المديفع والخطة الكبيرة!!!

                                                          


في ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت جمعية بناء المساكن للمعلمين في بغداد من انشط الجمعيات الاسكانية بتميز المواقع وكثرة المستفيدين وسعة مساحات القطع الموزعة ويعود ذلك لنشاط  الجمعية ورئيسها  رحمه الله ، وتم توزيع آلاف القطع بمنطقة وزيرية غزالية أي بجوار بغداد الجديدة ومنطقة السيدية والداودي وغيرها .

حصل أحد المعلمين ( وهو من اقاربي) على واحدة منها و في منتصف السيدية  وكان المعمول به لأغلبيتهم ولغرض البناء هو توفر خرائط ومواصفات وعقود جاهزة ويقوم المستفيد بالحصول على أجازة البناء ويسلمها مع العربون لمقاول البناء وأن عدد منهم يتعاقد دون أطلاعه موقعيا على أرضه لكونها ضمن اراضي زراعية موحلة لم يتم شق الطرق بها .
 وبعد أسابيع أتصل المقاول معتذرا عن تأخره بشق الاسس وصبها لوجود مشكلة بسيطة وهي نصب مدفع صغير بطول متر بوسط القطعة والآن يبدأ مسلسل حل المشكلة الحقيقي والفكاهي :
١- قام المقاول والمعلم بالتحدث مع جندي المدفع لايجاد الحل فأعلمهم بأن المدفع ضد الجو وهوليس بكبير بل سماه (مديفع) وبأمكانه سحبه الى اي شارع او موقع مدرسة غير مبنيه او حديقة مجاوره  ،الا انه طلب أعلام آمره  فقط ومقره خلف مدينة البياع .
٢- أعلما الجمعية بذلك فأرسلت معهما موظفا مع كتاب رسمي فأستقبلهم الآمر بأحسن العبارات قائلا بان الموضوع بسيط للغاية ولكنه مساعد لآمر  (م م ط  ) أي مدفعية مقاومة الطائرات ومقره بمعسكر الرشيد وهو أنسان طيب متفهم لن يؤخركم اكثر من خمسة دقائق وسنحرك ذلك المدفع .
٣- أعلما الجمعية بما حصل فكتبوا لذلك المدير وارسلوا وفدا له يضم عضو هيئة الجمعية ، فتمت  مقابلته واستقبلهم الآمر مهللا مرحبا وبأنكم أساتذتنا الكرام والموضوع لا يستحق معاناتكم  ،ففرحوا لكلامه بعد أن شاهدوه وهو يكتب شيئا على ورقة ظانين بأنها الموافقة وأذا به يسلمهم أياها وتحتوي اسم وموقع مدير الحركات العسكرية قائلا بأن ذلك من أختصاصه فقط .
٤- أتصلت الجمعية ولاخذ موعد مع مدير الحركات ومقره بوزارة الدفاع وذهب الوفد الجديد برئاسة عضو أخر سليط اللسان فأستقبلهم المدير بود وأحترام وتقديم الشاي والقهوة باستمرار مع أحاديث لا علاقة لهم بها لتمييع طلبهم وبالختام رجاهم استحصال موافقة رئيس أركان الجيش لأن الصلاحية لديه حصرا .
٥- أنزعجت الجمعية من عدم التوصل للحل فأعلمهم نائب رئيسها بعلاقته برئيس الاركان لانه ابن منطقته وصديق دراسته بثانوية الكرخ وكان نائب رئيس الجمعيه أستاذ جامعي معروف وبعد تحديد  الموعد مع سكرتيره تمت المقابله بترحيب حار من باب مكتبه وترديده مرارا بيت الشعر المعروف ( كاد المعلم أن يكون رسولا ) مع أحاديث عن معلميه ومدارسه وتفوقه بالرياضة والشعر وكثير من العنتريات الا انه انقلب فجأة يخاطبهم برسمية وبلغة فصحى عن الوطنية ويزداد حماسة كل دقيقة وكأنه متوجه للحرب وطالبهم بالصبر ثم الصبر ولمراجعته بعد ثلاثة شهور فقط  معللا بأن المدفع نصب لحماية بغدادكم العزيزة وفي خطة حمايتها ضمن الخطة العظمى لتحرير فلسطين وانه يعمل ليل نهار لتحقيقها قريبا وسيحتفل معهم بالنصر بزيارة ذلك المدفع وتقبيله .
٦- خرج الوفد منزعجا خائبا حيث لا مجال بعد الان لاي حل .
٧- وفي مساء نفس اليوم علم المقاول بتفاصيل اللقاءات  ومعاناة الجمعية فقال لهم  لا تهتموا وساباشر غدا بالعمل حيث ذهب لجندي المدفع مستصحبا له وجبة كباب دسمة مع طرشي وبصل وبرتقالات  وبسعر كلي قدره ٢٩٥ فلسا فقط سجلها على مصاريف وكلفة الدار وقام هو والجندي بتحريك المدفع الى ساحة مجاوره وأنجز بناء الدار وسلمه بعد ٤ شهور .
٨- وبعد ٥٠ سنة من تحريك ذلك (المديفع) لا زلنا نسمع يوميا بحل مشكلة فلسطين قريبا والحل والعلم عند الله .
مع فائق الاحترام

كناس بغدادي متقاعد

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

764 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع