هل سيتمكن ترامب من تغيير شكل العالم؟

                                                            

                         الدكتور محمد عياش الكبيسي

إذا كان الرئيس الأسبق بوش الأب تمكن من إثارة عاصفة في الصحراء فإن الرئيس الجديد تمكن من إثارة عاصفة على مستوى العالم، إنها عاصفة من المخاوف والتساؤلات التي تطال كل شيء؛ السياسة، والاقتصاد، والثقافة، بما في ذلك منظومة القيم الغربية نفسها.

شخصية ترمب ليست لغزاً، فالرجل واضح تماماً في طروحاته وتصريحاته، وهو يرفض أن يضع على وجهه ذلك الطلاء الذي يسميه الناس «دبلوماسية» كما أنه أكّد فور دخوله في البيت الأبيض أن تصريحاته المثيرة للجدل لم تكن دعاية انتخابية لجلب الأضواء وتحريك الأجواء، وإنما كانت تعبّر بصدق عن ثقافته وطموحه ونظرته لبلده وللعالم كله، جاء هذا من خلال الإجراءات السريعة التي اتخذها داخلياً وخارجياً.
التساؤل المتداول عندنا نحن العرب؛ هل يمكن للرئيس أن يقرر كل شيء دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة؟ وهنا ندخل في جدل مستمر حول صلاحيات الرئيس والهامش الذي يتحرك فيه خارج هذه المؤسسات.
الحقيقة أن الرئيس الأميركي أيّا كان لا يأتي بطفرة غير متوقعة، فهو مرشح من أحد الحزبين العريقين المتنافسين، وبالتالي فافتراض أن يكون الرئيس في كفّة والمؤسسات الأخرى في كفة ثانية افتراض غير صحيح، فالحزب الذي دفع به والمؤسسات التي أوصلته بالإضافة إلى صوت الناخب كل هؤلاء يعلمون من هو ترمب وما هي طروحاته وأفكاره، وليس من المتوقع أن يكون هناك نوع من التضليل أو التدليس، وهذا يعني على الأقل أن هناك انقساماً في هذه المؤسسات وفي الرأي العام أيضاً، فنحن إذاً لا نتكلم عن شخصية رئيس في مقابل مؤسسات الدولة، بل نتكلم عن أفكار جديدة وقيم جديدة وتصورات جديدة تمثل تغيّراً كبيراً وملموساً في ثقافة المجتمع الأميركي نفسه، هذا التغيّر بالطبع لا يمثل كل المجتمع، بل على العكس فمن المتوقع جدّا أن تظهر ردود فعل قوية وكبيرة تطالب بالحفاظ على الموروث الثقافي والقيمي، تماماً كما يحصل في أي مجتمع يواجه حركة تغييرية أو تجديدية.
إذاً جوهر التغيير الخطير الذي ستنعكس آثاره عالميّا هو التغيير القادم في البنية القيمية والثقافية للمجتمع الأميركي، والذي سيصبغ الثقافة الغربية كلها بصبغته في حال نجاح ترمب والتيار الداعم له في تعميم تصوراته وقيمه الجديدة.
لقد تربعت أميركا طيلة القرن الماضي على عرش من القيم والمبادئ والتصورات الكلية عن الحياة والإنسان والدولة والمواطن، وصارت شئْنا أم أَبْينا مثالاً يحتذى، ومعياراً ثابتاً لقياس أداء الدول المعاصرة وأنظمتها، بل لقد بالغ بعضهم أو «بعضنا» فجعله معياراً يحكم به على التاريخ، على الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، وحتى دولة الإسلام في الأندلس!.
إننا اليوم أمام زلزال ثقافي، قبل أن يكون سياسيّا أو اقتصاديّا، حتى لو كنا لا نملك لحد الآن مقياساً دقيقاً لدرجته ولا لهزّاته الارتدادية المحتملة.
إن النهج الترمبي يحاول اليوم بشراسة أن يعيد صياغة التعريفات الأولية التي كانت إلى قبل أشهر فقط مسلّمات وثوابت غير قابلة للنظر ولا حتى للسؤال، ومن ثم فإن المجتمع الأميركي قبل غيره يمرّ الآن بمرحلة الاختبار الأصعب، ولن يجتاز هذه المرحلة من دون خسائر. لقد أبدى المجتمع الأميركي خلال الأيام الماضية تمسّكا ملحوظا بقيمه الأصيلة في مواجهة قرارات ترمب بشأن المسلمين المهاجرين، والذين علِق عدد منهم في المطارات رغم التأشيرات التي يحملونها، وقد كان لمؤسسة القضاء الدور الحاسم في تحجيم هذه القرارات، وهذا يعني أن الطريق أمام ترمب ليست ممهدة تماما، كما يعني من جانبنا نحن المسلمين ضرورة الاستفادة من حالة التعاطف الشعبي لمحاصرة حملات التشويه التي كان لها الأثر الأسوأ في تشكيل صورة الإنسان العربي والمسلم في الذهنية الأميركية والغربية عموما.
إدراج العراق ضمن الدول التي يشملها الحظر يحمل دلالة أخرى؛ فالأميركيون الذين سمحوا لأنفسهم دون أي غطاء دولي بغزو العراق في 2003 كانوا قد وعدوا العالم بتحويل العراق إلى دولة ديمقراطية ومثال يحتذى به في المنطقة، ثم بعد مرور قرابة العقد والنصف يأتي هذا القرار الذي يتعامل مع العراق كدولة خطيرة ومصدّرة للإرهاب!
إشارات ترمب بهذا الصدد تحمل اعترافات خطيرة وانتقادات لاذعة للإدارات السابقة التي حوّلت العراق إلى ضيعة إيرانية وبؤرة لصناعة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وهنا ليس لنا إلا الانتظار للحكم على سياسات ترمب تجاه العراق ما إذا كانت شعارات استهلاكية أو أنها تحمل بالفعل مشروعا مختلفا.
في إشارة سريعة أيضا وذات دلالة عميقة أجابت إدارة ترمب عن سبب استبعاد المملكة العربية السعودية من قائمة الحظر التي طالت إيران والعراق بالقول: «إن السعودية دولة قوية وقادرة على ضبط مواطنيها وتحمل مسؤولياتها، وإننا نستطيع أن نطمئن من كل وافد إلى بلادنا من جهة السعودية، كما أن هذا يؤكّد أن مشكلتنا أمنية بحتة وليست موجهة ضد دين معيّن».
ربما أشعل هذا التصريح المتزامن مع تصريحات أخرى فيها قدر من التهديد لإيران حالة من التأييد والتفاؤل نلمسها على مواقع التواصل الاجتماعي لدى شريحة واسعة من المثقفين والشباب العرب الذين أقنعتهم إيران أنها باتت تشكل الخطر الأكبر عليهم وعلى بلادهم، بل راح الكثير منهم يستعجل ذلك اليوم الذي سينفّذ فيه ترمب تهديداته تجاه إيران، وهكذا تكون إيران قد وضعت نفسها في بحر محيط من الكراهية، إضافة إلى حالة التذمّر الداخلي التي وصلت هذه الأيام إلى حافة الانفجار، بحيث إن الكثير من الشباب الإيراني نفسه إضافة إلى المكوّنات والأقليات المضطهدة باتت تتمنى أيضا ما تتمناه شعوبنا العربية والإسلامية.
هذا يعني أن سياسة ترمب المتوقعة تجاه إيران والمنطقة ربما تحظى بتأييد مختلف تماما عن تلك المتعلقة بحالة المهاجرين أو التمييز الديني والعنصري داخل المجتمع الأميركي.
هناك أيضا مؤشرات خطيرة تخص العلاقة مع الروس والاتحاد الأوروبي وحتى الأمم المتحدة، إضافة إلى ما يشاع عن تشجيع ترمب للنزعات الشعبوية وتفكيك البنية الأساسية التي قامت عليها كثير من الكيانات والمؤسسات الدولية المعاصرة، ما ولّد انطباعا عن عزم ترمب والجهات الداعمة له على إعادة تشكيل النظام العالمي بطريقة جديدة! وإن كانت هذه الطريقة غير واضحة المعالم لكنها في الأخير لا تخرج بحال عن خيمة الإمبراطورية الأميركية الجديدة، أو ما كنا نسمع عنه «الحكومة العالمية».

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع