العيون السود

                                            

               سيف شمس الالوسي / بروكسل

             

العيون السود

غالباً ما اصف نفسي بالمحظوظ، تصادفني أشياء تجذبني إلى الضوء وتفتح أمامي أبوابا كثيرة لا حصر لها، أبواب الفكر النيرة هي أجمل من باب افتح يا سمسم، ومن ضمن تلك الأبواب التي فتحت لي مؤخرا، هو إني اعمل في المركز الثقافي العربي في بروكسل، ليخبرني مديري في العمل علي خضر وهو صاحب ذلك المركز العريق بأن احد أصدقائي في احد المواقع التواصل الاجتماعي هو صديق له على أرض الواقع وقال لي بأنه صاحب رؤى مستقبلية  لما يحمله من فكر نير وخصب، قلت له مسرعاً من هو فأجابني انه الأستاذ كريم عبد.
بعد ذلك بأيام أعارني أحد كتبه وهو مجموعته القصصية الأخيرة والتي تحمل عنوان (العيون السود) واشترط علي أن أعيده ، فتحت صفحاته وبدأت بالقراءة حتى تهت بدهاليز قصصه وحكاياته التي تعبر بصورة واقعية وكأنها صورة فلمية التقطت من واقعية المجتمع.
يحمل كتابه العديد من القصص القصيرة التي تعدت حدود الوصف والنقد، ففيه إحدى عشرة قصة وهي :-
1- زيارة .
2- مهمة سرية .
3- العيون السود.
4- ودت لو تجلس على الرصيف.
5- في بيت قديم .
6- نهايات الأشجار العالية .
7- ضجيج البساتين.
8- رائحة البيت .
9- الكلاب تنبح والمطر يشتد .
10- أيام بغداد 1973 .
11- ملاحقة الأشباح .
ففي كل قصة من هذه التي غالبا ما يطغي عليها روح القرية والبستان فتشكل منها ثيمة تعكس المجتمع البسيط فيما لو رأيناه من بعيد لكنه معقد جدا عندما نخوض في تفاصيله، فنرى الصراعات والدسائس والحب والعشق والسرقة والجريمة والفتنة والكرم، مجتمع بسيط وساذج وذكي ومعقد في نفس الوقت، في الحقيقة انه لشيء صعب جدا أن تعطي كل تلك الأبعاد في قصة قصيرة، تلك القصص هي مرآة لواقع مرير قد عاشه العراقي أيام أطغى واظلم وأعسر نظام حكم شهدته الإنسانية، عكس لنا ويلات الحرب والأسر وما يتبعها من شجن وحزن وتهديم للذات حتى أصبحت الشخصية ليست لها أي ديناميكية أو مسعى في هذه الحياة سوى الطعام والشراب وانتظار الأجل المرير .
الحب ينتهي فيها ويتلاشى مثل الظلم والكرم والقسوة والطيب، كل شيء آيل للانهيار، وأنا أسير بدهاليز قصصه أقول مع نفسي إن هذه العقول يجب أن تُرعى ويسلط عليها الضوء، فعبد الستار ناصر لم يمت مادامت هنالك أقلام تكتب بذلك المستوى .
البستان والنهر ومضخة الماء هي المحور الرئيسي في مجموعته القصصية هذه، فلو تفكرنا فيها جيدا،  بأن جميعها ترمز للحياة فمن دونها لا توجد ولا نوجد، فمنها نخرج واليها نعود، نسمع مضخة الماء من دون صوت، فكلماته تنقلها لنا، البستان والخضار ومياه النهر تجري رامزا لجريان الحياة حتى وضع فيها لقاءات حب وغرام، ومواعيد وخيانة ودموع وبكاء، مثّل الحياة بهذه القرية الصغيرة.
في آخر قصة من قصصه اختار لنا إحداها وهي ملاحقة الأشباح وهو يروي اجتياح العراق للكويت وما تبعها من أحداث كالانتفاضة الجنوبية التي حدثت ما بعد غزو الكويت وكيف أصبح مصير بعض الجلاوزة الذين ارتكبوا أبشع صور الإجرام.
في الحقيقة مهما تكلمت لم أوفي حق ذلك الكتاب ولم أشأ أن أضع اقتباسات أو أتكلم عن كل قصة فأريد من القارئ الكريم أن يشده الفضول ويسعى للحصول على ذلك الكتاب القيم الذي يعتبر إن صح التعبير احد التاريخ القصصي، وهو سيروى للأجيال، هنالك ضحكات وبكاء وآلم ورقص وفرح وعويل وصراع كلها تدار بصمت وبكبت لأنه خير مثال لعكس شخصية الفرد العراقي الذي أصبح بين حجري رحى، عليه أن يكون تلك البذرة المسكينة التي ستكون لها سلسلة مروعة من البذار وحتى الأكل ومن ثم الانتهاء وربما العودة مرة أخرى وكل ذلك يجري عليها بصمت خفي .
شكرا للكاتب الكبير كريم عبد وشكرا للأستاذ الفاضل علي خضر لإتاحتك لي الفرصة بقراءة ذلك الكتاب .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

583 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع