أكتشف المعدن الذي فاق سعره المليارات

                                                              

                                  خالد حسن الخطيب

 بعد ثورة 14 تموز عام 1958 قام الزعيم عبد الكريم قاسم بإنشاء مدينة للضباط  تضم عددا من الدور السكنية مختلفة المساحات توزع على ضباط الجيش العراقي المسجلين في جمعية اسكان الضباط و تم انشاء المدينة الاولى في جانب الكرخ في منطقة اليرموك و التي سميت في بادئ الامر  بمدينة القاسم  تيمنا بسعود طالعه  ثم قام بإنشاء المدينة الثانية في جانب الرصافة  المسماة مدينة الضباط ( زيونة ) .

وكان من احد المستلمين لهذه الدور هو الضابط الحقوقي عبد الاله احمد فليح الذي تخرج من كلية الحقوق والتحق  كضابط حقوقي بالجيش العراقي , وبعد سنوات عديدة تسلم العديد من المناصب العسكرية  والتي كانت اخرها مديرا للدائرة القانونية للحرس الجمهوري في عهد الرئيس صدام حسين . وكان رجلا مستقيما فاهما مقتدرا بكل اخلاص لتمشية امور مهام عمله في تلك الدائرة  المهمة والحساسة . وفي سنة 1991 احيل على التقاعد وانتسب الى نقابة المحامين وقام بفتح مكتب لمزاولة مهنة المحاماة  بعد ان فرض المجتمع الدولي عام 1990 القرارات السيئة الصيت المسماة بالعقوبات الاقتصادية وفرض الحصار الاقتصادي المجحف الذي تسبب بموت وهلاك ألاف الاطفال والضحايا بسبب الجوع ونقص الدواء والغذاء . فبدأت افاة البطالة وانعدام ابواب الرزق على المجتمع العراقي تظهر بوضوح وأخذت  مظاهر التقشف وارتفاع اسعار صرف العملة الصعبة تنوء بظلالها السوداء  المعتمة على جميع مناحي الحياة . وأخذت التوكيلات القانونية تقل بشكل كبير لدى جميع مكاتب المحامين واخذ الكثير من هؤلاء المحامون  بترك مكاتبهم بسبب سوء الاحوال الاقتصادية . إلا ان الاستاذ المحامي عبدالاله اصر بعدم ترك مكتبه وظل صامدا متوكلا على الله وهو يحتسب لعل الفرج قريب في مسك دعوة قانونية يقوم بالتوكل بها لدى المحاكم العراقية المختصة .
وفي  سنة 1993 جاءه  الى المكتب احد الاشخاص  وبيده اوراق تخص دعوة قانونية لتخليه عقار مدعيا انه يمتلك دار سكنية في احدى ضواحي بغداد وأنه قام بإيجار الدار  ببدل  شهري وقدرة (100) دينار إلا ان المستأجر لهذه الدار وبعد فترة من الزمن  لم يقم بتسديد بدل الايجار المتفق علية بموجب عقد ايجار مصدق  فقام صاحب الدار بالذهاب الى دائرة كاتب العدل والقيام بالإنذار القانوني  الاولي  الذي يشدد بوجوب دفع مبلغ الايجار خلال فترة عشرة ايام  إلا ان المستأجر لم يقم بدفع مبلغ الايجار لدى الدائرة المذكورة بعدها قام  صاحب الدار بإنذار المستأجر للمرة الثانية بواسطة دائرة كاتب العدل بوجوب  دفع بدل الايجار خلال فترة زمنية محددة فلم يسدد المستأجر بدل الايجار في دائرة كاتب العدل مما جعل الدعوة القانونية مستنفذة كل الشروط وان  قانون الايجار العراقي يقوم بحسم مثل هذه الدعاوي  المكتملة الشروط من اول جلسة .  فكانت هذه الدعوة من الدعاوي السهلة والميسرة بسبب السيطرة التامة على مجريات الامور وما على صاحب الدار إلا بتوكيل محامي ليتمكن من حسم الموضوع فورا وعدم اضاعة الوقت. وقد اتفق  المحامي عبدالاله فليح   وصاحب الدار على مبلغ وقدره خمسمائة دينار الذي يعتبر في ذلك الوقت مبلغا كبيرا جدا فقام صاحب الدعوة بتسليم المبلغ كاملا الى المحامي الذي بدوره قبل بتسلم اوراق الدعوة والقيام بالمرافعات القانونية.   وفي اليوم الثاني  جاء صاحب الدعوة الى مكتب  المحامي عبد الاله فليح  الذي كان بدور يتصفح اوراق الدعوة  للتأكد  من خلوها من النقوصات او غير ذلك وكان اسم المدعوعليه شاغل الدار هو السيد حامد قاسم فقام المحامي عبد الاله بسؤال صاحب الدار من هو حامد قاسم فأجاب صاحب الدار ان حامد قاسم هو شقيق الزعيم عبد الكريم قاسم حيث كان معسرا لا يتمكن من تسديد بدل الايجار فما كان من المحامي عبد الاله  الا وأسرع بفتح درج المكتب الخاص به  وإخراج  وإعادة  مبلغ ال ( 500 دينار ) للشخص الذي اوكله لهذه الدعوة وقال له بالحرف الواحد انا لا امسك دعوة ضد شخص  هو شقيق الزعيم عبد الكريم قاسم صاحب الفضل على ضباط الجيش العراقي حتى لو اعطيتني مبلغ خمسة ملايين دينار .... فقد تسلمت دار سكنية في عهده  لم اكن احلم بامتلاك دار في مدينة بغداد ... ووفاءا  واحتراما للمرحوم  الزعيم عبد الكريم قاسم فاني ارفض رفضا تماما القيام والتوكل بهذه الدعوة القانونية حتى وان كنت مختلفا معه في الاتجاهات الفكرية  وغير ذلك .
وهذا يدل على ان هناك اناس من ضباط الجيش العراقي الغيارى المتمسكين بالمثل والأخلاق العالية  والمخلصين اشد الاخلاص لقادتهم وأمرائهم بما قدموا لهم من خدمات . فكان الاستاذ عبد الاله احمد فليح  رحمة الله من اغلى المعادن ومن العيار الثقيل على الاطلاق .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

927 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع