رواية الحياة والحلم!

                                                           

                                   عائشة سلطان

في كل مكان على هذه الأرض، وحيث تهب رياح من جميع الجهات وتوجد حياة مختلفة عن حياتنا، هناك فقراء ومعدمون وأطفال ونساء ورجال وقدرة إنسانية مرعبة على صناعة الحياة والفرح والتسلية حين يريد الإنسان ذلك، تماماً كما أن هناك قدرة على البؤس والجشع والجريمة والخيانة حين يقرر الإنسان ذلك.

فالهزيمة ليست قدراً، والخيانة والقتل والحياة بلا هدف قرارات واختيارات، لكن الإنسان بطبيعته الضعيفة ينسحب دائماً من مواجهة الحقيقة حين لا تكون في مصلحته، هو يريد دائماً أن يبدو ضحية الظروف، وأن الظروف هي التي جعلته مجرماً وإرهابياً ومنحرفاً وخائناً وليس اختياره البائس!

نعم، لا يملك الإنسان أن يغيّر ظروف الجغرافيا، لا يمكنه أن يخترع الغنى أو المال أو المدينة إذا كان يعيش في قرية نائية، لكنه يستطيع أن يغيّر ظروفه بشيء من الإصرار والإرادة واستخدام الملكات التي منحه الله إياها، يستطيع إن كان هناك من آمن معه بالهدف ذاته، لكنه يستطيع أيضاً أن يستسلم لخيانة زوجته، ويقضي النهار جالساً على كرسيه وغارقاً في فكرة الانتقام منها دون أن يفعل شيئاً آخر، بينما قد يندفع رجل آخر صوب أفق مختلف محوّلاً مشكلته إلى شكل آخر ومختلف للحياة والعلاقات، فحتى المشكلات والأزمات لها وجه آخر قد يكون مفيداً أحياناً، إذا لم نستسلم لضعفنا!

هذا بالضبط ما أرادت أن تقوله لنا بطلة رواية «راوية الأفلام» ماريا مرغريتا التي كانت تعيش مع والديها وإخوتها الأربعة الذكور، قبل أن تهرب أمها من القرية البائسة، مخلّفةً أبناءها الخمسة في مهب الإهمال، وزوجها نهباً للغضب والشعور القاتم بالمرارة والإهانة، أما الفتاة الصغيرة فتحوّل موهبتها في التقليد والحفظ والمقدرة على القص إلى عمل مثير ومبتكر، وتصبح راوية أفلام الأسرة، ثم راوية القرية كلها، ويتسابق الجميع إلى حضور عروضها المسائية، وتعيد رواية الأفلام التي تشاهدها في قاعة السينما الوحيدة في البلدة.

تدريجياً تطوِّر إمكاناتها وأدواتها، تقرأ عن السينما والفنانين، وتخترع أقنعة وملابس لتتمكن من أداء مهمتها بشكل أفضل، والدها يبقى محبوساً في شعوره بالمرارة حتى يموت أثناء عرضها أحد الأفلام، بينما تصدم سيارة أحد أشقائها، ويتبعه الثاني والثالث والرابع كلهم إلى مصيره المحتوم، ثم يهجر أهل القرية كلهم المكان، وتبقى راوية الأفلام وحدها بعد أن كبرت وتبدلت الحال، تستقبل السياح وتروي لهم كيف عاشت طفولة سعيدة، وكيف عاشت فتاة صغيرة كانت تروي الأفلام، قبل أن ينسحب الجميع تباعاً، وتظهر على شاشة الحياة كلمة «النهاية»!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع