لا تحلموا بنجاح الثورات حتى لو قادها الرقاصون والرقاصات

                                                  

                            د. فيصل القاسم

تتصاعد الحملة الإعلامية يومًا بعد يوم ضد الجماعات الإسلامية، وتحملها فشل الثورات في بعض البلدان. ويجادل البعض بأنه لولا دخول الإسلاميين على خط الثورات في سوريا وليبيا والعراق مثلًا لنجحت الثورات، ولما نجح النظام السوري وأمثاله في تأليب العالم على الثورة في سوريا وغيرها كونها تحمل طابعًا إسلاميًا دينيًا.

وهل تعتقدون أن الاستخبارات الدولية تمر عليها ألاعيب المخابرات السورية وغيرها التي حرفت الثورات عن مسارها وحولتها إلى حرب بين الأنظمة والإرهاب؟ لماذا لا نقول إن الجماعات الإسلامية تم إدخالها استخباراتيًا على خط الثورات بمباركة الاستخبارات الدولية قبل العربية إذا كان لنا أن نصدق أكذوبة أن الإسلاميين خربوا الثورات؟

لا شك أن هناك ألف عيب وعيب في الجماعات الإسلامية إن كانت فعلًا مستقلة وليست مجرد أدوات، خاصة على صعيد التناحر والتنافس والتكفير فيما بينها، فرغم أن الإسلاميين يرفعون دائمًا الشعار الإسلامي العظيم: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا} إلا أنهم أكثر من يضرب عرض الحائط بهذا الشعار، فهم لم يدخلوا منطقة إلا وتقاتلوا فيما بينهم، ولم يوحدوا صفوفهم، وتصارعوا على المغانم وإقامة الإمارات بدل أن يرصوا صفوفهم، ويكونوا كالبنيان المرصوص. تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى. لا شك أبداً في أن الجماعات الإسلامية وتشرذمها واختلافاتها الفكرية والدينية جعلت الجميع ينظرون إليها على أنها لا يمكن أن توحد صفوفها، وتملك مشروعًا، وتحقق الأمن والاستقرار فيما بينها، فما بالك أن تحكم المجتمعات وتبني دولًا، وتجمع الشعوب تحت لواء واحد. لا أحد يمكن أن ينكر هذه التهمة الموجهة للجماعات الإسلامية التي فضحت نفسها أثناء الثورات ونفّرت الكثير من الناس حتى انفضوا عنها وفضلوا العودة إلى أحضان الطواغيت بدل أن يلتحقوا بصفوفها. ولا أحد ينكر أن تلك الجماعات أسهمت في تثبيت الطغاة بعد أن قدمت نموذجًا أسوأ من نموذج الطغاة في بعض الأحيان. لكن مع كل هذه الانتقادات للجماعات الإسلامية، فلا يمكن أبداً تحميلها وحدها فشل الثورات أو لنقل تعثرها في بلدان الربيع العربي. لا شك أن الإسلاميين أخطأوا، لكنهم ليسوا المسؤولين الوحيدين عن مآلات الثورات ونتائجها فيما لو كانوا فعلًا ثوريين صادقين وليسوا مجرد طابور خامس في أيدي القوى الدولية. من السخف القول إن الغرب توقف عن دعم الثورات بعد أن دخل على خطها الإسلاميون أو خطفوها. لا أبدًا. ربما استغل البعض ارتداء بعض الثورات ثوبًا إسلاميًا كي يشيطنها ويتوقف عن دعمها، أو يقف ضدها، لكن السبب الرئيس في امتناع الغرب عن دعم الثورات والعمل على إنجاحها لا يتعلق أبداً فقط بوجود عناصر وفصائل إسلامية داخلها.

دعونا نعترف أنه لا مصلحة لجهات كثيرة في الغرب وفي المنطقة في نجاح الثورات، وبما أن أمريكا وإسرائيل تحديدًا لا مصلحة لهما أبداً في تحرر الشعوب وظهور ديمقراطيات جديدة في المنطقة على حدود إسرائيل، فهذا بالضرورة سيجعل أطرافًا كثيرة تدور في الفلك الأمريكي والإسرائيلي تمتنع عن دعم الثورة، وربما تعمل على وأدها وإفشالها بشتى الطرق، بغض النظر عمن يقوم بتلك الثورات. بعبارة أخرى، فإن الغرب وإسرائيل تحديدًا لا تخشى من الإسلاميين، بل تخشى من أي قوى وتيارات شعبية علمانية مدنية جديدة تطالب بالتغيير، حتى لو كانت تلك التيارات تيارات ليبرالية أو حتى ملحدة تابعة لحزب الرقاصات والعرصات والمعرصين.

ليس صحيحًا أن أمريكا خصوصًا والغرب عمومًا يفضل القوى العلمانية غير الدينية على الجماعات الإسلامية في المنطقة، لا أبدًا، بل إن الغرب يفضل الديكتاتوريات العسكرية المستبدة حصرًا لأنها تضمن حماية إسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة، وتقمع الشعوب، وتدوس عليها، وتمنع أي نهضة ديمقراطية وعلمية وصناعية وحضارية مما يخدم مصالح القوى الغربية. بكلمات أخرى، فإن إسرائيل وحلفاءها الغربيين لا يحبون الجنرالات العرب الحاكمين لأنهم علمانيون، بل لأنهم بالدرجة الأولى يحققون المصالح الغربية من خلال ترويض الشعوب وإبقاء المجتمعات العربية في حالة تخلف وخمود كي تبقى إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. إن هؤلاء الديكتاتوريين العسكريين ليسوا سوى كلاب صيد لصالح الإسرائيلي والأمريكي. لهذا منع الغرب سقوطهم، أو استبدل ببعضهم أسوأ منهم في بعض بلدان الثورات، وربما أيضًا تعاون معهم في خلق الإرهاب والإرهابيين لتخريب الثورات.

إن تعثر مسار الثورات ليس سببه الإسلاميين ولا أسلمة الثورات فقط، فحتى لو كان الثوار يلبسون التي شيرت والسراويل القصيرة، ويرقصون مثل مايكل جاكسون، ويستخدمون عطورات إيف سان لوران وشانيل، ويشربون البيرا والويسكي والكوكاكولا في حروبهم، لما سمحت لهم أمريكا وإسرائيل أن ينتصروا في سوريا وغيرها. لا تحلموا أن يناصر ضباع العالم ثورة الشعب السوري حتى لو رفع الشعب راية كفار قريش، لأن امتلاك الشعب لحريته وقراره يعني نهضة تخيف إسرائيل والغرب، وتشكل أكبر خطر عليها. وهذا ينطبق على جميع الشعوب الحالمة بالحرية، والباقي تفاصيل.

لو لم تظهر الفصائل الإسلامية التي يتهمونها الآن بتخريب الثورات، لكان أعداء الثورات قد صنعوا ألف بعبع آخر لتخريب الثورات غير الإسلاميين. هل تعتقدون أن الاستخبارات الأمريكية التي تراقب دبيب النمل في بلادنا لم تكتشف أن المخابرات السورية كانت تصنع وتربي المتطرفين الإسلاميين في سجونها وفروعها الأمنية لاستخدامهم ضد الثورة في الوقت المناسب، أم إن الاستخبارات العربية المختصة بصناعة التطرف الإسلامي تعمل أصلًا لدى الاستخبارات الأمريكية في هذا المجال، وأن الإسلاميين مهما كانوا أقوياء يبقون مجرد أدوات يتم تحريكهم لخدمة مصالح الكبار كما شاهدنا في أفغانستان وسوريا وغيرها؟ المشكلة باختصار ليست أبداً في الإسلاميين فقط، بل في إرادة دولية وإقليمية وحتى عربية قذرة لإجهاض الثورات، خاصة في سوريا، لأنها لا تناسب مصالحهم وأنظمتهم. المرفوض إذًا ليسوا الإسلاميين إن كانوا صادقين أو مجرد عتلات، بل المشكلة في أي فصيل، أيًا كان توجهه، يريد أن ينتقل بشعوب المنطقة من حالة التخلف والاستبداد إلى حال الديمقراطية والنهضة. وكل ذلك ممنوع علينا حتى الآن. وقد قالها الشاعر الكبير معروف الرصافي قبل أكثر من قرن من الزمان لشعوب المنطقة العربية: ناموا ولا تستيقظوا، ما فاز إلا النوّم.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع