وتنظم العاملين في هذا المجال وتراقب أنشطتهم، فحبذا لو تنشأ جمعيات مؤهلة ومختصة مهمتها إنقاذ الفتيات والأسر من الاستغلال وتساهم في سعادة الفتيات والشباب على حد سواء
د.نوف علي المطيري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

643 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع