اللورد كرزن وسرواله

                                                    

                             خالد القشطيني

الخادم شخصية كثيرًا ما ترددت في الأدب الغربي، بل وفي المجتمع العربي والأدب العربي أيضًا. كانت تقاليد الأرستقراطية تفرض على سادة القوم أن يصطحبوا معهم خادمهم أينما سافروا، بل وحتى في الولائم والحفلات. ولعل هذا ما يفسر العلاقة القلقة بين الخادم وسيده. وقد تفسر مكائد الخدم في حق سادتهم.

وكما قلت، انعكست هذه العلاقة في كثير من الأعمال الأدبية والفنية للتراث الغربي، كما في أوبرا «زواج فيغارو» لموتزارت. والمعتاد أن يقوم الخادم، كما في كثير من مسرحيات شكسبير، بدور الضمير المؤنب الذي لا ينفك من تأنيب سيده والسخرية منه ومن أسرته، وكله في إطار التقاليد الكوميدية للأدب الغربي.

بيد أن ذلك يخرج أحيانًا من ميدان الفكاهة والدعابة ويصبح واقعًا فعليًا من وقائع التاريخ، كما حصل لأرتكول، خادم اللورد كرزن، وزير الخارجية البريطاني. حصل ذلك عندما سافر اللورد مع خادمه هذا إلى مؤتمر لوزان في سويسرا عام 1922. كان أرتكول هذا مدمنًا على الكحول. ويظهر أنه احتسى من البندكتين أكثر مما يجوز. وبعد أن فرغ من كي بدلة سيده الرسمية وأعدها للاجتماع مساء، خطر له شيء آخر. لبس بدلة اللورد كرزن ودخل إلى صالون الاجتماع وراح يغازل كل من صادفته من سيدات القوم! وتصوروا جميعًا أنه هو اللورد كرزن وزير الخارجية البريطاني في حالة غير طبيعية.

وفي أثناء ذلك، كان اللورد كرزن جالسًا في غرفته ينتظر الخادم ليحمل إليه البدلة الرسمية للأمسية، بكل ما عليها من الأوسمة والنياشين. تضايق القوم من تأخره، فأسرع إليه سكرتيره المستر نكلسون. وروى ذلك في مذكراته. قال إنه تسلم من اللورد رسالة مقتضبة تحثه على الحضور إليه فورًا. واستجاب للطلب حالاً. قال: ذهبت إليه وإذا به ما زال يدور في غرفته بالبيجامة. وأفهمني الوضع. قال: أسرعت وأمرت أرتكول الخادم بالعودة حالاً إلى لندن مطرودًا من عمله. ثم ذهب إلى مدير الفندق وطلب منه فتح غرفة الخادم لتفتيشها عن ملابس اللورد الرسمية. لم يجد لها أثرًا. ثم خطر له أن ينبش الفراش ويرى ما قد خبئ فيه. ويا للهول!

وجد تحت اللحاف ثلاث قنان فارغة من البندكتين وبجانبها بدلة اللورد الرسمية ومكواة. أسرع المستر نكلسون إلى استعمال المكواة بنفسه لتهذيب وإعداد السترة والبنطلون بحيث تكون مقبولة المظهر. ثم طلب من مدير الفندق الاتصال بالشرطة لمنع أرتكول من عبور الحدود وإعادته مخفورًا بعد استعادة ما خطفه من ملابس سيده.

وهنا نجد هذه الصفحة الرائعة مما يعرف عن الإنجليز، برودة أعصابهم. كان اللورد كرزن قد وعد ضيوفه بأن يتلو عليهم قصيدة الشاعر الفرد تنيسون «دموع، دموع خاملة». فقد كان كرزن معروفًا بتضلعه في الأدب الإنجليزي. وقف كأن أي شيء لم يحصل وتلا القصيدة بصوته الحنون وصفق له الحاضرون.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

731 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع