صلاح فائق شاعر يكتب بممحاة

                                                    

                        كتابة - إيمان البستاني

          

     

          صلاح فائق شاعر يكتب بممحاة

     

من الفلبين حيث مقره , يطل علينا الشاعر العراقي صلاح فائق ابن مدينة كركوك , تلك المدينة التي ما فتئ العراقيون يتقاتلون عليها منذ ان فطنوا الى كنوز ذهبها الاسود , هو شاعر حداثوي خرج مع شعراء الستينات مع سركون بولص، وفاضل العزاوي، ومؤيد الراوي، وجليل القيسي، وجان دمو، والأب يوسف سعيد، عندما تبنوا لهم نمط مختلف عن شعراء الجنوب

صلاح فايق ( 1945 ) المنحدر من اب تركماني وأم كردية وقلم عربي , يكتب نصوصه وهو الخجول ذو القميص الازرق نصوصاَ شعرية فنتازية وإن كانت بالعربية الا ان اجواء نصوصه الشعرية شرق آسيوية مثقلة بغيوم رطبة ومغمسة  بمطرها لها رموز أمكنتها إما ان تكون غرفة في فندق لم يعُرف ابداً من هوالذي سيدفع اجرتها , او انها حانة لبحارة اذرعهم منقوشة بوشم يحكي مغامراتهم الخاسرة يثرثرون بها من  بين اسنانهم الذهبية , او انه ساحل مهجور يتكئ على صخرته نوارس حزينة تكره المحيط  , وشخوصه متنوعة يقودها هو دائماً برمزية المتحدث , في هذه النصوص يقبض فيها صلاح فائق على ذكرياته ويسجلها بتقشف زاهد وملغومة حد الانفجار بمعاني تختصر ذكرى ماضٍ يغوص برموزه المستوطنة بجبروت حضور , والدته و والده حاضران بتنويعات المشهد , كتبه احلامه و وحدته كل هذا يطغي على بناء السرد , النساء عنده تتأرجح من جارة هرمة تسلقه بلسانها او خادمة صماء ترتب فراشه وتعد له فطوره وتختفي , او بنات مدارس ينطنطن بتنانير مزركشة ...او نملة تحضر جنازة .....او دب يقرأ صحيفة .... تجربته الشعرية تكاد ان تكون تأبين دائم لحياة تمناها ولم يعشها
صلاح  فايق له لغة سرد وان بدت ظاهرياً مقتضبة لكنها تختزن شحنة شعرية عالية بما تقدمه من مشهد بصري تدفع القارئ لرؤية صور تتحرك أو مشاهد متتابعة في فيلم سينمائي وما ان تنتهي من القراءة حتى يتلاشى المشهد ويذوب بين الاصابع وتنمحي النصوص وكأنما يكتب بممحاة  او رمل على شاطئ ويبقى ذكرى صور المشهد عالقة في الذهن
يقول صلاح فائق لنا في نصه هذا
برنامجي لهذا اليوم
غسل صحون الأمس , حضور جنازة أحد جيراني
لا يعرفُ احدٌ لماذا أغرقهُ المحيط قبل يومين
شراءُ طبلٍ من جلدِ خنزير
لمتعتي في الليل
تنظيف الراديو من جحافلِ نمل
كتابة إيميل الى أمي
بعدما رايتها غاضبة في منامي قبل اسبوع
مواساة صديقٍ في حديقة قريبة
هربت زوجتهُ مع احد الأغنياء
العودة الى غرفتي
لأكتبَ قصيدة
كما انه سيريالي فواقعي بأمتياز , برموز تستأسد المشهد من حيوانات ضارية يختار منها ما هو على هيئة طير او ذئب او دب او افعى وحتى النمل له دور في سفينة نوحه....او يزرع غيمة في غرفة ضيوفه وعليك انت القارئ ان تتعايش معها ....حتى تصبح لازمة كلما دخلت غرفة ضيوف احدهم وددت لو سألته هل يمتلك واحدة ؟ ....هذا الاستخدام المفرط للسريالية القادم من منطقة اللاوعي والتي يوظفها صلاح فائق بمهارة لا لغرض واعظي ولا لغة مباشرة ينفر منها الآخر وانما هي فلسفة بكاء ممزوج بالضحك وهو ما يدافع به صلاح فائق عن نفسه بالسخرية والتهكم من عالم بشع مراوغ مادي وكأنه بهذا يدافع عن فكره الذي آمن به في شبابه ولم يكفيه وطنه يومهاَ ان يتسع له و لفكره , لهذا حمل الاثنان وغادر بآسى لازالت مرارته مترعة في نصوصه شربها كلها وبدأ يسقي قرائه منها قطرة فقطرة ليتعلموا التجربة , وهو لم يتبنى يوماَ لغة سياسية صاخبة متعالي عن ايلاج نفسه في خضم  تياراتها المتضاربة
بقى ان نقول ان صلاح فائق استطاع ان يتجاوز محنته بشعره الغرائبي والغزير كنزيف يومي ويفك آسره من ذكرياته و موطنه و كركوكه ووظفه ليجعله مناخ و مكان يعيش فيه معتبراً العالم كله موطنه وبهذا عقد صفقة سلام آمن مع نفسه
في آمان الله

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

991 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع